"هجوم التحالف في اليمن من شأنه زلزلة أركان المنطقة برمتها"

فخ الاستقطاب الإقليمي والطائفي...طموحات حوثية تهدد حلم الدولة الديمقراطية
فخ الاستقطاب الإقليمي والطائفي...طموحات حوثية تهدد حلم الدولة الديمقراطية

في كل ساعة تقريبًا يزداد الوضع سوءًا في اليمن. وتستمر الضربات الجوية السعودية في تأجيج الصراع في البلاد، حيث بات الوضع يهدّد بزعزعة استقرار هذه المنطقة برمّتها، مثلما يرى المحلل السياسي والصحفي لدى المجلة الأسبوعية البريطانية المهتمة بالشؤون الدولية "ذي إيكونوميست"، آدم بارون في تحليله التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Adam Baron

طيلة ثلاثة أعوام كانت التطوُّرات في اليمن بعد الربيع العربي تعتبر نموذجيةً بالنسبة للمنطقة. سارت الأحداث الحالية على هذا النحو: بعد الثورة على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في عام 2011، تولى مجلس التعاون الخليجي المدعوم من قبل هيئة الأمم المتَّحدة والدول الغربية دور الوساطة في عملية نقل السلطة.

وفي مقابل تنحيه عن الحكم ضمن الاتِّفاق للرئيس علي عبد الله صالح - الذي حكم اليمن فترة طويلة - الحصانة وعدم ملاحقته القانونية. وبحسب خارطة الطريق المعروفة باسم "المبادرة الخليجية" تقرَّر الإعلان عن عملية انتقالية، تضع البلاد على الطريق نحو ديمقراطية سلمية وثرية تحت قيادة نائب الرئيس السابق والمرشَّح التوافقي عبد ربه منصور هادي.

سير البلاد بكلِّ سرعتها نحو الهاوية؟

بيد أنَّ الواقع تجاوز تلك الخطط السابقة. ففي الأيَّام الأخيرة شهدت الدولة التي يفترض أنَّها دولة نموذجية تسارعًا واضحًا في انهيارها، الذي كان يتسلل في البداية بشكل بطيء فقط.

في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس 2015 سار المتمرِّدون الحوثيون الشيعة نحو عدن - المدينة الساحلية التي التجأ إليها الرئيس عبد ربه منصور هادي في شهر شباط/ فبراير 2015 بعد فراره من العاصمة اليمنية صنعاء.

أمَّا صنعاء بالذات فقد فرض عليها الحوثيون سيطرتهم في شهر أيلول/​​ سبتمبر 2014 ونتيجة لذلك فقد حلوا البرلمان واستولوا "رسميًا" على السلطة.

وبعد ساعات قليلة من زحف الحوثيين إلى عدن بدأ شيء، كان يعتبر قبل أيَّام قليلة أمرًا لا يمكن تصوُّره: فقد شنَّ تحالف تقوده المملكة العربية السعودية غارات جوية على الحوثيين المتقدِّمين نحو عدن وكذلك على أهداف عسكرية أخرى في اليمن.

لا يمكن تقريبًا التنبُّؤ بالاتِّجاه الذي تتطوَّر نحوه الأحداث في اليمن. ومن أجل إيجاد لحظة مصيرية مشابهة في تاريخ اليمن، لا بدَّ من إعادة الزمن حتى حقبة ما بعد الثورة ضدَّ المملكة المتوكلية اليمنية في عام 1962. ففي الحرب الأهلية التي بدأت في تلك السنة كانت الكثير من الأطراف الفاعلة تتصارع على السلطة تمامًا مثلما هي الحال في يومنا هذا.

صحيح أنَّ كلاً من المملكة العربية السعودية ومصر كانتا تحاربان في تلك الأيَّام إلى جانب طرفين مختلفين في اليمن، ولكن مع ذلك لقد كان الخاسر - مثلما يستهزئ من ذلك بعض اليمنيين حتى يومنا هذا - كليهما. ومن جانبها كانت المملكة العربية السعودية تدعم الملكيين المخلوعين.

وفي المقابل كانت مصر تقف إلى جانب الجمهوريين المنتصرين، ولكن الذين لم يكن جيشهم قادرًا على البقاء تقريبًا من دون وجود القوَّات القادمة من مصر. وعندما انهزم جيش مصر أمام إسرائيل في حرب الأيَّام الستة في عام 1967 وعادت نتيجة لذلك القوَّات المصرية من اليمن، أدَّى ذلك أيضًا إلى إضعاف الجمهوريين اليمنيين بشكل حاسم.

تضاريس اليمن الوعرة

اليمن المعاصر يضع الغزاة أمام مشكلات وصعوبات كبيرة: إذ إنَّ طبيعة هذا البلد تعتبر وعرة جدًا. حيث تضم تضاريسه جبالاً تسمو بارتفاع ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر وكذلك طبيعةً صحراويةً لا نهاية لها. والحوثيون محاربون محنَّكون يعرفون كلَّ ركن في الجبال الواقعة في شمال غرب اليمن.

وبالإضافة إلى ذلك يبقى السؤال المطروح كيف سيكون رد هذا البلد على التدخُّل الخارجي. فقد كشفت مرة أخرى ردود الفعل على الضربات الجوية مدى الانقسامات العميقة في البلاد. فمن ناحية تسود معارضة شديدة. فحتى الذين لا يؤيِّدون الحوثيين كثيرًا، باتوا يريدون دعم ميليشيا المتمرِّدين ضدَّ الغزاة القادمين من الخارج. وفي المقابل أعرب في جنوب ووسط اليمن العديد من اليمنيين عن تأييدهم للضربات الجوية ضدَّ الحوثيين. وذلك لأنَّهم يأملون في أنَّ التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية سوف ينهي هيمنة الحوثيين.

Kämpfe in der südjemenitischen Stadt Aden im Jemen; Foto: Reuters
Es ist kaum absehbar, in welche Richtung sich die Geschehnisse im Jemen entwickeln, meint Adam Baron, Experte für die Arabische Halbinsel.

غير أنَّ نجاح التحالف في إنهاء هيمنة الحوثيين أمر مشكوك فيه كثيرًا، حيث يبقى الحوثيون القوة المسيطرة في أجزاء شاسعة من الشمال. فهم يستفيدون هناك من حلف مكوَّن من وحدات مهمة في الجيش اليمني النظامي، موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ومع ذلك فالضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية تمكَّنت قبل كلِّ شيء من إضعاف القدرات العسكرية المشتركة لهذا الحلف، وخاصة من خلال ضرب قاعدة جوية استراتيجية يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء.

ولكن من الصعب - أو حتى من المستحيل إطلاقًا - التغلب على الميليشيات الشيعية من خلال الضربات الجوية وحدها. زد على ذلك أنَّ هناك خطرًا آخر: في الغارات الجوية لا يستبعد سقوط ضحايا من المدنيين، وهذا من الممكن أن يُثير الأهالي اليمنيين أكثر ضدَّ الغزاة.

فراغ خطير في السلطة

وخلف كلِّ هذا يكمن السؤال التالي: كيف ستسير الأمور؟ صحيح أنَّ هدف التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية هو إعادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي إلى رئاسة البلاد. ولكن الحديث عن ذلك أسهل من القيام به. لا سيما وأنَّ ضعف هادي كرئيس قد مهَّد في آخر المطاف الطريق إلى الأزمة الحالية.

إنَّ مكان إقامة الرئيس عبدر ربه منصور هادي غير معروف حاليًا. وهذه حقيقة تزيد من الشكوك في قدرته على استعادة سلطة الحكومة على كامل التراب اليمني. ويضاف إلى ذلك أنَّه حتى إذا كان من الممكن في الواقع التغلب على الحوثيين، فعندئذ سوف تقف الجماعات المتطرِّفة مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على أهبة الاستعداد لملء الفراغ الناشئ في السلطة.

لا يوجد أي مخرج من هذه الأزمة إلاَّ من خلال الحوار السلمي فقط. ولا أحد يستفيد من توسُّع هذه الأزمة - لا المملكة العربية السعودية ولا إيران ولا الولايات المتَّحدة الأمريكية وبطبيعة الحال ولا حتى اليمنيون أنفسهم.

ولكن على الأرجح أنَّ الوقت قد فات من أجل إجراء محادثات. فمن خلال هجومها هذا من الممكن أن تكون قوَّات التحالف ضدَّ الحوثيين قد فتحت "صندوق باندورا" (الذي يحتوي كلَّ أصناف الشرّ): وهذا عمل من الممكن أن تكون لديه القدرة على زلزلة أركان شبه الجزيرة العربية والمنطقة في الأيَّام والأسابيع والأشهر القادمة.

 

 

آدم بارون

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015  ar.qantara.de

 

آدم بارون أستاذ زائر في مركز أبحاث "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" (ECFR). تعدّ اليمن وشبه الجزيرة العربية من مجالات اختصاصه. عمل من عام 2011 وحتى عام 2014 كصحفي في اليمن، ونشر العديد من المقالات لصالح صحف ومجلات من بينها المجلة البريطانية الأسبوعية "ذي إيكونوميست".