ألمانيا: حكومة بافاريا تفرض تعليق صلبان مسيحية على مؤسساتها ومسلمون يتهمونها بالازدواجية

فرضُ حكومةِ ولاية بافاريا (الحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم) وضع صلبان مسيحية على مداخل كل المباني الحكومية الرسمية ... إبراز للهوية الثقافية أم حملة انتخابية شعبوية واستغلال للرموز الدينية في مواجهة حزب يميني شعبوي منافس مناهض للإسلام والمهاجرين ولميركل؟  مسلمون ألمان انتقدوا "ازدواجية المعايير" وعدم المساواة مع الرموز الدينية الإسلامية واليهودية في الأماكن العامة. ودخل حيزَ التنفيذ قانونٌ مثير للجدل أمس الجمعة 01 / 06 / 2018 في ولاية بافاريا الألمانية المحافظة، ملزِمٌ بوضع صلبان على مداخل كل المباني الرسمية في إجراء لاقى تنديدا واسعا باعتباره مناورة سياسية. والحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم في ولاية بافاريا والشريك البافاري لحزب المستشارة أنغيلا ميركل الحزب المسيحي الديمقراطي مهدد بالواقع بخسارة غالبيته المطلقة خلال الانتخابات المحلية المرتقبة في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2018 أمام تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المناهض للإسلام والمهاجرين ولميركل. وقال رئيس منظمة المجلس الإسلامي: "نعتقد أن الرموز والقيم الدينية مهمة للمجتمع". لكنه أشار إلى إلى أن النظر إلى الحجاب كأمر سلبي مع الاحتفاء بفرض وضع الصلبان في الأماكن العامة يصل إلى حد "ازدواجية المعايير". فيما قال رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا: "الأمر غير المقبول هو قبول الرموز المسيحية فيما يتم حظر رموز إسلامية أو يهودية أو أي رموز أخرى في الأماكن العامة". ويعيش أكثر من أربعة ملايين مسلم في ألمانيا، وهو ما يجعلهم أكبر أقلية دينية في البلاد.  وبحسب مذكرة محلية دخلت حيز التنفيذ في 1 حزيران/يونيو 2018 يتوجب على كل الوزارات وقصر العدل ومراكز الشرطة وأجهزة التخطيط المدني والمؤسسات العامة الخاضعة لسلطة الولاية الاتحادية أن تعلق صليبا على مداخلها وفي مكان "ظاهر بشكل جلي". وهذا الإجراء المثير للجدل يندرج بحسب النص في إطار "الاعتراف بالهوية" البافارية مشيرا إلى أن الصلبان تشكل "تعبيرا عن بصمة تاريخية وثقافية" في هذه المنطقة ذات الغالبية الكاثوليكية القلقة منذ ثلاث سنوات من وصول اللاجئين وغالبيتهم من المسلمين. وأكد رئيس وزراء بافاريا ماركوس زودر من الحزب المسيحي الاجتماعي الذي يقف وراء هذا الإجراء الذي تقرر في نيسان/أبريل 2018، أنه "قرار صائب". وقال إن الصليب "ليس فقط رمزا دينيا وانما يرمز كذلك إلى الهوية". وقال هذا البروتستانتي للتلفزيون والإذاعة البافاريين "الثقافة المسيحية راسخة لدينا مع أيام العطل المسيحية" وذلك قبل لقاء خاص مع البابا فرنسيس الجمعة في الفاتيكان. ولم تصدر تعليمات بخصوص حجم الصلبان كما أن بعض المؤسسات الثقافية مثل المتاحف أو المسارح ليست ملزمة بتطبيق هذا الإجراء. وهناك صلبان معلقة أساسا في قاعات الدراسة في المدارس الابتدائية وقاعات المحاكم البافارية. أثار الإجراء انتقادات وخصوصا من المدافعين عن البيئة واليسار المتشدد الذين ينددون بإجراء شعبوي انتخابي فيما يسجل اليمين المتطرف المناهض للمسلمين تقدما كبيرا في البلاد. والحزب المسيحي الاجتماعي الشريك البافاري لحزب المستشارة أنغيلا ميركل الحزب المسيحي الديمقراطي مهدد بالواقع بخسارة غالبيته المطلقة خلال الانتخابات المحلية المرتقبة في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2018 أمام تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المناهض للإسلام والمهاجرين ولميركل. وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، أكبر قوة معارضة في البوندستاغ، نال 13% من الأصوات في ثاني أكبر منطقة من حيث عدد السكان في البلاد (12,9 مليون نسمة). ويمكن أن تتراجع نسبة مؤيدي الاتحاد المسيحي الاجتماعي إلى 42% علما بأنه لم يخسر سوى مرة واحدة الغالبية المطلقة منذ الستينيات. ومنذ قرار المستشارة الألمانية التاريخي بفتح أبواب البلاد أمام أكثر من مليون لاجىء في 2015، توترت العلاقات بين القادة البافاريين والمستشارة. وتمكنوا بشكل ما من أن يفرضوا عليها حصصا سنوية في مجال استقبال اللاجئين. واعتبر أحد أبرز مسؤوليهم وزير الداخلية الاتحادي الحالي هورست زيهوفر في الآونة الاخيرة ألا مكان للإسلام في ألمانيا. وقال: "الإسلام ليس جزءا من ألمانيا. ألمانيا طابعها مسيحي. يوم الأحد عطلة، أيام العطل مسيحية وأعياد الفصح والعنصرة والميلاد جزء منها"، رغم أن البلاد أصبح فيها 4,4 إلى 4,7 مليون مسلم. ويأمل الحزب المسيحي الاجتماعي بحصول "ثورة محافظين" يكون أساسها العائلة والجذور المسيحية والوطن باعتبار أنها تشكل "استقرارا ثقافيا" بحسب أحد مسؤوليه: ألكسندر دوبرينت.وكتبت صحيفة "أوغسبورغَر ألغيماينه" البافارية الجمعة 01 / 06 / 2018: "يظهر أن الحزب المسيحي الاجتماعي يحاول استمالة ناخبي حزب البديل لألمانيا عبر استخدام خطابه المتعلق باللاجئين والإسلام وبالطبع الصليب". واستهجن أحد أبرز مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية الألمانية الكاردينال رينهارد ماركس أيضا قرار قادة بافاريا معتبرا أن هذا الاجراء يخلق "الانقسام والاضطرابات". من جهته حذر أيمن مزيك رئيس المجلس المركزي للمسلمين من هذا الإجراء الذي يقوم على قبول الرموز المسيحية لكنه يحظر الرموز المسلمة واليهودية من الأماكن العامة. وتشهد ألمانيا جدلا بدأ في السنوات الأخيرة بخصوص ارتداء الحجاب في المدارس او في الإدارات على سبيل المثال. وفي ولاية شمال الراين ويستفاليا (غرب ألمانيا) حيث تقيم أقلية كبرى من المسلمين، يتم بحث منع الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن 14 عاما من ارتداء الحجاب.  واتهمت جماعات مسلمة في ألمانيا يوم الجمعة 01 / 06 / 2018 حكومة ولاية بافاريا بازدواج المعايير مع سريان الأمر الجديد الذي يفرض على كل مبنى من المباني الحكومية بالولاية الواقعة بجنوب البلاد وضع صليب في مدخله. ولا تحظر ألمانيا على النساء ارتداء الحجاب لكن هناك قيود في عدد من الولايات على الحجاب وبعض الملابس ذات الصبغة الإسلامية في المحاكم والمدارس. وطرح ماركوس سودر رئيس وزراء بافاريا المنتمي لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ أمر وضع الصلبان في أبريل / نيسان 2018 مما أثار رد فعل غاضبا من سياسيين معارضين ورجال دين بارزين. وقال برهان كيسيجي رئيس منظمة المجلس الإسلامي: "نعتقد أن الرموز والقيم الدينية مهمة للمجتمع". وأشار إلى أوامر مثل الأمر الذي صدر في ميونيخ عاصمة بافاريا وحظر الحجاب في المحاكم وقال إن النظر إلى الحجاب كأمر سلبي مع الاحتفاء بفرض وضع الصلبان في الأماكن العامة يصل إلى حد "ازدواجية المعايير". وقال أيمن مزيك رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا: "نحن المسلمين ليس لدينا مشكلة مع الصليب أو مع رفع شأن الدين في الحياة الاجتماعية. لكن يجب حماية حيادية الحكومة". وأضاف: "الأمر غير المقبول هو قبول الرموز المسيحية فيما يتم حظر رموز إسلامية أو يهودية أو أي رموز أخرى في الأماكن العامة". ويعيش أكثر من أربعة ملايين مسلم في ألمانيا، وهو ما يجعلهم أكبر أقلية دينية في البلاد. وبموجب القواعد الجديدة يتعين على كل المكاتب الحكومية والإدارات في بافاريا، أغنى ولاية في البلاد وأكثرها تحفظا، تعليق صليب في مدخلها فيما توصي القواعد الجديدة المدارس والمتاحف والمسارح بوضع صلبان. ويعتبر تعليق الصلبان في المنشآت الحكومية ببافاريا وراء عقد اجتماع لمناقشة "القيم والثقافة والهوية" ماذا يعني أن تكون من بافاريا؟ إنه سؤال شغل بال ألمانيا في الآونة الأخيرة، حيث تابعت باقي أنحاء البلاد الولاية الواقعة في الجنوب وهي تطلب من المكاتب الحكومية عرض الصلبان المسيحية، ومنح شرطتها صلاحيات واسعة لاتخاذ إجراءات ضد أي "خطر وشيك". وفي ضوء الجدل المدفوع بالإجراءين الأخيرين - في ظل حكم رئيس وزراء بافاريا الجديد، ماركوس زودر - تخطط الولاية لاستضافة اجتماع مائدة مستديرة في الشهر المقبل، لمناقشة أمور مثل القيم والثقافة والهوية. ومازال هناك الكثير من التفاصيل غير واضحة بشأن الاجتماع، حيث لم يتم تحديد قائمة الضيوف، ولم يُعرف ما إذا كان الاجتماع سيقتصر على شخصيات من بافاريا أو ما إذا كان المجال سيكون مفتوحا أمام الألمان من باقي الولايات الخمسة عشر الأخرى. ولم يتم تحديد أي تاريخ لعقد الاجتماع، بخلاف ما يقال حول عقده بعد عطلة "عيد العنصرة"، الذي ينتهي في الثاني من حزيران/يونيو 2018. أما الشيء الوحيد الذي يبدو واضحا، هو أنه سيكون هناك الكثير الذي ستتم مناقشته. وقال زودر في ميونخ: "لدينا موقف واضح بالطبع، ولكننا نفتح الباب للنقاش... سوف يحدث ذلك في اجتماع المائدة المستديرة الكبيرة الخاص بنا، والذي سيشهد تبادلا طويل المدى للآراء". ومن المحتمل أن تكون مسألة الصلبان نقطة حوار رئيسية أثناء الاجتماع.  وكانت حكومة زودر مررت في الشهر الماضي قرارا يطالب جميع مكاتب الدولة والوكالات بتعليق صليب في مناطق الدخول الخاصة بها. وأثناء محاولته التهرب من الاتهامات التي تفيد بأنه يخلط الحدود الفاصلة بين الكنيسة والدولة، رد زودر على منتقديه مجادلا بأن الصليب في بافاريا هو رمز للتراث والثقافة أكثر من كونه رمزا دينيا.وانتشرت في وسائل الإعلام الألمانية صور يظهر بها زودر وهو يقوم بتعليق صليب كبير أمام أحد المكاتب. وبالطبع فإن ذلك لا يتناسب مع الجماعات الكنسية التي تشعر بتآلف خاص مع الصليب. وترى الكنيسة وآخرون غيرها أن هذه الخطوة من جانب زودر هي استغلال للرمز الديني لأغراض خاصة بالحملات.ومازال القرار يثير مشاعر قوية. وقد تم مؤخرا طرح الموضوع في اجتماع للأعضاء المحافظين التابعين للحزب المسيحي الديمقراطي، تيار يمين الوسط، مع ظهور زودر وهو يبدو متقدما علي الكنيسة الكاثوليكية، بحسب تقديرهم.  من جانبه يقول هانس يورغين إيرمر، وهو نائب برلماني من ولاية هيسن في غرب البلاد إن "رئيس الوزراء الذي يقوم بتعليق صليب هو أفضل بالنسبة لي من الكاردينال الذي يقوم بإزالته، بسبب فهم خاطىء للتسامح". من ناحية أخرى يقول كريستيان فاغنر، وهو مواطن آخر من هيسن، إنه من الممكن أن يكون الصليب رمزا مسيحيا، بالإضافة إلى كونه يمثل الثقافة والقيم المحلية. ويشير مثل هذا الجدل إلى أن المائدة المستديرة لن تكون مكانا للإشادة والمدح. ويقول زودر إنه يريد أن يَظهَر المنتقدون أثناء الاجتماع، كما أنه يريد أن تطرح الناس أسئلة صعبة. ويشار إلى أن بافاريا لديها منذ فترة طويلة علاقة متوترة مع باقي ألمانيا. ولكونها واحدة من أغنى الولايات في ألمانيا، فإن لها لهجة مميزة واحتراما متأصلا للتقاليد. وتحظى الكنيسة الكاثوليكية بقوة في الولاية. ولا يحظى الحزب المسيحي الديمقراطي (يمين الوسط) بأي وجود هناك، لأن الولاية لديها حزب يمين وسط خاص بها، وهو "الحزب الاجتماعي المسيحي". ويقول زودر إنه يخطط لدعوة ممثلين عن الكاثوليك والبروتستانت، بالإضافة إلى قادة الجماعات الدينية الأخرى، مثل الجالية اليهودية. وأشار إلى أنه قد يدعو العديد من ممثلي كل كنيسة، مشيراً إلى أن الكنائس الفردية غالبا ما تضم مجموعات مختلفة داخلها. كما يرغب أيضا في استضافة ممثلين عن مجالات العلوم والثقافة والجماعات التقليدية. ويقول: "من المؤكد أنها سوف تكون احتمالية لإجراء محادثة مع المنتقدين". ويضيف: "من المهم بالنسبة لنا أن نتحدث مع بعضنا مع بعض بدلا من أن نتحدث بعضنا عن بعض. إنها دعوة للنقاش حول الثقة في النفس. فما الذي يجعل الولاية متماسكة؟". ويوضح: "نريد أن نتحدث عن هويتنا، بطريقة متكاملة وجذابة وليست إقصائية. نريد أن نجري مناقشة فكرية وعاطفية، مفتوحة". وقال زودر إنه يتوقع حضور ما يتراوح بين 20 و30 مشاركا، بالاضافة إلى توقعه أن يعقب اجتماع المائدة المستديرة الأول، مناقشات جماعية صغيرة. ويقول: "لا نرغب في قمة كلاسيكية بمواقف رسمية، ولكن (نرغب في) تبادل منفتح حول القيم والمواقف الشخصية". ويضيف أن "الأمر يتعلق بالنقاش المفتوح... والإنصات. فالإنصات مهم جدا بالنسبة لي". ويواجه "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" منافسة قوية مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي والمعادي للهجرة في ألمانيا، في الانتخابات المقبلة، وقد أوضح زودر هدفه بأن يسترد الحزب ما فقده من أصوات في الانتخابات الاتحادية في العام الماضي.  وقد تراجع دعم "الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، الذي ينظم حملات في بافاريا فقط، إلى 38 بالمئة في الانتخابات التى جرت في أيلول/سبتمبر. وقد حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" على 12.6 بالمئة من الأصوات. (أ ف ب ، رويترز ، د ب أ)