الألبوم الغنائي "صفر" - مزيج موسيقي أميركي شرق أوسطي
أغان جاذبة إلى الأمل والحرية والعدالة الاجتماعية

"صِفْر" أول ألبوم للموسيقية نعيمة شلهوب، ليس إلا موازاة بين واقع مرير وأمل مشرق، ومرآة لأصلها اللبناني والتزامها بالعدالة الاجتماعية، ومزيجا معقدا لتأثيرات غنائية موسيقية من موطنها الأمريكي وإرثها الشرق أوسطي في كل أغانيه الراسخة الجذور في فلسفة الأرقام ومعانيها الحرفية والرمزية. تحليل ريتشارد ماركوس لموقع قنطرة.

عنوان الألبومِ "صفر" Siphr، وفي حين يعتقدُ العديدُ أنّ الصفرَ يعني غيابَ المادةِ، لدى نعيمة شلهوب وجهة نظرٍ أخرى. فهي تراه بوصفه الدائرةَ التي تجمعنا كلنا، تحوي كل شيء ولا شيء، البدايات والنهايات. نحن نعيشُ في دورةٍ مستمرةٍ نترابطُ فيها جميعنا.

وبناءً على مفهومِ الصفر، أطلقت شلهوب على كل أغنيةٍ اسماً رقمياً ومن ثمَّ استخدمت الكلمات كعنوانٍ فرعي لإعطاءِ المستمع تلميحاتٍ حول الموضوع والمحتويات. في الواقعِ، في حين أنَّ الأغاني مرقمة من واحد إلى تسعة، ففكرةِ أنّ الصفر هو دائرة تتوضّحُ باستخدام مواضيعِ الألبومِ: فالأغنية الختامية في الألبوم، "تسعة: العودة"، تبدو كأنها استمرار للأغنيةِ الافتتاحيةِ، "واحد (ذكرى)". ولا تُنهي هذه التسجيلات الألبومَ فحسب، بل تطوقه بأذرعها لتحتضن الألبومَ بوسطها.

وهذا ما يضفي على الألبومِ التناغمَ الذي لا يمكن إيجاده غالباً في الألبوماتِ الحديثةِ. كما يتخلّلُ الألبومَ شعورٌ بالوحدةِ، سواء هيكلي أو موضوعي. إذ تبدو الأغنياتُ وكأنّها حركات في مركّبٍ شاملٍ بدلاً من أن تكون مجرد سلسلة أغاني مرتبة بطريقةٍ لتروقَ للمستمعِ. تجذُبُ كل أغنيةٍ المستمعَ أكثر إلى مواضيعِ الأملِ، والحريةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، وجميعها أمورٌ مهمةٌ لشلهوب.

أميركا تلتقي بالشرقِ الأوسطِ

كما ذكرتُ سابقاً، فإنّ ألبوم "صفر" هو مزيج موسيقى أميركية وشرق أوسطية. ولمساعدتها في تأليفِ الموسيقى، استعانت شلهوب بموسيقيَين اثنين آخرين في الكتابةِ والأداءِ. فموسيقي الجاز وقائدُ الفرقةِ "ماركوس شيلبي" كان ضيفاً في ثلاث أغنيات في حين أنتجَ الألبومَ المنتجُ ومغني الراب وعازف الآلات المتعددة الأميركي/الفلسطيني "إكسنتريك" Excentrik (طارق غزالة)، وساهم في كتابةِ الموسيقى، وأخرج فيديو الأغنية "اثنان (في الصحراء أنهار)"، وحتى أنه صمّم غلاف الألبومِ أيضاً.

Cover art for Naima Shalhoub's debut album "Siphr" (Tarik Kazaleh)
وفقاً لريتشارد ماركوس يسودُ شعور بالاتحاد –الهيكلي والموضوعي- ألبوم نعيمة شلهوب الأول "صفر": "تبدو الأغنياتُ وكأنّها حركات في مركّبٍ شاملٍ بدلاً من أن تكون مجرد سلسلة أغاني مرتبة بطريقةٍ لتروقَ للمستمعِ. كل أغنيةٍ تجذبُ المستمعَ أكثر إلى مواضيعِ الأملِ، والحريةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، وجميعها أمورٌ مهمةٌ لشلهوب".

وفي ألبومٍ مليء بموسيقى مثيرةٍ للإعجابِ مثل هذا، قد يستغرقُ الأمرُ فترةً من الزمنِ للعثورِ على أغاني فردية متميزة. ومع ذلك فإنّ واحدة من الأغاني التي كان لها صدى منذ البدايةِ أغنية "أربعة (أغنية البلوز: سجنُ رومية)". وهي أغنية على اسم سجن رومية سيء السمعةِ في لبنان، وقد أخذت شلهوب كلمات كتبها الرجالُ المسجونون هناك وألّفت أغنية البلوز الرائعة هذه.

وفي حين أنّ الجمعَ بين سماع كلمات الأغنية العربية مع ألحان بلوز دلتا النموذجية التي تعودُ أصولها لدلتا المسيسيبي قد تكون مفقدةً للتركيز بالنسبة للبعض، إلا أنّ الأمرَ يبدو منطقياً. ففي نهايةِ الأمرِ، وُلِدت الكثير من أغنياتِ البلوز العظيمةِ من زنزاناتِ السجن وعصاباته في جنوب أميركا، لذلك فإنه يمثّلُ لحن الكفاحِ –بغض النظرِ عن اللغةِ. يتلاءم إيقاعُ الكلماتِ مع الإيقاعِ المتأخرِ النبرِ للموسيقى على نحوٍ كاملٍ. وحتى من دون فهم المعنى الدقيق للأغاني، فلن يكون لدى المستمعِ أي مشكلة في تفسيرِ سياقها العاطفي.

ومع ذلك، فإنّ هذه الأغنية ليست سوى أغنية واحدة قوية من ألبوم مليء بموسيقى من المؤكد أن تشدّ المستمعَ. أحياناً يمكن لمثل هذا النوع من الألبوماتِ أنّ يكون أكبرَ من القدرةِ على التحمل، ويمكن أن يشعرَ المستمع بعدمِ الاهتمامِ بسبب الحملِ العاطفي والمعلوماتي الكبيرِ. بيدَ أنّ شلهوب، في هذه الحالة، تقوم بعملٍ رائعٍ في منعِ التسجيلِ من التحولِ إلى أداءٍ بنغمةٍ واحدةٍ. إذ تتغيرُ وسائلها في التعبيرِ عن المواضيعِ والأفكار من أغنيةٍ لأخرى.

وفي حين تشكّلُ كل أغنيةٍ جزءاً من الصورةِ الكاملة التي يخلقها الألبومُ، فإن لكلٍ منها قصتها ونمطها المميز الخاص بها. وبعباراتٍ أخرى، فإنّه من المستحيلِ الشعور بالمللِ أو بالميلِ إلى فقدانِ الاهتمامِ. فمن أغنيةِ نمط الجاز الحر "ستة (جناحُ إلهاء)" إلى اللباقة البسيطةِ في أغنيةِ "ثلاثة (محبوب)"، تغطي الأغاني منطقةً موسيقيةً واسعةً، فتضمنُ أنّ المستمعَ سيبقى مأسوراً من أغنية الافتتاحِ وحتى النوتاتِ الموسيقيةِ الأخيرة من الأغنية الأخيرةِ.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة