شاعر سوري يستوحي من ″كليلة ودمنة″ أوبرا ضد الدكتاتورية

"كليلة ودمنة" أول أوبرا عربية قدمت باللهجة المحكية السورية من إنتاج فرنسي، وعرضت ضمن فعاليات مهرجان "أكس" الفرنسي لمدة عام إضافة إلى عدد من المدن الأخرى. الصحافية راما الجرمقاني تحدثت مع المؤلف والشاعر فادي جومر حول فكرة ونشأة المسرحية.

الكاتبة ، الكاتب: راما الجرمقاني

"لو تقتل الشاعر بتعيش بعدو ألف غنية.. ولو تحرق الكرم بينبت زهر يعبي البرية.. لو تسرق عيون الحكي.. بتبقى الأغاني كل سهرية.."..

بهذه الكلمات أختار المؤلف والشاعر فادي جومر لمسرحية "كليلة ودمنة" أول أوبرا عربية من إنتاج فرنسي، والتي عرضت ضمن فعاليات مهرجان "أكس" الفرنسي لمدة عام إضافة إلى عدد من المدن الأخرى.

المسرحية ليست مجرد نسخةٍ أخرى عن كتاب "كليلة ودمنة" المكتوب بلغة الحيوانات والذي نقله إلى العربية ابن المقفع. فحيوانات باب "الأسد والثور" من كتاب "كليلة ودمنة" تنطق هذه المرة بالسورية المحكية شعراً وغناء. وبذلك تعود القصة إلى أصلها وينزع رداء الإعارة وليتحول الأسد إلى الملك والثور إلى

الشاعر شتربة عدا عن أن شخصيتي كليلة ودمنة خلعتا عنهما رداء بنات آوى ليصبحا شقيقين يمثلان واقعنا المعاش بإسقاطات عصرية.

وحول الفكرة يشرح الشاعر فادي جومر أن الفكرة بدأت في أواخر 2014 حين كان في تركيا. يومها اتصل به ملحن العمل وأحد الممثلين الأساسيين فيه وهو الموسيقي الفلسطيني منعم عدوان، الذي كان يعرفه من قبل إذ سبق أن تعاونا في عدة أغنيات منفردة. ويضيف جومر قائلا: "لقد شرح لي عن مشروع كليلة ودمنة، الذي سينفذ كأول أوبرا غنائية  بالعالم العربي من إنتاج مهرجان إكس برو فرانس.

وبالفعل كتبت نموذجاً وأرسلته وكنت قد التزمت بالنص الأصلي وقتها، فوافقت إدارة المهرجان مبدئيا، ودعوني لفرنسا لكن لأسباب تتعلق بعدم قدرتي بالحصول على التأشيرة، جاء فريق العمل إلى إسطنبول، وعندها حدث أهم قسم بالعمل باعتقادي حيث اقترحت أن يتحول صراع الحيوانات في القصة الأصلية إلى قصة معاصرة بين البشر".

ويتابع جومر: "أعتقد أن هذا الاقتراح هو ما حسم اختياري لكتابة النص لأنها (الكتابة) كانت تحولا جذريا في مسيرة العمل حيث تحول من عمل موسيقي كانت فكرته هي الحكاية والاستعراض إلى عمل مسرحي أساسه الموسيقى".

تصوير معاناة الشعوب مع الدكتاتوريات

أربعة وعشرون مشهداً غنائياً كتبها جومر ولحنها منعم عدوان من فلسطين وهو صاحب فكرة العمل أساساً، تخللت هذه المشاهد مقاطع بالفرنسية لتربط بين الأحداث وأغنية فرنسية واحدة كتبتها كاثرين فريلاج من فرنسا، ليخرج العمل الفرنسي أوليفييه لاتيلييه، بينما وزع الموسيقى وقاد العازفين زياد الزوّاري من تونس.

منعم عدوان ونين الشعار في شخصيتي "كليلة ودمنة"
منعم عدوان ونين الشعار في شخصيتي "كليلة ودمنة"

وحول تفاصيل العمل يقول جومر "أعتقد أن تحويل القصة لصراع بشري كان هو النقطة الأهم، وبعدها اتفقنا على البناء الأساسي للعمل من وحي القصة نفسها، وأي مشاهد سنختار، خاصة أن القصة تحوي تفاصيل وتفرعات كثيرة، وحددنا الشخصيات وطورنا دور أم الملك، الذي هو دور ثانوي بالقصة الأساسية، وكتبت في تركيا حوالي 80 بالمائة من العمل لأتابع بعد ذلك في ألمانيا التي تقدمت لطلب اللجوء فيها".

"الفكرة تصور صراع الشعب مع الدكتاتوريات والشخصيات بالعمل كما كتبتهم لم يمثلوا أشخاصاً بقدر ما يمثلون طبقات أو ربما نماذج وحالات اجتماعية". يتابع فادي ويشرح "الملك هو الديكتاتور الناشئ قليل الخبرة بأصول الديكتاتورية، في حين تمثل أم الملك ’الحكومة العميقة’، أي الحاشية المحيطة بالدكتاتور والتي تمثل القوات الأمينة والأفرع في سوريا مثلاً  أو مؤسسات الأبحاث الأمريكية، في حين يمثل دمنة الطبقة اللي تحت الديكتاتور و أدواته. أي ما يشبه طبقة المثقفين التابعة والخاضعة للنظام السياسي في دولنا، بينما ’شتربة’ الشاعر هو الطبقة الثقافية الواعية المنحازة للشعب، وكليلة هي ببساطة الشعب.. هي الناس اللي عم تحلم بالعيش بحرية ولكنها مع ذلك راضية بواقعها في حال لم يتغير الوضع، لكنها مع التغيير من بعيد، وهذا أعطى العمل بعداً آخر كي لا تكون مجرد عمل غنائي".

العمل عبر سكايب و"المحكية" لم تكن عائقاً

خمسة أصوات وخمسة عازفين من تونس والمغرب ولبنان وتركيا، اشتركوا لينتجوا أوبرا غنائية باللهجة السورية المحكية التي لم تكن عائقاً أبداً أمامهم ليظهر العمل بهذه الصورة النهائية المبهرة بحسب تعليقات الحضور والنقاد.

فمحمد الجبالي من تونس ومنعم عدوان وريم تلحمي من فلسطين ورنين الشعار وجان شهيد من لبنان بدوا كأنهم من سوريا لا بل من القلمون، المنطقة التي ينحدر منها الشاعر جومر كاتب النص، بحسب ما يؤكد. ويقول "لم يكن العمل عن بعد صعباً نظراً لكوني غير قادرٍ على التحرك بسبب تأخر حسم مسألة إقامتي في ألمانيا، فكنت ممنوعا من المغادرة، ما جعل العمل يكون عبر سكايب مع الكاتبة الفرنسية والممثلين، لكني لم أجد المسألة صعبة بقدر ما أني افتقدت متعة التواجد في المسرح، وحرمت من روح المسرح".

الشاعر فادي جومر
الشاعر فادي جومر

وحول الإضافة التي قدمها العمل له يقول جومر: "بالمبدأ العمل هو الأول من نوعه على الصعيد الشعري والموسيقي على الإطلاق بالعالم العربي، مما أكسبني ميزة غياب المنافسة، لكن بالقابل لم يكن هناك خبرات سابقة يمكنني أن أعتمد عليها. فمثلاً لو قررت أن تكتب مسرحية عليك قراءة مائتي مسرحية على الأقل لكن هنا لا شيء، لا دراسات نقدية ولا دراسات علمية، لذلك بنيت عملي بناءً على إطلاعي على الشعر بالمحكية وعلى الشغف الموسيقي ومتابعتي  لحركة المسرح الموسيقي العربي كمسرح الرحابنة وغيرهم، لكن بالنهاية هذا عمل مختلف كلياً عن تأليف الأغنيات فالأغنية هنا متضمنة بالعمل، ولا يمكن للجزء أن يكون أجمل من الكل بالتأكيد".

"الشاعر يقتل بأكثر من طريقة"

لأكثر من ساعة ونصف تابع الجمهور العرض الحي، وصفقوا كثيراً في مدينة "إكس" خلال المهرجان وفي باريس وعددٍ من المدن الفرنسية وفي المغرب، فالعرض الذي وقف في مسافةٍ فاصلة بين الماضي والحاضر، يتكلم عن اليوم بشخصياتٍ قادمة من الأمس كانت من الأمور التي جعلت العديدين يشعرون بقرب القصة منهم.

في النهاية يعود فادي جومر ليؤكد بالمقطع الغنائي نفسه "لو تقتل الشاعر بتعيش بعدو ألف غنية" على أن المسيرة لا تتوقف عند شخص. بيد أن جومر، الذي يقيم في إحدى القرى الصغيرة في ألمانيا دون قدرةٍ على التنقل منذ سنتين يعتبر أنه يقتل بطريقة أخرى ويقول "عندما سجنني النظام السوري سرق من عمري عدة شهور، لكن لم يكن يخطر في بالي أن بلداً أوروبياً قادراً على قتل الشاعر لأسباب سياسية مختلفة، لا بسبب رأيه بل لتغير سياسة الترحيب به".

ويتابع الشعر السوري قائلا: "لا يمكنني أن أفكر بالمستقبل كشاعر، لأنه عندما تم فرزي إلى قريةٍ صغيرة لا تحوي أي نشاط ثقافي أو إمكانية تواصل مع الناس، لم أسأل ماذا أعمل؟ وأعتقد انه من المفروض أن أتحول بأسرع وقتٍ ممكن إلى عامل في معمل بعيداً عن موهبتي وعملي الأساسي، لأن القانون هنا لا يعترف بذلك، حتى أنني بموجب القرارات الجديدة أصبحت حبيس هذه القرية 3 سنواتٍ على الأقل".

ويقول جومر بحزن "لم أتمكن من حصد نجاح عملي، لم أتمكن أن أتلقى التهاني من الناس بعد العروض، لعدم قدرتي على التنقل، مع أني الكاتب ومن حقي أن أكون موجوداً لاستمتع بالنجاح، ولم يتم الموافقة على أي من الطلبات التي قدمتها لذلك، وما زلت حبيس قريتي".

 

راما الجرمقاني

حقوق النشر: دويتشه فيله 2017