
الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات الاجتماعية في الجزائرالنقابات المهنية الجزائرية تتحدى الحكومة
لقد ولى العصر الذي كان يمكن فيه للحكومة الجزائرية شراء السلام الاجتماعي الهش باستخدام مليارات الدولارات من عائدات صادراتها من النفط والغاز. فنظرًا لانخفاض الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي انخفضت منذ عام 2014 ميزانية الدولة واحتياطيات العملات الأجنيبة في الجزائر إلى النصف تقريبًا.
باتت الآن شرائح كبيرة من المواطنين الجزائريين عرضة لمشكلات خطيرة، بسبب ارتفاع معدَّلات البطالة وارتفاع نسبة التضخُّم المالي وانخفاض قيمة الدينار الجزائري، وكذلك بسبب النقص في توفير المواد الغذائية الأساسية المستوردة من الخارج. فالدولة لم تعد لديها الموارد المالية الضرورية لتعويض العيوب الهيكلية في الاقتصاد الجزائري من خلال المعونات والحوالات المالية الأخرى.
وبينما يحاول أحمد أويحيى، رئيس الوزراء الجزائري ورئيس الحزب الحاكم "التجمع الوطني الديمقراطي" (RND)، تهدئة المخاوف مع الإشارة إلى الميزانية الوطنية المتوتِّرة وصرف الأنظار عن أخطائه الخاصة من خلال دعاية شعبوية مغرضة ضدَّ المهاجرين الأفارقة، يفقد العاملون في الجزائر صبرهم على نحو متزايد.

منذ عامين تعمل النقابات المهنية المستقلة على التعبئة ضدَّ سياسات العمل والسياسات الاجتماعية الحكومية، وكان عملها في البداية يقتصر على احتجاجات حذرة وإضرابات. ولكن منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017 باتت تسير وعلى نحو متزايد أعدادٌ لا تحصى من الاتِّحادات المهنية المستقلة في القطاع العام في طريق المواجهة مع الحكومة.
وبالإضافة إلى شركة الطيران "الخطوط الجوية الجزائرية" المملوكة للدولة وشركات النقل العام ومصلحة البريد، تأثرَّت مؤخرًا أيضًا شركاتُ الكهرباء والغاز المملوكة للدولة بالإضرابات والاحتجاجات. حتى أنَّ العسكريين المتقاعدين قد خرجوا في شهر كانون الثاني/يناير 2018 إلى الشوارع من أجل التأكيد على مطالبتهم بتعديل معاشاتهم التقاعدية بحسب التضخُّم المالي.
بيد أنَّ نظامي الصحة والتعليم يتصدَّران موجة الإضرابات المستمرة. ففي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بدأت النقابة المستقلة "التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائريين" (CAMRA) اعتصامات أسبوعية في عدة مستشفيات في جميع أنحاء الجزائر، وفي بداية شهر كانون الثاني/يناير 2018 أعلنت حتى عن إضراب مفتوح.
لقد جاء هذا الإضراب المفتوح ردَّا من التنسيقية المستقلة للأطباء المقيمين الجزائريين على تفريق مظاهرة من قبل الشرطة شارك فيها مئات من الأطباء والصيادلة وطلبة الطب أمام مستشفى مصطفى باشا الجامعي في الجزائر العاصمة في الثالث من كانون الثاني/يناير 2018. وبعد هذا الحدث انتشرت بسرعة في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية صورٌ ومقاطعُ فيديو لمتظاهرين مضرَّجين بالدماء، أثارت موجة من السخظ والغضب.