زواج عربي ألماني واضطرار دائم لدخول نقاشات حول الإسلام

في روايتها الأولى "لأننا منذ زمن بعيد في مكان آخر" تروي الكاتبة السعودية الألمانية رشا خياط، المقيمة في مدينة هامبورغ الألمانية، قصة شقيق وشقيقته يعيشان في مجال متوتِّر بين ثقافتين مختلفتين. الصحفي ماريان بريمر يستعرض هذه الرواية لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marian Brehmer

من الصعب على شخص ليس لديه تاريخ هجرة أن يفهم الشعور بالتمزُّق بين وطنين والرغبة في التوفيق بين ثقافتين. تتخلل رواية رشا خياط الأولى "لأنَّنا منذ زمن بعيد  في مكان آخر" أشواق وصراعات تتمخَّض عن وجود هوية مزدوجة.

وهذه الرواية تروي قصة ليلى وباسل، وهما شقيقة وشقيقها من أب عربي وأم ألمانية. وهذا ليس القاسم المشترك الوحيد بين بطلي الرواية والمؤلفة، بل وحتى كونهما قد قضيا أعوامًا عديدة من طفولتهما في المملكة العربية السعودية.

لقد اتَّخذت ليلى خياط قرارًا لا يمكن لأحد في بيئتها الألمانية أن يفهمه: فقد عادت إلى وطن أبيها، السعودية، بهدف الزواج من رجل عربي. أليست السعودية هي الدولة التي "أقوم كلَّ بضعة أسابيع على الإنترنت بتوقيع شكاوى ضدَّ الأوضاع السياسية السائدة فيها"، مثلما يتساءل بطل الرواية باسل، قبل أن يسافر بالطائرة إلى مدينة جدة السعودية من أجل حضور حفل زفاف شقيقته.

الفرق بين شقة باسل المشتركة في حيِّ سانت باولي في مدينة هامبورغ الألمانية وشقة عمه خالد الفاخرة في السعودية، والتي يدخلها للمرة الأولى منذ عدة أعوام، كبير إلى أبعد حدّ.

الشعور بالضَّم بالقوة  

ورواية رشا خياط تعتمد على هذه التناقضات، التي تصفها وصفًا حيًا وتزعزع بالتالي تصوُّراتنا وأحكامنا المسبقة. ورشا خياط باحثة مختصة في الآداب وكذلك مترجمة. ومنذ عام 2010 تقوم بنشر مدوَّنة عنوانها "ديفا الغرب والشرق " West-östliche Diva، وتصفها بأنَّها "نافذة ألمانية تطل على العالم العربي".

وُلِدَت رشا خياط في مدينة دورتموند الألمانية ونشأت في مدينة جدة السعودية. وعندما عادت إلى ألمانيا في أواخر الثمانينيات، واجهت أحكامًا مسبقة وتحيُّزات راسخة وعميقة الجذور. ومن خلال بطلة روايتها ليلى تروي المؤلفة أنَّها كثيرًا ما تم قذفها بكليشيهات، يعود أصلها إلى روايات شعبية مثل رواية "ليس من دون ابنتي".

Buchcover Rasha Khayat: "Weil wir längst woanders sind" im Verlag Dumont
Facettenreiches Leben: Rasha Khayats "Wenn wir längst woanders sind" ist auch ein Porträt Saudi-Arabiens, das die Autorin oft aus der Perspektive des Zwischenmenschlichen, der Gespräche und Begegnungen in ihrem Debüt-Roman zeichnet.

تقول رشا خياط: "هذا الشعور بالضم  بالقوة أعرفه جيدًا. حينما يرد تعليقٌ معادٍ للأجانب، غالبًا ما تليه هذه الإضافة: أجل، ولكنني لا أقصدك أنت بالذات". وتضيف: "هذا أمر سخيف. فيا ترى ما الذي يميِّزني في تلك اللحظة عمَّن يُفترض أنَّهم جمهور همجيّ مجهولي الهوية يتم قذفهم بالشتائم؟"

ورشا خياط تُبيِّن مدى تعقيد الحياة في الأسر ثنائية الثقافة من خلال استرجاعها لذكريات قصيرة، تُعيد فيها سرد قصة والدي باسل وليلى. تنحدر الأم من أسرة محافظة أصلها من "منطقة الرور" في غرب ألمانيا، أمَّا الأب فقد نشأ كابن لخياط في أسرة كبيرة من مكة المكرَّمة.

وعندما قدَّمت ليلى أخيرًا لأخيها باسل زوجها المستقبلي - وهو رجل نصفه عربي ونصفه الآخر إنكليزي - قالت بشكل مقتضب: "هو واحد منا، يا باسل. وهو كذلك مقسوم إلى نصفين". وليلى مُتْعَبة أكثر من باسل بسبب النظر إليها باستمرار من خلال فلتر، واضطرارها دائمًا إلى الدخول في نقاشات حول الإسلام. وهكذا تقرِّر التخلي في نهاية المطاف عن حرِّيتها الأكبر باعتبارها امرأة تعيش في ألمانيا من أجل الشعور بالقبول وعدم استجوابها باستمرار.

صورة من المملكة العربية السعودية

وهكذا فإنَّ رواية "لأنَّنا منذ زمن بعيد في مكان آخر" تعتبر أيضًا بمثابة صورة من المملكة العربية السعودية، كثيرًا ما تقوم رشا خياط بتصويرها من زاوية الصلات بين الناس والمحادثات واللقاءات. ولكنها تُمثِّل كذلك بلدًا تصطدم فيه تعاليمُ وأحكامٌ محافظة مع أنماط الحياة العصرية - مثلما يتَّضح ذلك على سبيل المثال في مشهد تتم فيه مباغتة مجموعة صاخبة من المراهقين داخل مطعم من قبل رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تقول رشا خياط: "علاقتي مع السعودية تبدو معقدة أحيانًا بالنسبة لي". ولكن بعيدًا عن الوضع السياسي المتراجع فقد لاحظت في زياراتها الأخيرة إلى السعودية وجود تغييرات أيضًا هناك. وفي هذا الصدد تقول رشا خياط: "أنا أرى أنَّ الشباب السعودي يرغبون في تحقيق تغيير في بلدهم وفي تقديم مساهمات اجتماعية. وعلى سبيل المثال يوجد الآن وسطٌ فنِّيٌ وسينمائيٌ صغير للغاية ولكنه جميل".

ورشا خياط البالغة من العمر سبعة وثلاثين عامًا تحب المملكة العربية السعودية، خاصة بسبب وجود الكثير من الذكريات لديها من بلد أبيها. لقد أثَّرت في رشا خياط اتِّصالاتها مع الأصدقاء وأفراد عائلتها الموجودين هناك، مثل عمها الذي كثيرًا ما دخل السجن بسبب عمله كصحفي. ولكن على العكس من ليلى فإنَّ رشا خياط لا تستطيع أن تتصوَّر حياتها في المملكة العربية السعودية، بل تشعر بأنَّها في هامبورغ موجودة داخل وطنها الذي اختارته بنفسها.

"تحديد مكاننا الذاتي يرافقنا جميعنا"

ولكن مع ذلك فقد كان من المهم بالنسبة لرشا خياط أن تُبيِّن من خلال قصة ليلى أنَّ هناك حلولاً أخرى. وبهذا فهي تشكِّك بالثقة المنتشرة على نطاق واسع للغاية، والتي تجعلنا نفترض أنَّ شابة مثل ليلى لا بدَّ وأن تختار بالطبع الحياة في ألمانيا الأكثر حرية. غير أنَّها تعرض من خلال باسل وليلى نمطي حياة مختلفين بجانب بعضهما، ومن دون أن تُقَيِّمهما.

تقول رشا خياط : "يمثِّل السؤال حول تحديد مكاننا الذاتي والشكّ بأنَّ حياتنا ليست منسية موضوعًا يرافقنا جميعنا - وسواء كان ذلك مكشوفًا أو مخفيًا فهو يعتمد على الفرد". وروايتها الأولى المثيرة تطرح هذا السؤال بنجاح، بحيث أنَّ المرء يتمنى أن تليها العديد من الأعمال الأدبية.

 

ماريان بريمر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de

 

رشا خياط: "لأنَّنا بالفعل في مكان آخر "، صدرت عن دار نشر دومونت، سنة 2016، في 160 صفحة، تحت رقم الإيداع:

ISBN 978-3-8321-9814-5