
إرهاب باسم الإسلام يضرب فرنسا من جديدمحرضون على العنف الإسلاموي مقيمون في أوروبا
بالتصفيق الهادر على طريقة الأمواج المكسيكية المتناقلة ما بين الجهتين الشمالية والجنوبية، امتلأت ساحة الجمهورية في باريس بالمتظاهرين غير المكترثين بجائحة كورونا، فما يخيفهم الآن هو فكرة أن ترضخ فرنسا للإرهاب وأن تقسمها الكراهية المشحونة دينيًا.
وقد أراد المتظاهرون في باريس الوقوف في صفوف متراصة يوم الأحد [18 / 10 / 2020] بينهم سيدات أنيقات يحملن كلاب البودل على أذرعهن، وأشخاص بسطاء، وعائلات. وقد رفع بعضهم رسوم كاريكاتورية [للنبي] محمد [ﷺ]، ولافتات كُتبت عليها كلمة واحدة بأحرف كبيرة، وعلت أيضًا رأس النصب التذكاري وسط الساحة، ألا وهي: "حرية" (Liberté).
وكتبت جولييت على كمّامتها عبارة "Je suis prof" الفرنسية التي تعني: "أنا معلم". وكان مقتل المعلم صامويل باتي يوم الجمعة [16 / 10 / 2020] قد صدمها. وتقول هذه المهندسة المعمارية [المشاركة في المظاهرة] متجنبةً الافصاح عن اسم شهرتها: "لقد ذهبنا كلنا إلى المدرسة سابقًا، وتعلمنا جميعًا أهمية حرية التعبير".
وتضيف جولييت أنها تقف ضد الخلط بين الإسلام والإسلاموية، وأنها جاءت [إلى الساحة] برفقة صديقة لها، للتعبير عن حزنهما، وللتنفيس عن مشاعر الصدمة الأخيرة، وللدفاع عن بلدهما ضد الفكر الإسلاموي الظلامي القاتل.

الهجوم يطعن البلد في صميم قلبه
أرادت جولييت وصديقتها التذكير بأهمية حرية التعبير، وهي القيمة الأساسية للجمهورية، والتي تتضمن أيضًا الحق في الكفر بالأديان. وقد سعى [المغدور به] باتي، البالغ من العمر 47 عامًا، إلى تعليم هذه القيمة الأساسية، ودفع حياته ثمنًا لذلك.
وتحثّ وزارة التعليم الفرنسية -منذ وقوع الهجوم على مجلة شارلي إيبدو الذي أسفر عن مقتل 12 شخصًا في كانون الثاني/يناير 2015- المعلمين في فرنسا، على تعليم هذه القيم؛ وقد فعل باتي ذلك عبر عرضه [على تلاميذه] الرسومات الكاريكاتورية المثيرة للجدل، التي سبق أن نشرتها مجلة شارلي إيبدو.
وقد خرج [حوالي] مليون ونصف المليون شخص في باريس في العام 2015 لإبداء معارضتهم للإسلاموية، رافعين شعار "أنا شارلي إيبدو"؛ أما شعار يوم الأحد [18 / 10 / 2020]، فقد كان: "أنا أستاذ"، ويهدف إلى إظهار التضامن تلبيةً لنداء [أطلقه الرئيس الفرنسي] مانويل ماكرون.
رئيس فرنسا اليوم غير رئيسها في العام 2015، إلا أن شعاراته جاءت مماثلة لشعارات سلفه فرانسوا هولاند، حيث ردّد ماكرون مشددًا: "لن ندعهم يمرُّون"، "لن يتمكنوا من تفريقنا".
كما أن الصورة اليوم مختلفة عمّا كانت عليه في العام 2015. فمنذ ذلك الحين، قُتل 259 شخصًا في هجمات إسلاموية في فرنسا. وإن لم يتقبل الفرنسيون فكرة الاعتياد على وقوع مثل هذه الجرائم، إلا أنهم سئموا منها. إذ يتطلب الأمر الطاقة لمواجهة المسلمين المتطرفين ليس أقلها في المدارس، حيث يرفض تلاميذ مسلمون في بعض المناطق المشاركة في دروس الرياضة أو العلوم، أو ينكرون المساواة بين المرأة والرجل.
التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي
وخلافًا لما كان عليه الحال في العام 2015، لا يقبع المتسببون في غسيل الأدمغة في سوريا أو أفغانستان، وإنما في فرنسا نفسها، ومنها يحرضون على الكراهية عبر فيسبوك ضد معلم، الأمر الذي ساق إلى فصل رأسه عن جسده بسكين. وخلافًا أيضًا لما كان عليه الحال في العام 2015، لم يتجادل السياسيون هذه المرة كثيرًا حول الإخفاقات عقب وقوع الجريمة.
وإن لم يبلغ عدد المتظاهرين مليون ونصف المليون كما كان عليه الأمر في العام 2015، إلا أنهم كانوا بالآلاف يوم الأحد في ساحة الجمهورية. كما تجمّع غيرهم في العديد من المدن الفرنسية خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتجمّع مئات في وقفة احتجاجية خارج مدرسة كونفلان سانت-أونورين الثانوية، التي كان باتي يعمل فيها. وكان باتي معروفًا من قبل الكثيرين في الضاحية الهادئة الواقعة شمال غرب باريس: هنا علّم، هنا عاش مع عائلته، هنا قُتل يوم الجمعة؛ وكانت عطلة الخريف هناك قد بدأت لتوها.