المساجد...جسور لاندماج اللاجئين في المجتمع الألماني

يشكل العدد الكبير للاجئين المسلمين تحديا بالنسبة للمساجد في ألمانيا. إذ لا يرتبط الموضوع بالمساعدات الإنسانية التي يمكن لهذه المؤسسات تقديمها للاجئين، وإنما أيضا بتحديد المسار الإسلامي في ألمانيا وتطوراته المستقبلية. ولكن كم عدد المساجد في ألمانيا؟ ومَن يقوم عليها؟ وما دورها في اندماج المسلمين بالمجتمع الألماني؟ وكيف سيؤثر قدوم اللاجئين المسلمين على المشهد الإسلامي في ألمانيا؟ أندرياس غوتسفسكي يحاول الإجابة في مقاله التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Andreas Gorzewski

حتى الآن طغى الطابع التركي على صورة الإسلام في ألمانيا، إذ يشكل الأتراك نسبة ثلاثة أرباع عدد المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، وتليهم مجموعات المسلمين العرب والبوسنة والألبان وغيرها من المجموعات.

وبات يأتي إلى ألمانيا كل شهر عشرات آلاف السوريين والعراقيين، وأغلبهم مسلمون. ويرى السياسيون المعنيون بشؤون الاندماج أن رعاية اللاجئين والعناية بهم مهمة لا تقع على عاتق الدوائر الرسمية والكنائس والمبادرات التطوعية فقط، بل والمساجد أيضاً. وفي هذا السياق يرى رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، أيمن مزيك، أن المساجد والجمعيات يمكن أن تلعب "دورا رئيسيا" في عملية الاندماج، حسب ما جاء في لقاء له مع القناة الألمانية الثانية.

يوجد في ألمانيا حوالي 2400 مسجد تقوم منظمات تركية بالاشراف على أغلبها، وبالنسبة للمسلمين السنة من السوريين والعراقيين فليست هناك إشكالية عند الصلاة خلف إمام تركي، فالعربية هي لغة الصلاة في كل مساجد العالم. لكن الأمر يختلف مع خطبة صلاة الجمعة التي تلقى بلغة الجمعية التي ينتمي إليها المسجد، وهي على الأغلب تركية.

تواصل ولقاء في المساجد

اللغة العربية تستخدم بالدرجة الأولى في المساجد التي تسيرها جمعيات مغربية، والتي يقدر عددها بـ 155 مسجدا، بحسب عبدالقادر رفود من المجلس المركزي للمغاربة في ألمانيا، والذي يقول: "حيثما تكون هناك جمعية يتكلم أعضاؤها العربية ويتعرف عليها اللاجئون العرب، فإنهم يتوافدون عليها، حيث إنهم لا يؤدون في مسجدها الصلاة فقط، وإنما يلتقون ويتحدثون بعضهم مع بعض بلغتهم الأم ويشربون الشاي أيضا في الأماكن المخصصة. أما النساء فلهن أماكن أخرى للاجتماع. لكن يمكن أحيانا أن يواجه اللاجئون العرب بعض المشاكل اللغوية بسبب اختلاف اللهجات بين دول شمال أفريقيا ودول الشرق العربية.

أحمد عويمر، المتحدث باسم الجالية المسلمة في دروتموند، لا يرى في اختلاف اللهجات عائقا، إذ يمكن للغالبية التحدث والتفاهم باللغة العربية الفصحى. لكن ليس من الواضح إن كانت الخلافات والصراعات بين الجماعات في الأوطان الأصلية للاجئين ستنتقل إلى ألمانيا مستقبلا. فهم أكراد وعرب سنة وشيعة وعلويون ومجموعات إثنية ودينية أخرى. وفي أماكن إيواء اللاجئين قد تحدث مشاكل وخلافات، ولكن لا يرى مسؤول الحوار في المجلس المركزي للمغاربة في ألمانيا أن تحدث مشاكل وخلافات في المسجد مباشرة، وإنما سيتضح في المستقبل كيف ستتعامل المجموعات الجديدة مع المهاجرين السابقين، ويضيف "سنواجه اختلافات مستقبلا".

 Moscheeführung am "Tag der offenen Moschee" im Gebetsraum der Merkez-Moschee in Duisburg; Foto: picture-alliance/dpa/M. Skolimowska
Türkisch versus Arabisch: In Deutschland gibt es etwa 2400 Moscheen. Die meisten gehören türkischen Organisationen. Für syrische oder irakische Sunniten ist es grundsätzlich kein Problem, sich hinter einem türkischen Imam Richtung Mekka zu verbeugen.

ويقول عبد القادر رفود الألماني المغربي الأصل، إنه لم تكن للمغاربة مساجد خاصة بهم قبل ثلاثين عاما، حيث كانت هناك مساجد للأتراك فقط، ويضيف بأن الجالية التركية قامت باحتضان أقليات مسلمة. وبعد فترة من الزمن اصبح لدى العمال المغاربة المهاجرين المال والخبرة لتأسيس جمعياتهم وبناء مساجدهم الخاصة، وهذا ما سيحدث مع السوريين والعراقيين مستقبلا، بحسب رأيه. وهناك جمعيات صداقة أو إغاثة سورية–ألمانية أو عراقية – ألمانية مشتركة، إلا أنه ليس هناك مسجد خاص للجاليتين السورية والعراقية في ألمانيا.

منذ أعوام تقدم بعض المساجد دورات لتعليم اللغة الألمانية والاندماج، لكن إمكانيات الجمعيات التي تعتمد على العمل الطوعي محدودة. الجديد هو أن السلفيين أيضا بدأوا يختلطون باللاجئين ويستغلون المساجد للترويج لأفكارهم المتطرفة عن الإسلام، وهذا ما يثير قلق هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية) في ألمانيا. وهنا تقع مسؤولية أكبر على عاتق المنظمات الإسلامية فهي مطالبة ببناء جسر مع المجتمع الألماني والتركيز على التواصل باللغة الألمانية.

اختلافات بين مسلمين

اللغة المشتركة والدين الواحد لايعني بالنسبة للسوريين والعراقيين أنهم بين أقرانهم في الجمعيات المغربية-الألمانية، حيث إن "الذين يعيشون هنا منذ سنوات طويلة متأثرون بالثقافة المحلية"، يقول رفود، الذي يرى أن هؤلاء لهم طريقتهم الخاصة في ربط الدين بالحياة اليومية، ويؤكد وجود اختلافات. وفي نفس الاتجاه يذهب عويمر الذي يقول عن المسلمين الذين ولدوا أو يعيشون منذ فترة طويلة في ألمانيا أنهم أصبحوا "ألماناً بشكل أو آخر" ولهم اهتمامات ومصالح مختلفة ويقيّمون الأمور بشكل مختلف.

ويرى أحمد عويمر، المتحدث باسم الجالية المسلمة في دروتموند، أن التواصل مع الجمعيات الإسلامية المحلية فرصة للقادمين الجدد حيث "عليهم التعود والقبول بالقيم المشتركة في المجتمع". ويلاحظ أن العمال المهاجرين في الماضي احتاجوا لوقت طويل في مسار الاندماج، "أما بالنسبة للذين يأتون الآن إلى ألمانيا فهناك نموذج يمكن الاقتداء به"، ملاحظا أن الأمر سيكون بالنسبة لهم أسهل مقارنة بالأجيال المسلمة السابقة.

 

 

أندرياس غوتسفسكي

ترجمة: ع.ج

حقوق النشر: دويتشه فيله 2015