احتجاز الصين نحو مليون شخص من الأويغور المسلمين وأقليات ناطقة بالتركية بحجة تعليمهم الاندماج

واجهت بكين الثلاثاء 06 / 11 / 2018 انتقادات حادّة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة بسبب قمعها الحريّات المدنيّة وبسبب الانتهاكات التي ترتكبها بحقّ الأقليّات العرقية في البلاد، ولا سيّما الأويغور المسلمون وبوذيو التيبت.

وفي إطار "المراجعة الدورية الشاملة" التي يتعيّن على كلّ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة الخضوع لها كل أربع سنوات تقريباً، قدّمت الصين تقريراً عن وضع حقوق الإنسان فيها والتغيّرات التي طرأت على هذا الملف خلال السنوات الأربع الفائتة.

وخلال الجلسة التي عقدت صباح الثلاثاء وجد الوفد الرسمي الصيني الذي ترأّسه نائب وزير الخارجية لو يوشينغ، نفسه تحت مجهر التدقيق والتمحيص، وفيما كان السفراء الأجانب يتوالون على طرح الأسئلة أو التعبير عن شكواهم من سجلّ بكين في مجال حقوق الإنسان كان حوالى 500 متظاهر يتظاهرون في الخارج ضدّ بكين رافعين لافتات كتب عليها "أوقفوا إبادة الأويغور" و"التيبت تموت والصين تكذب".

وتعتقل السلطات الصينية حوالى مليون شخص من الأويغور وأقليّات إثنية أخرى ناطقة باللغة التركيّة خارج نطاق القضاء في إقليم شينغيانغ في شمال غرب البلاد، بحسب تقديرات أوردتها في آب/أغسطس 2018 لجنة أمميّة مستقلّة.

وسُلّطت الأضواء هذا العام 2018 على المعتقلات التي يحتجز فيها هؤلاء والتي وصفها ناشطون حقوقيّون على أنّها معسكرات "إعادة تأهيل" سياسية، مشيرين إلى أن أفراد الأقليّات المسلمة في الصين يتم احتجازهم لأتفه الأسباب.

وقال القائم بالأعمال الأمريكي مارك كاسايري في قاعة مجلس حقوق الإنسان "نحن قلقون إزاء حملة القمع المتزايدة التي تشنّها السلطات الصينية ضدّ الأويغور والقازاق وغيرهم من المسلمين في شينغيانغ".

وأضاف إنّ بلاده تطالب الصين بأن "تلغي كل أشكال الاعتقال التعسّفي بما في ذلك معسكرات الاحتجاز في شينغيانغ، وأن تطلق على الفور مئات الآلاف، وربما الملايين، من الأفراد المحتجزين في هذه المعسكرات".

بدوره طالب السفير الفرنسي فرانسوا ريفاسو السلطات الصينية بأن "تضع حدّاً للاعتقالات الضخمة في المعسكرات وأن تدعو المفوّضة العليا لحقوق الإنسان" في الأمم المتّحدة ميشيل باشليه إلى معاينة الوضع على أرض الواقع.

ولطالما نفت السلطات الصينية وجود معسكرات اعتقال في شينغيانغ، ولكن بعدما تأكّد للملأ وجود هذه المعسكرات من خلال صور التقطتها أقمار صناعية ووثائق سريّة سرّبت عبر الإنترنت تتحّدث عن هذه المعسكرات، أقرّت بكين بوجود هذه المراكز، مؤكّدة في الوقت نفسه أنّها ليست معسكرات اعتقال بل مراكز لتعليم اللغة الصينية والرياضة والرقص الفولكلوري لمكافحة التشدّد الديني.

وخلال جلسة الثلاثاء كرّر الوفد الصيني أمام مسامع الوفود الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان القول إنّ هذه "المراكز التعليمية" هدفها مساعدة المواطنين الذين يبدو عليهم الجنوح إلى التشدّد الديني على الاندماج مجدّداً في المجتمع.

وأوقعت هجمات نسبتها السلطات الصينية إلى انفصاليين أو متشدّدين أويغور مئات القتلى في السنوات الماضية. وتؤكّد بكين أنّها تخشى صعود التطرّف الإسلامي في الإقليم البالغ عدّد سكّانه 24 مليوناً نصفهم تقريباً من المسلمين.

ولكنّ الرواية الصينية ينفيها ناشطون يقيمون في المنفى، إذ إنّ هؤلاء يؤكّدون أنّ هذه "المراكز التعليمية" ما هي إلاّ مراكز احتجاز سياسية هدفها "إعادة تعليم" المعتقلين الذين يلقى القبض عليهم لأسباب تافهة كأن يكونوا أطلقوا لحاهم أو ارتدين النقاب أو أرسلوا معايدات عبر الإنترنت بمناسبة أعياد إسلامية.

وقبيل التئام المجلس قال الباحث في الشأن الصيني لدى منظمة العفو الدولية باتريك بون في بيان إنّ على دول العالم المجتمعة في مقرّ الأمم المتحدة "إيصال رسالة واضحة إلى الحكومة الصينية بشأن وجوب وضع حدّ لحملة القمع الممنهجة في منطقة شينغيانغ التي تحظى بحكم ذاتي، بما في ذلك الاعتقال التعسّفي لما يقارب من مليون شخص". 

بدوره، قال مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في جنيف جون فيشر إنّ "لدى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فرصة متساوية للضغط على الصين بشأن سجلّها الفظيع في حقوق الإنسان وينبغي عليهم عدم إضاعتها". ولا تنحصر الانتهاكات الصينية في إقليم شينغيانغ بل تتعدّاه إلى سائر أنحاء البلاد. 

وفي جلسة الثلاثاء تعرّضت بكين للانتقاد بسبب جوانب أخرى من سجلّها المرتبط بحقوق الإنسان بما في ذلك حملتها الأمنية التي تستهدف الحريات المدنية والدينية منذ وصول الرئيس شي جينبينغ إلى السلطة عام 2012. 

وفي تمّوز/يوليو 2017، توفّي الناشط المعارض الحائز على جائزة نوبل للسلام ليو شياوبو بسرطان الكبد بينما كان محتجزاً لدى الشرطة. وفي 2015، اعتقلت السلطات الصينية أو حقّقت مع أكثر من 200 مدافع عن حقوق الإنسان في إطار حملة أطلق عليها "709". 

وفي تقرير نشرته العام الماضي 2017، اتهمت "هيومن رايتس ووتش" بكين بزعزعة جهود الأمم المتحدة في تعزيز حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن المسؤولين الصينيين قاموا مرارا بتصوير الناشطين في مقارّ الأمم المتحدة، في انتهاك لقواعد المنظمة الدولية، ومنعوا الناشطين الصينيين من السفر إلى الأمم المتّحدة في جنيف. 

وفي قضيّة أثارت حالة من الصدمة، اعتقلت السلطات الصينية الناشطة تساو شونلي في 2013 أثناء محاولتها السفر إلى جنيف قبيل آخر جلسة "مراجعة دورية شاملة" لسجلّ الصين في مجال حقوق الإنسان.  وبعد توقيفها عدّة أشهر دون توجيه اتّهامات إليها، تدهور وضعها الصحي وتوفيت في آذار/مارس 2014.  لكنّ الوفد الصيني نفى الثلاثاء كلّ هذه الاتّهامات، مشدّداً على الإنجازات التي أحرزتها بلاده في مجال مكافحة الفقر.

وقال رئيس الوفد لي يوشينغ إن "ما فعلته الصين يُظهر أنّه ليس هناك إلاّ طريق واحدة نحو الحداثة وأنّ كل دولة بإمكانها أن تختار طريقا خاصة بها لتحقيق النمو ونموذجاً خاصاً بها لحماية حقوق الإنسان".

لكنّ فيشر اعتبر أنّ التقرير الذي قدّمته الصين يُظهر "الهوّة التي تفصل بين الطريقة التي تنظر بها إلى سجلّها في مجال حقوق الإنسان والواقع المحزن للمدافعين عن حقوق الإنسان، التيبتيين والأويغور الذين احتجزوا بشكل تعسّفي".

 واحتجت الصين لدى الحكومة الألمانية على مناقشة البرلمان الألماني (بوندستاغ) لأوضاع حقوق الإنسان لأقلية الأويغور المسلمة في إقليم شينغيانغ شمال غربي الصين.

ونشرت السفارة الصينية في ألمانيا على موقعها الإلكتروني بيانا أعربت فيه عن "عدم رضاها التام" عن هذه المناقشة التي جرت داخل البرلمان الألماني الخميس 08 / 11 / 2018، موضحة أن هذا يستلزم الإعراب " للبرلمان الألماني والحكومة الألمانية عن احتجاج دبلوماسي جاد".

وذكرت السفارة أن الاتهامات الموجهة إلى الصين في هذا الصدد تعسفية وتعتبر "تدخلا فجا في الشؤون الداخلية وانتهاكا فادحا لسيادة الصين". كما انطوى البيان على تهديد غير مباشر بعواقب سلبية، حيث جاء فيه أنه من المأمول أن يأخذ الجانب الألماني الاحتجاج على محمل الجد "لضمان مواصلة تطور العلاقات الألمانية-الصينية في الاتجاه السليم".

وأكدت السفارة في البيان تصدي الصين "الحاسم ضد تسييس واستغلال حقوق  الإنسان والتدخل من خلال ذلك في الشؤون الداخلية لدول أخرى"، موضحة أن هذا يمثل أيضا انتهاكا للقواعد الدولية. وجاء في البيان أن الصين تطالب البرلمان الألماني "بوضع الصورة العامة للعلاقات الألمانية-الصينية في الاعتبار والامتناع عن توجيه اتهامات غير مبررة للصين والتدخل في الشؤون الداخلية للصين".

وجاء ذلك بعد يومين من مناقشة البرلمان الألماني أوضاع حقوق الإنسان في إقليم شينغيانغ. يذكر أن العديد من الدول وجهت انتقادات حادة للصين أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب تعاملها مع أقلية الأويغور المسلمة. وبحسب بيانات غير مؤكدة رسميا، يقبع نحو مليون من أتباع هذه الأقلية في معسكرات لإعادة التأهيل، حيث تصنف بكين الكثير منهم متطرفين.

وكان من المقرر أن يتوجه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى الصين الأحد يرافقه وفد اقتصادي. ويعتزم الوزير التطرق إلى عن أوضاع الأويغور  في الإقليم. وتتهم الصين هذه الأقلية بالوقوف وراء هجمات واضطرابات. ورفضت النائبة البرلمانية عن حزب الخضر الألماني، مارغريت باوزه، في تصريحات لإذاعة بافاريا الألمانية أي تدخل أو تنبيه أو حتى تهديد من جانب السفارة الصينية.

وبحسب البيانات، تلقى مكتب باوزه اتصالا من مسؤول في السفارة الصينية عبر فيه عن استياء بكين من مناقشة البرلمان الألماني لأوضاع حقوق الإنسان في  شينغيانغ.من جانبه، انتقد الخبير في شؤون حقوق الإنسان بالكتلة البرلمانية  للتحالف المسيحي، ميشائيل براند، رد فعل الصين تجاه المناقشة التي أجراها البرلمان الألماني، وقال في تصريحات لمجلة "دير شبيغل" الألمانية: "هذا لا يجوز. البرلمان الألماني لن يسمح بأن يُهدَّد أو أن يُملَي عليه أحد ما يناقشه أو لا يناقشه"، مطالبا وزير الخارجية الألماني بتوضيح ذلك خلال زيارته للصين. وذكر براند أن بكين لا يعنيها الهيمنة الاقتصادية وحدها، بل أيضا الهجوم على النظام الحر للغرب. أ ف ب ، د ب أ