إيران بعد اعتراف الحرس الثوري بإسقاط طائرة مدنية، محتجون: النظام كذب وأنكر أكثر مما تعاطف الضحايا

أمريكا وجهات أخرى: صاروخ أسقط الطائرة. الحرس الثوري يعترف متأخرا بإسقاط الطائرة بالخطأ. الغضب من كارثة الطائرة يعقب احتجاجات نوفمبر 2019. الغضب قد يعني احتجاجات جديدة وعزوفا عن الانتخابات.

يواجه حكام إيران من رجال الدين خطر أزمة شرعية وسط تصاعد الغضب الشعبي من طريقة تعامل بلادهم مع حادث تحطم طائرة ركاب، احتاج الجيش ثلاثة أيام للاعتراف بأنه نتيجة صاروخ إيراني أطلق بالخطأ.

فوسط غضب شعبي متزايد وانتقادات دولية، أدى اعتراف الحرس الثوري الإيراني بالمسؤولية عن تحطم الطائرة إلى تبدد الوحدة الوطنية التي تجلت بعد مقتل أكثر قادة البلاد نفوذا في غارة أمريكية بطائرة مسيرة في العراق يوم الثالث من يناير / كانون الثاني 2020.

وتجمعت حشود ضخمة في شوارع المدن الإيرانية لتأبين قاسم سليماني وهي تهتف "الموت لأمريكا". لكن منذ تحطم طائرة الخطوط الدولية الأوكرانية يوم الأربعاء 08 / 01 / 2020 -في حادث قالت كندا والولايات المتحدة مبكرا إنه بسبب صاروخ إيراني وإن كان بطريق الخطأ- اشتغلت وسائل التواصل الاجتماعي بانتقادات للمؤسسة الحاكمة. وقُتِل جميع من كانوا على متن الطائرة وعددهم 176 في رحلة كانت متجهة إلى كييف.

ولا يبشر هذا الوضع بالخير بالنسبة للانتخابات البرلمانية التي تجرى في فبراير / شباط 2020، عندما يسعى حكام إيران عادة إلى تحقيق إقبال كبير على التصويت لإظهار شرعيتهم حتى لو لم تغير النتيجة أي سياسة كبرى.

لكنهم بدلا من ذلك، يواجهون الآن موجة جديدة من السخط في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي قتل فيها مئات الأشخاص في نوفمبر / تشرين الثاني 2019.

وقال مسؤول سابق كبير طلب عدم نشر اسمه: "إنه وقت حساس للغاية بالنسبة للمؤسسة. يواجهون مشكلة مصداقية خطيرة. لم يخفوا الحقيقة فحسب، بل أساؤوا إدارة الموقف".

منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، نجح رجال الدين في إيران في التغلب على التحديات التي تواجه قبضتهم على السلطة. لكن هذا النوع من انعدام الثقة بين الحكام والمحكومين الذي بدأ في احتجاجات العام الماضي ربما يكون قد تعمق الآن.

وقال دانييل بيمان، كبير باحثي السياسة الخارجية في معهد بروكنجز لسياسة الشرق الأوسط "ستكون هناك ضربة لمصداقية النظام على المدى القصير وهذا سيساعد في الضغط على النظام نتيجة المشكلات الاقتصادية والسياسية التي واجهها قبل المواجهة الأخيرة مع الولايات المتحدة".

"الموت للديكتاتور": أظهرت لقطات مصورة على موقع تويتر محتجين في طهران اليوم السبت 11 / 01 / 2020 وهم يهتفون "الموت للديكتاتور" في إشارة إلى الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي. ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل من اللقطات. وأعقب ذلك انتقادات شديدة في إيران. وأكدت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية اندلاع احتجاجات.

 

وأصدر الحرس الثوري اعتذارا عن إسقاط الطائرة، قائلا إن الدفاعات الجوية انطلقت بالخطأ أثناء حالة تأهب قصوى. وكانت إيران تتوقع عمليات أمريكية انتقامية بعد أن ردت على مقتل سليماني بإطلاق

صواريخ على قاعدتين عراقيتين تستضيفان قوات أمريكية.

وقال مسؤول من المحافظين إنه لا ينبغي تحويل الخطأ إلى سلاح سياسي ضد المؤسسة والحرس الثوري، وهي قوة موازية للجيش التقليدي تأتمر مباشرة بإمرة خامنئي وتحمي النظام الديني.

وقال المسؤول الأمني لرويترز : "دعونا نتجنب القسوة الشديدة. كان ذلك وقتا حساسا وكان الجميع في حالة توتر. لا يمكنك تجاهل ما فعله الحرس لحماية الأمة وهذه الدولة منذ قيام الثورة".

لكن خامنئي، الذي طالما استشهد بالإقبال على الانتخابات كإشارة على شرعية نظام الحكم الديني، قد يجد الآن أن الإيرانيين ليسوا حريصين على إظهار دعمهم.

وقال هشام غنباري وهو طالب جامعي في طهران: "لماذا يجب أن أصوت لصالح هذا النظام. لا أثق بهم على الإطلاق. لقد كذبوا علينا بشأن تحطم الطائرة. لماذا يجب أن أثق بهم عندما لا يثقون في الناس بما يكفي ليقولوا الحقيقة؟".

وتبذل الحكومة جهودا مضنية بالفعل للإبقاء على دوران عجلة الاقتصاد في ظل العقوبات الأمريكية المشددة على نحو متزايد التي فرضتها واشنطن بعد انسحابها في عام 2018 من اتفاق طهران النووي مع القوى العالمية. وقد تقلصت صادرات النفط الحيوية بشدة.

تأييد قوي: قالت سنام وكيل، كبيرة الباحثين في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة تشاتام هاوس: "هذه المأساة لن تُنسَى ولن يكون من السهل التغلب عليها بالنسبة للسكان الخاضعين للعقوبات والضغط ليس فقط من الخارج ولكن أيضا من الدولة".

وقالت سنام: "يمثل هذا الحادث تذكيرا صارخا بالافتقار الشديد للحوكمة". ونجا النظام الديني من تحديات أكثر حدة في الماضي، بما في ذلك الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. لكن قاعدة تأييده القوية، المتمثلة في الطبقات الفقيرة والشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة التي كانت الأكثر استفادة من دعم الدولة في الماضي، كانت بين أوائل من خرجوا للشوارع في نوفمبر / تشرين الثاني 2019 في الاحتجاجات التي أشعلها ارتفاع أسعار البنزين، وهي قضية حساسة بشكل خاص إذ يعتمد كثيرون على الوقود الرخيص. وسرعان ما تحولت مطالب المحتجين إلى مطالب سياسية بما في ذلك دعوات باستقالة الحكام وذلك قبل أن تسحق السلطات الاحتجاجات.

صدمة للإيرانيين: تمثل معرفة أن القوات الإيرانية أسقطت الطائرة، سواء عن طريق الخطأ أم لا، ضربة أخرى. وكان كثيرون من الركاب يحملون الجنسية الإيرانية.

وغمرت تعليقات الإيرانيين الغاضبة وسائل التواصل الاجتماعي. وشكا كثيرون من أن السلطات قضت وقتا في إنكار تحمل مسؤولية تحطم الطائرة أطول مما قضته في التعاطف مع أسر الضحايا. وقال راي تقية كبير الباحثين في دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية: "لقد كانت صدمة للجماهير. مرة أخرى يقتل النظام شعبه بلا مبالاة".

وأردف قائلا: "هذا يبدد الرواية الزائفة بالفعل بأن مقتل سليماني قد وحد الشعب الإيراني وراء حكومته". وفضلا عن التصويت لاختيار أعضاء البرلمان، ستشهد انتخابات 21 فبراير / شباط 2020 أيضا اختيار أعضاء مجلس الخبراء، وهو هيئة دينية ستكون مسؤولة في المستقبل عن اختيار خليفة لخامنئي البالغ من العمر 80 عاما.

ولا توجد قيود على فترة ولاية خامنئي الذي يتولى موقع الزعيم الأعلى منذ وفاة آية الله روح الله الخميني -مؤسس الجمهورية الإسلامية- في عام 1989.

معطيات وتصريحات أرغمت طهران على الإقرار بإسقاط الطائرة الأوكرانية

وأُرغمت إيران على الاعتراف السبت 11 / 01 / 2020 بأنها أسقطت من طريق "الخطأ" طائرة البوينغ 737 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية الدولية عبر إطلاقها صاروخاً مضاداً للطائرات، وذلك بعد سلسلة مؤشرات متطابقة وتصريحات لم تدع مكاناً للشكّ.

حصلت الكارثة التي أودت بـ 176 شخصاً معظمهم إيرانيون وكنديون، بعيد إقلاع الطائرة من مطار طهران الدولي، بعد ساعات من إطلاق عدة صواريخ إيرانية استهدفت قاعدتين في العراق تضمان جنودا أميركيين، رداً على اغتيال الجنرال قاسم سليماني قبل بضعة أيام في ضربة أميركية.

يقول خبير فرنسي إن "كل المنظومة الدفاعية الإيرانية المضادة للطائرات يُفترض أنها كانت متأهبة" بانتظار ردّ أميركي محتمل. وكتب وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة أن "خطأ بشريّاً في فترة الأزمة التي تسببت بها نزعة المغامرة الأميركية أدّى إلى الكارثة".

وهناك سوابق. ففي الثالث من تموز/يوليو 1998، تحطمت طائرة ايرباص تابعة لشركة "إيران إير" الوطنية بعيد إقلاعها، بعد إصابتها بصاروخين أُطلقا من سفينة حربية أميركية كانت تقوم بدورية في مضيق هرمز واعتقدت أن الطائرة التجارية هي مقاتلة إيرانية معادية.

وأكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الخميس 09 / 01 / 2020 أن الطائرة أُسقطت بصاروخ إيراني. وقال: "لدينا معلومات من مصادر متعددة بما في ذلك من حلفائنا ومن أجهزتنا"، تشير إلى أن الطائرة أُسقطت "بصاروخ أرض-جو إيراني". وأضاف: "ربما لم يكن الأمر متعمداً".

من جهته، أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب "شكوكاً" في فرضية حصول مشكلة ميكانيكية. وقال: "لدي شعور بأن شيئاً رهيباً حدث" مشيراً إلى احتمال حصول "خطأ". بدوره، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن هناك "مجموعة معلومات" تفيد بأن طائرة البوينغ 737 الأوكرانية "أُسقِطت بصاروخ أرض-جو إيراني".

وفي اليوم نفسه، وصل نحو خمسين خبيراً أوكرانياً إلى طهران للمشاركة في التحقيق وخصوصاً في تحليل مضمون الصندوقين الأسودين. وفي حين أن أياً من المسؤولين السياسيين لم يكشف أدلة لإثبات تصريحاته، انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي دعماً لفرضيتهم، ولكن يصعب التحقق من صحتها.

وهناك شريط فيديو من حوالى عشرين ثانية، يُظهر على ما يبدو لحظة إصابة الطائرة بصاروخ. ويمكن مشاهدة جسم مضيء يرتفع في الجوّ ويضرب ما يبدو أنها طائرة. وتنتشر أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأجزاء من صاروخ أرض-جو تور-إم 1، وهو منظومة دفاعية متنقلة مضادة للصواريخ روسية الصنع مخصصة للتصدي للطائرات على علو منخفض والمروحيات والطائرات المسيّرة. واشترت طهران من موسكو 29 منظومة تور-إم 1 في العقد الأول من القرن الحالي.

ويرى خبراء عديدون أن واقع أن الطائرة لم تنفجر لا يتعارض مع إصابتها بصاروخ. ويقول خبير فرنسي في الصواريخ "على هذا الارتفاع، لا يكون الضغط في الطائرة بمستوى عالٍ، وقد تُصاب الطائرة بثقوب من دون أن تنفجر. ما يؤدي إلى الانفجار هو (قوة) الضغط". رويترز ، أ ف ب