هل حرية التعبير حق للجميع بالفعل في الأردن؟

عجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو لمتظاهرين يتجمعون في المدن في كل أنحاء الأردن ويرددون "عاش المعلم" وَ "ما رح نسكت مهما صار". لكن تغطية وسائل الإعلام الأردنية الرئيسية كانت غائبة بشكل ملحوظ. فقد منعت الشرطة الأردنية احتجاجات معلمين وقالت الحكومة إن منع التجمعات جاء لأسباب أمنية منعاً لانتشار فيروس كورونا، في حين كانت الحكومة قد وافقت قبل أيام فقط من هذه الاحتجاجات على تأمين تجمع احتجاجي ذي هدف آخر. الصحفية مارتا فيدال والتفاصيل لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marta Vidal

في 25 تموز/يوليو 2020 قررت الحكومةُ الأردنيةُ وقفَ نقابة المعلمين التي تديرها المعارضةُ وإغلاق مقراتها لمدة عامين، واعتقلت الأعضاء البارزين فيها. وعلى الرغمِ من قرارِ تعليقِ نشاطاتِ النقابةِ، استمرّ المعلمون باحتجاجاتهم في أنحاءِ الأردنِ.

إذ يُطالِبُ المعلمون، إضافةً إلى مطالبهم الأساسيةِ بتحسينِ الرواتبِ وظروفِ العملِ، بالإفراجِ عن أعضاءِ النقابةِ المعتقلين وإعادة فتحِ النقابةِ. وقد صعّدَ بعض المتظاهرين من مطالبهم وطالبوا باستقالةِ رئيسِ الوزراءِ الأردني عمر الرزاز.

وبينما ملأت صورُ ومقاطع فيديو للاحتجاجاتِ مواقعَ التواصلِ الاجتماعي، إلا أنّ عدداً قليلاً جداً من هذه الصور ظهرَ في قنوات التلفزيون والصحفِ الأردنيةِ. فبعد مداهمةِ مكاتبِ النقابةِ واعتقالِ قياداتها، أصدرت السلطاتُ الأردنيةُ أمراً بحظرِ نشرِ الأخبارِ والتعليقاتِ حول القضيةِ، إلا عبر الجهاتِ المرخصةِ من الدولةِ.

ووفقاً لوكالةِ الأنباءِ الأردنيةِ بترا فقد اتُّهِمَ رئيسُ النقابةِ ناصر النواصرة بالتحريضِ، وتم اعتقالِ عدةِ أشخاصٍ من النقابةِ لاستجوابهم حول "تهمٍ تتعلقُ بالفسادِ وممارسةِ أنشطةٍ إجراميةٍ".

مصدَر كبير للمعارضةِ

وبعدد أعضاء يتجاوزُ الـ 100 ألف تُمثّلُ نقابةُ المعلمين أحد أبرز مصادرِ المعارضةِ للحكومةِ الأردنيةِ. ففي العامِ الماضي 2019 أضربت لمدة أكثر من شهرٍ إلى أن وقّعت الحكومةُ الأردنيةُ اتفاقاً معها يتعلقُ بزيادةِ رواتبِ المعلمين.

 

قوات الأمن تمنع المتظاهرين من الوصول إلى المباني الحكومية 29 / 07 / 2020 احتجاجا على قرار حل نقابة المعلمين واعتقال قادتها. (photo: Sherbel Dissi)
تسامحٌ ضئيلٌ مع المعارضةِ: يقولُ مايكل بيج، نائبُ مدير قسم الشرقِ الأوسطِ وشمال أفريقيا في منظمةِ هيومن رايتس واتش: إغلاق إحدى النقاباتِ العماليةِ المستقلةِ القليلةِ في الأردنِ عقب نزاعٍ مطوّلٍ مع الحكومةِ واستناداً إلى أسبابٍ قانونيةٍ مشكوكٍ فيها يثيرُ مخاوف جدّيةً بشأنِ احترامِ الحكومةِ لسيادةِ القانون". وأضاف أنّ "الافتقارَ إلى الشفافيةِ وحظرِ النقاشِ حول هذه الحادثةِ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي يعزّزُ فقط الاستنتاجَ بأنّ السلطات تنتهكُ حقوقَ المواطنين".

 

وفي الأسابيعِ الأخيرةِ اتّهم ممثلو النقابةِ الحكومةَ بالفشلِ في احترامِ الاتفاق بعد أن أعلنت الحكومةُ التي تعاني من ضائقةٍ ماليةٍ أنّها ستُخفِّضُ أجورَ القطاع العام استجابةً للعواقبِ الاقتصاديةِ الناجمةِ عن فيروس كورونا.

واتهمت السلطاتُ النقابةَ بمحاولةِ "شلِّ خدماتٍ حكوميةٍ أساسيةٍ"، وزعم بعض المسؤولين أنّ قيادةَ النقابةِ تنتهجُ أجندةً "إسلاميةً"، وهو اتهامٌ رفضته النقابةُ باعتباره "حملة تشويه". وقال رئيسُ وزراءِ الأردن عمر الرزاز أنّ الحكومةَ لن تقبلَ بـ "سياسة الاستقواءِ" على الدولةِ من قبل النقابةِ.

ووفقاً لمنظماتِ حقوقِ الإنسان -بصرفِ النظرِ عن الدوافعِ السياسيةِ المزعومةِ التي تحرِّكُ النقابيين- فإنّ إغلاقَ النقابةِ واعتقالاتِ المعلمين من الأمورِ التي توضِّحُ افتقارَ الحكومةِ الأردنيةِ للتسامحِ مع المعارضةِ.

وقالَ مايكل بيج، نائبُ مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس واتش، في بيانٍ: "إغلاق إحدى النقاباتِ العماليةِ المستقلةِ القليلةِ في الأردنِ عقب نزاعٍ مطوّلٍ مع الحكومةِ واستناداً إلى أسبابٍ قانونيةٍ مشكوكٍ فيها يثيرُ مخاوف جدّيةً بشأنِ احترامِ الحكومةِ لسيادةِ القانون".

كما أضاف أنّ "الافتقارَ إلى الشفافيةِ وحظر النقاشِ حول هذه الحادثةِ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي يعزّزُ فقط الاستنتاجَ القائل إنّ السلطات تنتهكُ حقوقَ المواطنين".

 

.........................................

طالع أيضا

معركة الأردن ضد صفقة القرن وجائحة كورونا

جائحة كورونا عززت استمرار حالة الطوارئ في السلطويات العربية

أين تحلّق طيور عمّان؟ الأردن، خصوصية المدينة في قصص إلياس فركوح

رحيل الأديب العربي إلياس فركوح.. راوي خسارات العرب المعاصرين

.........................................

 

شرطةٌ قاسيةٌ

في 29 تموز/يوليو 2020، اشتبكت الشرطةُ الأردنيةُ مع المعلمين المحتجين على إغلاقِ النقابةِ، وتعرّض العديد منهم للضربِ واعتُقِل العشرات في عمان. ويقولُ شربل ديسي، وهو مصور صحافي كان يغطي المظاهرةَ: بدأت الشرطةُ بضربِ المحتجين، وعلِقتُ في المنتصفِ. أُصِبتُ في الرأسِ، والمعدةِ والساقين"، ويضيفُ أنه ضُرِبَ بالعصي رغم أنه أخبرَ الشرطةَ بأنه صحفي.

بينما قالت الحكومةُ أنّ الاحتجاجات مُنِعت لأسبابٍ أمنيةٍ، إذ أنّه ليس من المسموحِ لمجموعاتٍ كبيرةٍ من الناسِ بالتجمّعِ، منعاً لانتشارِ فيروس كورونا. ورغم ذلك تمكّن احتجاجٌ ضد العنفِ القائم على نوع الجنسِ من تأمينِ موافقةِ الحكومةِ قبل أيامٍ فقط من مظاهرةِ المعلمين.

 يقولُ ديسي، مشكِّكاً في ازدواجيةِ المعايير المُستخدمة التي تسمحُ بتنظيمِ احتجاجاتٍ أخرى في عمان: "كان هناك نحو 500 شخص (في الاحتجاجِ المتعلقِ بحقوق النساء) ولم يُقابَل بالعنف".

 

 

ولم يتسنَ الحصول على تعليقٍ من السلطاتِ الأردنيةِ. وذكرت وسائلُ الإعلامِ المحليةِ أنه أُلقِي القبضُ على ما لا يقلُ عن 60 معلم في بدايةِ آب/أغسطس 2020.

فيروسُ كورونا عذرٌ ملائمٌ

منذ أن أعلنت الأردن حالةَ الطوارئ في 17 آذار/مارس 2020 لمواجهةِ انتشارِ فيروس كورونا، اعتقلت السلطاتُ عاملين في المجالِ الإعلامي وأعضاء سابقين في البرلمانِ ومستخدمين لمواقعِ التواصل الاجتماعي، فيما يبدو أنه ردٌ على الانتقاداتِ العلنيةِ.

ففي نيسان/أبريل 2020 اعتقلت السلطاتُ مديراً تنفيذياً ومذيعاً في قناة رؤيا، إضافةً إلى الصحفي البنغالي سليم عكاش، بعد نشرِ تقارير حول صعوباتٍ اقتصاديةٍ والمشقة التي سببها وباء كورونا بين الأردنيين والعمال المهاجرين.

كما اعتُقِل عضو البرلمان السابق والناقد للحكومةِ، سليم البطاينة، وقريبه معتصم البطاينة، في نيسان/أبريل بتهمةِ "تقويضِ نظامِ الحكمِ".  وبعد شهرٍ اعتقلت السلطاتُ سعيد ذياب، الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني اليساري، بسبب مقال نُشِر عبر الإنترنت.

كما صدر مرسوم غامضٌ يتعلّقُ بحالةِ الطوارئ في نيسان/أبريل 2020 يُعاقِبُ تداولَ أي أخبار "تثيرُ الهلع" حول الوباءِ بعقوبةٍ تصلُ إلى السجن لمدةِ ثلاثِ سنوات.  ويقولُ نشطاء حقوقيون إنّ الحكومةَ تستخدمُ قوانين الطوارئ لتقليصِ الحقوقِ السياسيةِ والمدنيةِ.

ولكن الحكومةَ الأردنيةَ تُنكرُ باستمرار وجود موقوفين سياسيين وتقولُ إنّ كل النشطاء والمعارضين المعتقلين متهمين بانتهاكِ القانونِ.

وفي مؤتمرٍ للصحافةِ في 26 تموز/يوليو 2020 عقب إغلاقِ نقابةِ المعلمين وفي ردٍ على سؤالٍ حول عدد الموقوفين في قضايا الرأي، قال أمجد العضايلة، وزير الدولة لشؤونِ الإعلامِ، إنّه "لم يتمّ توقيف أي شخص في قضايا الحريّات بموجبِ أحكامِ قانونِ الدفاعِ".

 

قوات الأمن تمنع المتظاهرين من الوصول إلى المباني الحكومية 29 / 07 / 2020 احتجاجا على قرار حل نقابة المعلمين واعتقال قادتها. (photo: Sherbel Dissi)
حملة أمنية بغطاءٍ من كورونا؟ على الرغمِ من إنكارِ الحكومةِ الأردنيةِ لوجودِ موقوفين سياسيين، فقد سارعت لإصدارِ مرسوم طوارئ في نيسان/أبريل 2020 يقضي بمعاقبةِ أي شخصٍ يتداولُ أخباراً "تثيرُ الهلعَ" حول وباءِ كورونا بعقوبةٍ تصلُ إلى السجن لمدةِ ثلاثِ سنواتٍ. وإضافة إلى ذلك، تشيرُ تقارير حقوق الإنسان إلى أنّه في عام 2019 فقط، اعتُقِل أكثرَ من ثلاثين ناشطٍ سياسي ومناهضٍ للفسادِ بتهمٍ مثل "إطالةِ اللسانِ على جلالةِ الملكِ"، و"تقويضِ نظامِ الحكمِ السياسي في المملكةِ" و"القدحِ والذمِّ على الإنترنت".

 

اعتقالُ المعارضين ليس بأمرٍ جديدٍ

ومن ناحيةٍ أخرى تشيرُ تقاريرُ منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية إلى أنّ اعتقال النشطاءِ والمعارضين ليس أمراً جديداً. ففي العام الماضي 2019 وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ أكثر من ثلاثين من النشطاءِ السياسيين ومناهضي الفسادِ سُجِنوا بتهمٍ مثل "إطالةِ اللسانِ على جلالةِ الملكِ"، و"تقويضِ نظامِ الحكمِ السياسي في المملكةِ" و "القدحِ والذمِّ على الإنترنت". وزعم تقريرُ صادرٌ عن منظمةِ العفو الدوليةِ أمنستي Amnesty أنّه في العامِ الماضي 2019، "استمرت السلطاتُ في مضايقةِ واحتجازِ النشطاءِ والصحفيين الذين انتقدوا الحكومة أو العائلةَ المالكةَ".

ووفقاً لمنظماتٍ حقوقيةٍ، فإنّ القيودَ المفروضةَ على حريةِ التعبيرِ موجودةٌ قبل انتشارِ الوباءِ بفترةٍ طويلةٍ، لكن حالة الطوارئ التي ترافقت مع فيروس كورونا وفّرت الغطاءَ للسلطاتِ الأردنيةِ التي تتطلّعُ إلى فرضِ إجراءاتٍ صارمةٍ ضد المعارضة بشكلٍ أكثر قسوة.

وكنتيجة لذلك فإنّ العديد من الأردنيين يخشون أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد. ومع ازديادِ البطالةِ والفقرِ بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباءِ، فمن المتوقعِ أن تزداد الشكاوى الاجتماعية. ويبقى السؤالُ الرئيسي هنا كيف ستحاولُ الحكومةُ معالجةَ هذه المشاكلِ –بالحلولِ، أم بالقمعِ؟

 

مارتا فيدال

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:31472]