فصام ثقافي - الطيب تيزيني لم يكن منهم

في زمن فصام ثقافي بين أسلوب كتابة مفكر يوحي بنزاهته وسلوك مناقض يتجلى بتكالبه على موائد السلطة فيغدو مريضا بالوهم ومع الزمن تظهر حقيقته: لم يكن الطيب تيزيني من هذا النوع بل كان طليعيا جادا نظيفا بعيدا عن إغراءات السلطة وأضواء الشهرة ولم يَخُنْ قضية أمة راسفة بأغلال الاستبداد. الكاتب إبراهيم مشارة.

الكاتبة ، الكاتب: إبراهيم مشارة 

وما كان قيس هلكه هلك واحد ** ولكنه بنيان قوم تصدعا

لعل هذا البيت الخالد يصدق كثيرا على الراحل الدكتور الطيب تيزيني-رحمه الله- كما يصدق على القليلين من المثقفين من أبناء أمتنا العربية الذين صدقوا ما عاهدو الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

لقد عرفتُ الدكتور الطيب كقارئ في التسعينيات يوم هبت دار الفكر السورية لتنظيم جدال فكري حول الدولة والإسلام بمعية  الراحل الدكتور البوطي -رحمه الله-.

وقد خططت في ذلك السجال نهجا جديدا بعيدا عن الشعبوية والحماسة الزائدة فاقترحت الموضوع للدكتور يكتب فيه وعرضت رده على الشيخ البوطي يبدي رأيه فيه  معارضا ومفندا.

وطبعت تلك المناظرة الفريدة في كتاب والغرض من ذلك تشجيع الحوار الهادئ بعيدا عن العواطف الجياشة للجماهير والحماسة الدينية الزائدة التي تبهض الخصم حقه في التعبير.

إبراهيم مشارة - كاتب جزائري.
فصام ثقافي: يكتب إبراهيم مشارة: تحضرني حالة مثقف كبير وأكاديمي محترم قبل بالمنصب السياسي في حكومة مرفوضة شعبيا أيام الإطاحة برئيس مصر ومنتسب إلى الكتابة الروائية عندنا -يدعي اليسار والماركسية- سارع إلى قبول جواز سفر لأداء فريضة الحج ممنوح له من قبل الحاكم-المرفوض شعبيا- وإنها لمأساة حقيقية أن يتحول الماركسي إلى حاج على نفقة الحاكم، وزميل له يكتب الرواية لا يستحي من الحديث عن شهرته حتى إنه أشهر من الوزير. نعيش زمن فصام ثقافي بين مفكر يعتقد ويكتب بطريقة توحي بنزاهته والتزامه وسلوك مناقض لذلك تماما يتجلى في تكالبه على موائد السلطة وبيع شرفه لقاء الأمن أو المكاسب أو التساقط -تساقط الفراش على النور- وما نوره الموهوم إلا تلك الجوائز -النفطية- التي يرتهن في سبيلها شرفه وذمته فيغدو مريضا بالوهم ومع الزمن تنكشف عورته ويظهر على حقيقته فينصرف عنه الجمهور ولن تغني عنه تلك الجوائز النفطية. لم يكن الدكتور الطيب من هذا النوع من المثقفين بل كان مثقفا طليعيا جادا نظيفا بعيدا عن إغراءات السلطة وأضواء الشهرة فلم يبع شرفه وضميره ولم يخن القضية الأولى قضية الأمة الراسفة في أغلال الاستبداد والجهالة والعماء.

مخاطر فتح سجال فكري وجدال فلسفي وسط شعبوية الجماهير

ولذلك سوابق في المناظرة الفكرية الشهيرة بين الشيخ الغزالي –رحمه الله- ومأمون الهضيبي من جهة والدكتور فرج فودة -رحمه الله- ومن تابع تلك المناظرة الشهيرة يدرك المخاطر من فتح سجال فكري وجدال فلسفي وسط شعبوية الجماهير.

وقد دفع الراحل فرج فودة حياته ثمنا لتلك المناظرة الشهيرة والتي أكد فيها على الطابع المدني للدولة. ومناظرة أخرى بين الدكتور فؤاد زكريا من جهة والشيخ الغزالي والقرضاوي من جهة أخرى، لقد كان حماس الجماهير للشيخين مشوشا على الدكتور فؤاد في عرض وجهة نظره نظرا لحماسة الجماهير التي جاءت للتشجيع لا للفهم والنقد والاعتراض.

وهي حالة بائسة في الفكر العربي الحديث تبين الحد الذي وصلنا إليه من العماء والفوضى والاندفاع العاطفي بعيدا عن سلطة العقل والاحتكام إلى المنطق والموضوعية.

لقد نأت دار الفكر في تلك المناظرة المكتوبة بين الدكتور الطيب والشيخ البوطي عن ثقافة التشجيع والمناصرة وعدلت إلى ثقافة الحوار والاستماع والمجادلة بالحسنى وأحسب أنها وفقت في ذلك كثيرا.

وأعود إلى الدكتور الطيب – رحمه الله- فقد كان مثقفا طليعيا مشغولا بقضايا أمته شديد الإخلاص لقضاياها لا تأخذه لومة لائم في نصرة الحق الذي يعتقده، يعضده عمق علمي وسلوك نظيف والتزام لا غبار عليه.

فصام ثقافي

نحن نعيش اليوم في زمن الفصام الثقافي بين مفكر يعتقد ويكتب بطريقة توحي بنزاهته والتزامه وسلوك مناقض لذلك تماما يتجلى في تكالبه على موائد السلطة وبيع شرفه لقاء الأمن أو المكاسب أو التساقط -تساقط الفراش على النور- وما نوره الموهوم إلا تلك الجوائز -النفطية- التي يرتهن في سبيلها شرفه وذمته فيغدو مريضا بالوهم ومع الزمن تنكشف عورته ويظهر على حقيقته فينصرف عنه الجمهور ولن تغني عنه تلك الجوائز النفطية.

تحضرني حالة مثقف كبير وأكاديمي محترم قبل بالمنصب السياسي  في حكومة مرفوضة شعبيا أيام الإطاحة برئيس مصر ومنتسب إلى الكتابة الروائية عندنا -يدعي اليسار والماركسية- سارع إلى قبول جواز سفر لأداء فريضة الحج ممنوح له من قبل الحاكم-المرفوض شعبيا- وإنها لمأساة حقيقية أن يتحول الماركسي إلى حاج على نفقة الحاكم، وزميل له يكتب الرواية لا يستحي من الحديث عن شهرته حتى إنه أشهر من الوزير.!

الطيب تيزيني لم يكن منهم

لم يكن الدكتور الطيب من هذا النوع من المثقفين بل كان مثقفا طليعيا جادا نظيفا بعيدا عن إغراءات السلطة وأضواء الشهرة فلم يبع شرفه وضميره ولم يَخُنْ القضية الأولى قضية الأمة الراسفة في أغلال الاستبداد والجهالة والعماء.

لقد علل أدونيس مرة تخلفنا الثقافي والسياسي والفكري بنكوص وخيانة المثقفين أولئك الذين تسابقوا على قصور الثقافة عوض أن يدخلوا السجون وأحسب أن الدكتور الطيب -رحمه الله- من الذين لم يخفوا إلى قصور الثقافة بل إلى مدرجات الجامعة معلما وهاديا وإلى معترك الفعل الثقافي الحق بالكتابة والنضال الفكري الخلاق ولهذا كسب احترام الجميع وعاش عزيزا في وجدان بلده وفي ضمير أمته.

رحمه الله فهو بحق من المثقفين الذين لم يكتبوا المسامرات، كابن العميد والصاحب ابن عباد للسلطان كما وصمهم بذلك أبو حيان التوحيدي المثقف الطليعي العربي بامتياز.

سيظل الدكتور الطيب منارة شامخة للهدى والعرفان والحقيقة بعقل واع وضمير حي ونفس عزيزة زاهدة في رياش الدنيا وحطامها.

 

إبراهيم مشارة

حقوق النشر: إبراهيم مشارة / موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

المفكر السوري طيب تيزيني في سطور

ذكرت وسائل إعلام سورية محلية يوم السبت (18 أيار/ مايو 2019) أن المفكر السوري طيب تيزيني مات عن عمر بلغ نحو 85 عاماً بمسقط رأسه، مدينة حمص بوسط سوريا. وكان تيزيني قد اختير كواحدٍ من أهم مئة فيلسوف عالمي، حسب تصنيف مؤسسة “كونكورديا” الفلسفية الألمانية-الفرنسية عام 1998.

 

المفكر السوري الراحل طيب تيزيني. Tayeb Tizini; Foto: Said Samir
وفاة المفكر السوري طيب تيزيني عن 85 عاماً: نعى مثقفون سوريون الفيلسوف السوري طيب تيزيني، الذي توفي في مدينة حمص عن نحو 85 عاماً. ويعد تيزيني أحد أشهر المفكرين السوريين والعرب المعاصرين، وكان يعمل بتدريس الفلسفة في جامعة دمشق، بعد حصوله على الدكتوراه من ألمانيا. ذكرت وسائل إعلام سورية محلية يوم السبت (18 أيار/ مايو 2019) أن المفكر السوري طيب تيزيني مات عن عمر بلغ نحو 85 عاماً بمسقط رأسه، مدينة حمص بوسط سوريا. وكان تيزيني قد اختير كواحدٍ من أهم مئة فيلسوف عالمي، حسب تصنيف مؤسسة “كونكورديا” الفلسفية الألمانية-الفرنسية عام 1998.

حصل طيب تيزيني على درجة الدكتوراه في الفلسفة من ألمانيا عام 1967 ، وعمل في التدريس في جامعة دمشق، وكان إلى جانب صادق جلال العظم، وأحمد برقاوي، ويوسف سلامة، من أبرز أساتذة قسم الفلسفة بتلك الجامعة.

وكان طيب تيزيني صاحب مشروع فلسفي لإعادة قراءة الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام حتى الآن.

وكان تيزيني في عداد مجموعة من المثقفين والحقوقيين، ممن اعتصموا مع عشرات من الأهالي في 16 آذار/مارس 2011، أمام وزارة الداخلية في دمشق للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي في سوريا. وتم اعتقاله مع آخرين قبل أن يعاد اطلاق سراحهم بعد يومين.

كما كان مع معارضين آخرين بينهم ميشيل كيلو ولؤي حسين وفايز سارة في عداد معارضين دعتهم السلطات في بداية الحركة الاحتجاجية إلى "خلق نواة حوار" بين السلطة والمعارضة.

وخلال مشاركته في لقاء تشاوري حواري في تموز/يوليو 2011، برعاية نائب الرئيس السوري آنذاك فاروق الشرع ونحو 200 شخص آخرين، طالب تيزيني بـ"تفكيك الدولة الأمنية". وقال "هذا شرط لا بديل عنه، واذا ما بدأنا بمعالجة المسائل، الدولة الأمنية تريد أن تفسد كل شيء".

وبخلاف كثيرين من المعارضين، لازم مدينته حمص ولم يغادرها خلال سنوات النزاع السوري المستمر منذ العام 2011.

ونعى الائتلاف الوطني المعارض، أبرز تشكيلات المعارضة السورية في بيان تيزيني، الذي "رغم التهديدات ومحاولة إسكات هذا الصوت المتميز وما له من تأثير في أجيال متعاقبة كان له فضل تعليمها في الجامعات السورية وغيرها، ظل وفياً لقناعاته ومبادئه".

وفي مقابلة عام 2018 مع دي دبليو عربية تحدث تيزيني عن أسباب فشل مشروع تيارات الإسلام السياسي (بعد الربيع العربي) فقال إن الماضي في فكر تلك التيارات ونقاشاتها هو "أكثر حضوراً من الحاضر" وأن المرحلة الجديدة "لم تكن متطابقة مع ما ينبغي أن يحدث، لذلك يمثل هذا الأمر نقطة حاسمة في إخفاق المشروع الإسلامي". (دي دبليو ، أ ف ب)

 

[embed:render:embedded:node:43567]