مقتل جمال خاشقجي على وسائل التواصل...استنكار واستقطاب

الإعلان عن "مقتل" الصحفي جمال خاشقجي لم يسدل الستار على قضية شغلت الرأي العام وملأت الإعلامين التقليدي والجديد بالصخب. كل ما في الأمر أن فصلاً جديداً بدأ، على الأقل على وسائل التواصل الاجتماعي ولدى الصحفيين الغربيين.

الكاتبة ، الكاتب: خالد سلامة

"خرج ولم يعد" عبارة مألوفة للأذن العربية؛ إذ أنها كانت عناوين أعمال درامية وأفلام شهيرة وأضحت فيما بعد مثلاً دارجاً.

الجديد منذ بداية هذه الشهر هو المثل: "دخل ولم يخرج". وقد تم تداوله في واقعة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي. بحسب صور التقطتها كاميرات المراقبة ونشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، وفي الساعة 13:14 بالتوقيت المحلي (10:14 بتوقيت غرينتش)، قصد خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من تشرين أول/أكتوبر الجاري لاستصدار أوراق ثبوتية بغية الزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز. منذ لحظة دخوله أصبح الرجل أثراً بعد عين.

فجر اليوم السبت أكّدت الرياض للمرة الأولى أنّ خاشقجي "قُتل إثر وقوع شجار واشتباك بالأيدي" مع عدد من الأشخاص داخلها. وبالتزامن مع إعلان الرياض مقتل خاشقجي، أمر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري والمستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، ومسؤولين آخرين في جهاز الاستخبارات، من مناصبهم، فيما ذكرت الرياض أنّها أوقفت 18 سعودياً على ذمة القضية. ولم يتم الإعلان عن سبب الإعفاء إلا أنه يأتي بالتزامن مع إعلان مقتل خاشقجي.

تغريدات بكل ألوان الطيف

سيطر إعلان مقتل خاشقجي على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي. وانقسم معظم المعلقين على القضية إلى فريقين أحدهما مدافع عن السعودية وآخر منتقد ومشكك في روايتها الرسمية.

الإعلامي اللبناني المعارض لإيران وحزب الله والمقرب من السعودية، جيري ماهر، طالب بضرورة التعاطي مع قتل خاشقجي بنفس الطريقة التي تم بها التعاطي مع "قتل" السفير الروسي في أنقرة:

 

هل تذكرون الضابط التركي الذي قتل السفير الروسي لدى انقرة؟

تعاطى العالم مع هذه القضية على انها عمل فردي مُدان، واليوم يجب التعاطي مع قضي قتل جمال خاشقجي بذات الطريقة فالذي خطط ونفذ العملية سيُحاسب وبعدها يتم اغلاق القضية. #جيري_ماهر

— Jerry Maher (@jerrymahers) 20. Oktober 2018

 

الناشطة الحقوقية المصرية، داليا زيادة، اتهمت كل من قطر وتركيا بــ"قتل" مواطنيها و"سحب" الجنسية القطرية من البعض على حد تعبيرها:

 

أتمنى تكون قطر و تركيا في نفس شجاعة السعودية وتحقق في مقتل مواطنيها على يد سلطات الدولة، ربما تستطيع أمريكا الضغط على أردوغان ليبرر قتله لأكثر من مائتين مواطن بعد محاولة الإنقلاب منذ عامين، أو أن يبرر تميم ملاحقته للكتاب وسحبه الجنسية من مئات المواطنين #جمال_خاشقجي_في_ذمه_الله

— Dalia Ziada (@daliaziada) 20. Oktober 2018

 

وفي إشارة إلى مزاعم تقطيع جثة خاشقجي بمنشار كهربائي، أضحى المنشار كلمة الموسم التي ترافق الكثير من البوستات:

 

مملكه المنشار العربيه #جمال_خاشقجي pic.twitter.com/WHDx2OP7no

— Ali HamZa (@Ali_HamZa87) 20. Oktober 2018

 

وفي عزّ المأساة لم تغب الكوميديا السوداء عن المشهد:

 

ودي كانت خطة المنشار في. #مقتل_خاشقجي pic.twitter.com/jxidKsMpT8

— عرفه (@3ARAFA_O) 20. Oktober 2018

 

الباحث والمحلل السياسي المصري البارز مأمون فندي قدم قراءته السياسية:

قصة خاشقجي لن تنتهي بإعلان موته. نحن أمام فضية رباعية الأطراف ستطول : السعودية وقرارت المحاسبة، ومتابعة إجراءات المحاسبة ، وتركيا التي تحتفظ بأوراق لن تكشفها لاستخدامها لمكاسب سياسية ، وترمب ومعركة الكونجرس.الواشنطن بوست كطرف رابع وربما الطرف الأقوى.انها صحيفة أسقطت الرئيس نيكسون

— Mamoun Fandy (@mamoun1234) 20. Oktober 2018

 

إعلام أوروبي: استخفاف

حذر الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف دولوار من إجراء أي "مساومة" مع السعودية في قضية خاشقجي لأن ذلك سيعطيها "ترخيصاً بالقتل"، على حد تعبيره. وأضاف دولوار أنه "بعد الإقرار بمقتل" خاشقجي، فان "مراسلون بلا حدود" "تنتظر الإبقاء على ضغط حازم ومتواصل وقوي على السعودية، حتى جلاء الحقيقة كاملة بشأن القضية والتوصل إلى إطلاق سراح صحافيين سعوديين حكم عليهم بعقوبات مروعة ومنافية للمنطق".

وبدوره وفي تعليق له على الموقع الإلكتروني للقناة الألمانية الأولى ARD وصف الصحفي راينهارد باوم غارتن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه "أوتوقراطي لا يرحم"، خالصاً إلى أن السعودية انحدرت إلى مستوى صدام حسين ومعمر القذافي من حيث تصفية المعارضين. وأضاف المعلق الألماني أن الجريمة "رسالة "لا لبس فيها" لكل الأصوات الناقدة.

ومن جانبها ذهبت صحيفة "نيو تسوريشر تسايتونغ" السويسرية، الرصينة والعريقة، في أحد تعليقاتها إلى أن المملكة تحتاج إلى "ولي عهد جديد" مشيرة إلى أنه لم يعد بالإمكان بعد قتل خاشقجي تحمّل بن سلمان. وأضافت الصحيفة في تعليق للصحفي كريستيان فايس فلوغ أن الغرب "يجب أن يراجع، جذرياً، سياسته مع دول الخليج".

أما صحيفة "تاغس تسايتونغ" الألمانية اليسارية فقد نعتت التوضيح السعودي لما حصل بأنه "سخيف".

وبدوره وصف الصحفي السياسي المعروف في القناة الألمانية الأولى ARD، غيورغ ريستل، الإعلان السعودي بأنه عبارة عن "أكاذيب واضحة وسخافة".

 

Erst der Mord, dann die offensichtlichen Lügen. #Khashoggi soll sich Faustkampf mit 18 Saudis geliefert haben. Absurd! ⁦@HeikoMaas⁩ und ⁦@peteraltmaier⁩ reagieren wann? https://t.co/3HJEw9SAbg

— Georg Restle (@georgrestle) 20. Oktober 2018

 

صادرات السلاح للسعودية في مرمى النار

وفي برلين أدانت الحكومة الألمانية حادثة القتل "بأشد عبارات الإدانة" وطالبت بتقديم مزيد من الإيضاحات لملابسات الواقعة. وجاء في بيان مشترك للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ووزير الخارجية هايكو ماس: "ننتظر من العربية السعودية ممارسة الشفافية في ملابسات مقتل الصحفي وخلفياتها". وأضاف البيان: "يجب محاسبة المسؤولين عن الواقعة، والبيانات التي صدرت بشأن أحداث القنصلية في إسطنبول ليست كافية".

ومن جانبه طالب حزب الخضر الألماني المعارض الحكومة باتباع نهج متشدد في التعامل مع السعودية. وفي هذا الصدد قال خبير الشؤون الخارجية في الحزب، أوميد نوريبور: "لا يمكن تحمل ظن السعودية بأن الرأي العام العالمي غبي... في النهاية على الحكومة الألمانية أن تستيقظ عقب هذا البيان الواهي. عليها أن تنهي الشراكة الاستراتيجية مع الرياض وتوقف صادرات الأسلحة". وذكر نوريبور أنه يتعين على الحكومة الألمانية أيضا أن تطالب رجال الأعمال الألمان بمقاطعة "مبادرة مستقبل الاستثمار" المقررة في المملكة الأسبوع المقبل.

وبدورها دعت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، إلى مراجعة العلاقات وصادرات الأسلحة المثيرة للجدل مع السعودية. وقال الأمين العام للحزب لارس كلينغبايل اليوم السبت في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في برلين: "عقب مثل هذه الواقعة غير المعقولة، يتعين مراجعة العلاقات الألمانية مع السعودية، وكذلك صادرات الأسلحة".

ويقدم أحد الرسوم الكاريكاتورية نقاشاً ساخرا داخل أروقة الحكومة الألمانية حول تصدير السلاح للسعودية. في النهاية حسب الكاريكاتور تم التوصل إلى قرار بمواصلة تصدير السلاح للسعودية ولكن مع التوقف عن تصدير "المناشير".

Saudi-Arabien und der Westen...

(von Klaus Stuttmann) pic.twitter.com/WEh9L6VKVo

— Robert Roßmann (@RobertRossmann) 19. Oktober 2018

 

يذكر أن الحكومة الألمانية وافقت على صفقات بيع أسلحة للسعودية بقيمة تقارب نصف مليار دولار حتى الأن خلال عام 2018، مما يجعل من المملكة ثاني أكبر مشتر للأسلحة الألمانية بعد الجزائر، وفقاً لوثيقة لوزارة الاقتصاد الألمانية اطلعت عليها وكالة الأنباء الالمانية (د.ب.أ) أمس الجمعة.

 

 

خالد سلامة

حقوق النشر: دويتشه فيله 2018