منح الجنسية الهندية على أساس الدين - اغتصاب لروح الهند

لا يعتبر الظلم والتمييز والعنف من الأمور غير الشائعة في الهند. ولكن بات يتم تطبيع ذلك كله والسماح به وحتى التشجيع على ممارسته بمساعدة الدولة - التي باتت في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي تروِّج لشكل عدواني من قومية هندوسية، يبدو على نحو متزايد مثل حكم الغوغائيين. تحليل البروفيسورة الهندية جياتي غوش من نيودلهي.

الكاتبة ، الكاتب: Jayati Ghosh

ها هما تنوُّع الهند وتراثها الحضاري المُعَقَّد يتعرَّضان لهجوم يهز أُسس الديمقراطية الهندية. قامت في شهر آب/أغسطس (2019) حكومةُ رئيس الوزراء ناريندرا مودي بتجريد منطقة جامو وكشمير - أي المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند - من وضعها الخاص، الذي كان يمنحها استقلالية كبيرة، وقسمتها إلى "إقليمين اتحاديين" باتت الحكومة المركزية تسطير عليهما بشكل أكثر مباشرة.

ومن أجل منع الاضطرابات فقد قامت الحكومة بنشر آلاف الجنود الإضافيين في جامو وكشمير قبل إعلانها عن التغييرات. ومن ثم وضعت تحت الإقامة الجبرية السياسيين المحليين البارزين، ومن بينهم أيضًا الحلفاءُ السابقون لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، وفرضت حظر التجول على السكَّان، وقيَّدت حرِّية التنقُّل والسفر داخل المنطقة وإلى المناطق المجاورة، وفرضت كذلك حظرًا على وسائل الإعلام والاتِّصالات.

كشمير في حالة حصار

مضى على ذلك شهور ولا يزال معظم أهالي كشمير من دون إنترنت. وعلى الرغم من هذا التعتيم فإنَّ هناك تقارير متقطعة ترسم صورة قاتمة عن القمع من قبل القوَّات المسلحة الهندية. وبحسب ما تذكره التقارير فقد تعرَّض الكثير من المدنيين لإصابات خطيرة جراء تكتيكات السيطرة على الحشود (مثل استخدام الغاز المسيل للدموع وبنادق ضغط الهواء)، وتم سجن آلاف من السكَّان المحليين - من بينهم أيضًا أطفال تبدأ أعمارهم من تسعة أعوام.

 

 

ولكن مع ذلك، بدلًا من حمايتها حقوق المواطنين الكشميريين، فقد أجَّلت المحكمة العليا الهندية جلسات الاستماع الخاصة بدعاوى لها علاقة بذلك. أمَّا بالنسبة لبقية سكَّان الهند، فقد تجاهلوا أو قبلوا أو أشادوا بالهجوم على جامو وكشمير.

وفي ولاية آسام الشمالية الشرقية تنكشف أعمال وحشية أخرى. ففي شهر آب/أغسطس (2019)، نشرت السلطات السجل الوطني لمواطني هذه الولاية، الذي استبعد نحو مليوني شخص لم يتمكَّنوا من إثبات أنَّ أسماءهم أو أسماء آبائهم كانت مُسجَّلة في قوائم السجل الانتخابي قبل الرابع والعشرين من شهر آذار/مارس 1971. هذا تاريخ تعسُّفي يهدف في الأساس إلى تحديد المهاجرين المسلمين. وتم إرسال الكثير من هؤلاء الأشخاص عديمي الجنسية الآن إلى معسكرات اعتقال، يعيشون فيها في ظروف كارثية.

استهداف المسلمين والمهاجرين البنغاليين

لقد كشف مهندس هذا المشروع، وهو وزير الداخلية أميت شاه، عن أهدافه المعادية للأجانب من خلال وصفه هؤلاء الأشخاص - الذين وُلِدَ الكثيرون منهم في آسام أو تعيش عائلاتهم هناك منذ عقود - بـ"النمل الأبيض"، وهذا مصطلحه للمهاجرين غير النظاميين القادمين من بنغلاديش. وقد وعد أيضًا حكومة حزب بهاراتيا جاناتا "باعتقال المُتَسللين واحدًا تلو الآخر ورميهم في خليج البنغال". 

وفي هذه القضية، شجَّعت المحكمة العليا الهندية هذه العملية ودعمتها بنشاط، بدلًا من معارضتها. تراقب المحكمة العليا الآن كيف تقوم حكومة حزب بهاراتيا جاناتا ببناء معسكرات اعتقال في جميع أنحاء الهند، استعدادًا لتنفيذ البرنامج في كلّ الهند - وهذه عملية من المحتمل أن تكون أكثر عدوانية ضدَّ المسلمين.

 

احتجاجات ضد قانون الجنسية الجديد "التمييزي ضد المسلمين" في الهند 16 / 12 / 2019.  (photo: AP/Manish Swarup)
استثناء المسلمين: وافق مجلس الشيوخ الهندي يوم الأربعاء 11 / 12 / 2019 على قانون يسمح لمئات الآلاف من المهاجرين في الهند بالحصول على الجنسية الهندية، ويستثني الأقلية المسلمة. ولذلك تستمر الاحتجاجات ضدَّ قانون الجنسية المثير للجدل في جميع أنحاء الهند. أرسلت السلطات آلافًا من القوَّات شبه العسكرية إلى شمال شرق البلاد وحجبت الإنترنت في الهواتف المحمولة. وأطلقت الشرطة طلقات تحذيرية على المتظاهرين الذين عارضوا حظر التجول.

 

في حين يستهدف السجل المدني المسلمين بشكل ضمني، فقد أصبح أيضًا بعض الهندوس عرضة للخطر. ولذلك سعت الحكومة بجد ونشاط إلى إقرار تعديل جديد في قانون الجنسية، يمنح الحقَّ في الحصول على الجنسية الهندية للاجئين الهندوسيين واليانيين والبوذيين والسيخ والبارسيين (الزرادشتيين) والمسيحيين القادمين من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان. ولكنه يستثني المسلمين. 

وعلى الرغم من أنَّ مشروع قانون الجنسية غير دستوري بشكل صارخ، فقد تم اعتماده في كلّ من الـ"لوك سابها" (مجلس الشعب) ويبدو أنَّه يحظى بتأييد واسع لدى المواطنين -بالرغم من خروج احتجاجات متزايدة على مشروع هذا القانون- ثم تم الانتظار لتتم الموافقة عليه من قِبَل الـ"راجيا سابها" (مجلس الشيوخ) لكي يصبح قانونًا ساري المفعول. [خرجت مظاهرات حاشدة إلى الشوارع الهندية احتجاجاً على إقرار البرلمان لقانون الجنسية الجديد في 11 ديسمبر / كانون الأول 2019.]

إقصاء "الداليت"

لا يعتبر المسلمون المجموعةَ الوحيدة المعرَّضة للتمييز والعنف في الهند اليوم. فقد استهدف القوميون الهندوس أيضًا مجموعة الداليت المُهَمَّشين منذ زمن طويل، وهي المجموعة الأقل مرتبة في نظام الطبقات الصلب في الهند.

ففي عام 2016 وحده، تم الإبلاغ عن أكثر من أربعين ألف جريمة ارتُكبت ضدَّ أعضاء طبقات مجتمعية أدنى. ولكن مع ذلك فقد أثارت في العام الماضي (2018) المحكمةُ العليا الهندية احتجاجات كبيرة من خلال إضعافها قانون حماية المجموعات التابعة لطبقات منخفضة، المعروف باسم "قانون جدولة الطبقات وجدولة القبائل (الوقاية من الأعمال الوحشية)".

ضحايا العنف الجنسي

وعلاوة على ذلك تستمر الهند في تخليها عن نسائها اللواتي يواجهن معدَّلات مرتفعة من العنف الجنسي. كثيرًا ما تتعرَّض الضحايا اللواتي يبلغن عن جرائم ارتكبت بحقِّهن عقوبات أشد من الجناة - بما فيها المضايقات وفقدان وضائفهن والمزيد من العنف وحتى الموت.

الإجراءات القانونية تسير ببطء. والسلطات كثيرًا ما تعامل الضحايا معاملة سيِّئة، ونادرًا ما يتم تحقيق العدالة، خاصةً عندما يكون المُشتكى عليه شخصًا قويًا أو لديه علاقات جيدة.

 

 

تعرَّضت في الشهر الماضي [تشرين الثاني/نوفمبر 2019] في ولاية أوتار براديش امرأةٌ عمرها ثلاثة وعشرون عامًا، كانت قد أبلغت عن تعرُّضها للاغتصاب الجماعي في العام الماضي 2018، للحرق وهي في طريقها إلى جلسة استماع في المحكمة. ومن بين المعتدين الذين هاجموها كان يوجد اثنان من المشتبه بهم الخمسة، الذين تم إطلاق سراحهم بكفالة. ماتت هذه المرأة بعد بضعة أيَّام. ومنذ ذلك الحين، تم قتل ضحيَّتين من ضحايا الاغتصاب في ولاية أوتار براديش.

إعدامات خارج نطاق القضاء

وحتى عندما تتم معاقبة الجناة، فقد يبدو الأمر أشبه بعدالة الغوغاء منه بتطبيق القانون بشكل رسمي. وأوضح مثال على ذلك هو الاغتصاب الجماعي لطبيبة بيطرية شابة وقتلها بالقرب من مدينة حيدر أباد في جنوب الهند.

في البداية خذلت الشرطة المحلية هذه الضحية من خلال عدم الاهتمام واللامبالاة. وعندما حاولت عائلتها تقديم بلاغ عن فقدان ابنتهم، رفضت الشرطة في البداية فعل أي شيء قبل أن ترسل العائلة إلى مركز شرطة آخر، لأنَّ آخر موقع معروف تواجدت فيه الضحية يقع ضمن منطقة اختصاص مركز الشرطة الآخر. وهكذا مضت عدة ساعات قبل أن يبدأ البحث.

ولكن بعد اتِّهام أربعة رجال باغتصاب هذه الشابة وقتلها، حدثت ضجة كبيرة لدى الرأي العام، شملت دعوات من قِبَل نساء بارزات إلى إعدام المغتصبين. وتحت مثل هذا الضغط، ألقت الشرطة القبض بسرعة على المتَّهمين وأخذتهم إلى جسر وقتلتهم تحته رميًا بالرصاص. (ادّعت الشرطة أنَّ الرجال حاولوا أخذ أسلحتهم، بحيث أنَّهم كانوا مضطرين إلى إطلاق النار).

 

 

ومثل هذه الإعدامات المطبَّقة خارج نطاق القضاء تجد في الهند ترحيبًا واسعًا. وعلى ما يبدو فإنَّ الإجراءات القانونية وسيادة القانون ليست مُرْضِية مثل الانتقام السريع.

وفي الوقت نفسه لا أحد يفعل شيئًا حيال افتقار النساء للأمن أو عدم معاقبة المغتصبين الآخرين المعترفين، الذين يملكون قدرًا أكبر من السلطة السياسية.

من المعروف أنَّ انحدار الهند السريع إلى كراهية الأجانب والعنف واللاعقلانية - تمامًا مثل دعم القادة الشعبويين ومطالبهم في أماكن أخرى - له بعد اقتصادي مهم. لقد أدَّى تراجع الطلب والعمالة والاستهلاك إلى شعور الكثيرين في الهند بعدم الأمان والإحباط.

وفي المقابل عمل السياسيون على توجيه هذه المشاعر إلى القومية وتشجيع القوميين على ارتكاب العنف. والآن بعد أن فعل حزب بهاراتيا جاناتا ذلك، هل هو قادر على طرد العديد من الشياطين التي أطلقها - أو مستعد لطردها؟

 

 

جياتي غوش

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت / موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

كاتبة هذا التحليل جياتي غوش هي أستاذة العلوم الاقتصادية في جامعة جواهرلال نهرو في نيودلهي، وسكرتيرة تنفيذية لشركاء اقتصاديات التنمية الدولية وعضوة في "اللجنة المستقلة لإصلاح ضرائب الشركات الدولية".