
الإسلام الليبرالي في ألمانيا"مسلم وليبرالي": كتاب ألماني يسلط الضوء على الليبرالية الإسلامية
يبزر خلال النّقاش المحموم غالبًا حول الإسلام ومدى أهميته لعالمنا المعاصر موقفان حادّان، الموقف الأول مبنيّ على نقد جذري للإسلام، يقول بعدم قدرة المسلمين على تبنّي موقف مقبول تجاه حقوق الإنسان، ويُعزى ذلك إلى انتمائهم الديني؛ أما الموقف الثاني فينطلق من صرامة إسلاميّة تتوقع الخلاص عبر تطبيق المبادئ الإسلامية الثابتة. ورغم كل التناقضات الظاهرة بين هذين الموقفين إلا أن هنالك ما يجمع بينهما، ألا وهو تصوّر بأن العقيدة الإسلامية المتبلورة في القرآن تهيمن على ممارسات المسلمين بصورة كليّة أو شبه كليّة. ويكفي إلقاء نظرة عابرة على هذه التّصور لكشف مدى مغالطته للواقع.
إذ لا يعتقد معظم المسلمون بضرورة توجيه سلوكهم بالكامل بناءً على تعاليم القرآن؛ وهذا ما يتأسف عليه المسلمون المتشدّدون ويحاولون تغييره بطرق قد لا تخلو من العنف أحيانًا. في حين لا يأخذ أصحاب الموقف الناقد للإسلام جذريًا هذه الحقيقة في حسبانهم، لأن فيها ما يحيل موقفهم برمته إلى مجرد سخافات.
ورغم ابتعاد معظم المسلمين المعاصرين عن العمل بتعاليم القرآن، إلا أنهم لا يفصحون عن هذا بصورة علانية وبصراحة، بل يتهرّب بعضهم أحيانًا من هذه الحقيقة، ويسمحون بذلك للتصور سابق الذكر -وهو أن العقيدة الإسلامية المتبلورة في القرآن تهيمن على الممارسات الإسلامية كليًا أو بصورة شبه كلية- أن يبدو كما لو أنه انعكاس للواقع.
وهذا هو جوهر الكتاب. إذ يعرفنا على تيار في الإسلام، يقدم نفسه على أنه ليبرالي. وجميع المساهمين في هذا الكتاب، وعددهم عشرون مساهمًا، مسلمون مؤمنون وفقًا لفهمهم الذاتي، ويرون دينهم متوافقًا مع العقل ومع حقوق الإنسان. وقد سبق لمحررة الكتاب نفسها، لمياء قدور، أن أسّست الاتِّحاد الليبرالي الإسلامي في عام 2010.

ويقارب الكتاب موضوعه بطريقتين: الأولى عبر قراءة للقرآن، ترى فيه أمثولة للقيم الإنسانية؛ والثانية عبر نظرة على واقع المسلمين، تظهر أن لهذا الفهم الليبرالي للإسلام ما يبرره على أرض الواقع.
الإسلام الليبرالي والدّعوة إلى التغيير
تُسْنِدُ بعض مساهمات هذا الكتاب التّصورات الإسلامية الليبرالية إلى القرآن الكريم، أو بالأحرى إلى بعض آياته، وهو أمر ممكن بكل تأكيد، إذ يحتوي القرآن على محتوى كبير ذي صبغة إنسانية، إلا أن مواءمة هذه الآيات مع حقوق الإنسان ضمن سياق حداثوي ليس بالأمر السّهل على الإطلاق، حيث يتطلب ذلك قدرةً على التعامل مع المواضِع الأخرى المختلفة تمامًا في القرآن، كما يتوجب على المرء توضيح أن الاتجاه السّائد للإيديولوجية الإسلامية يروِّج لفهم صارم وضيق للدين؛ وهو ما شرع هذا الكتاب بالقيام به.
وتذهب مادة حاقان طوران في هذا الصّدد لأبعد حد، حيث تخوض في أصول الفقه، أي في هيرمينوطيقا القانون، أي البحث في تفسير وتأويل ومعنى القوانين المكتوبة، وتأخذ بالحسبان حقيقة أن واقع المسلمين المعاش يؤثر بقوة على تطوّر الفكر الإسلامي، وهو ما حدث زمن ظهور القرآن أيضًا. ما يسمح للباحث بفهم سياقات معينة في القرآن -كالتصورات المتعلقة بالغزوات الحربية، أو التي تميّز ضد المرأة، أو التي تفرّق بين اليهود والمسيحيين- على أنها آنية ظرفية، وبالتالي فإن مفعولها -بوصفها تعليمات يمكن إتباعها- قد بَطُلَ في عصرنا الراهن.
ويدحض مروان حسن في مادته فكرة أن اليهود والمسيحيين لن يدخلوا الجنة التي وُعِدَ المسلمون بها، ويدعم رأيه عبر الاستشهاد بآيات من القرآن؛ وبهذا، فإن دحضه ليس موضع ترحيب فحسب، بل ومعقول أيضًا. إلا أن ما ينتقص من قوة إقناع حجته أنه تعرض لجوانب معينة لم يكن لها داعٍ على الإطلاق، ومن ذلك خوضه في تفسير آيات قرآنية توحي إلى سوء فهم بسبب تركيبها اللغوي الصعب.