تيار إسلامي إندونيسي معتدل وعريض يقف للتطرف بالمرصاد

أكثر من 88% من سكان إندونيسيا الربع مليار مسلمون. ومنهم تيار سياسي إسلامي عريض يبلغ 70 مليوناً: يرى أن خصمه التطرف الإسلاموي ويرفض العنف ويدرك جاذبية الحركات المتطرفة للأجيال الشابة، ويدعم التعددية الدينية ولا يساوم في مسألة الحرية. عالم اللاهوت والفيلسوف الاجتماعي الألماني فرانتس ماغنيس-سيسنو يعيش في إندونيسيا منذ أربعة عقود ويسلط الضوء على الإسلام والنظام السياسي في هذا البلد الآسيوي المسلم.

الكاتب، الكاتبة : Franz Magnis-Suseno

يمكن للمرء ملاحظة تزايد "الأَسْلَمَة" في إندونيسيا من الخارج. تتزايد عدد النسوة اللواتي يرتدين الحجاب يوماً بعد يوم. وكان الرئيس الإندونيسي الأسبق، سوهارتو، قد فتح الباب لهذه النزعة المتزايدة للأسلمة في سبعينيات القرن العشرين. ولتحصين إندونيسيا ضد الإغراءات الشيوعية، عزز سوهارتو بشكل ممنهج زيادة درجة التدين لدى المواطنين. فقط قبل خمسين عاماً كان يشعر أكثرية الجاويين -42 بالمائة من السكان- بأنفسهم كجاويين أكثر من كونهم مسلمين. أما اليوم فيؤدي الجاويون الصلوات الخمس المفروضة، ويحج إلى مكة من استطاع إلى ذلك سبيلا. وليست من قرية في جزيرة جاوة بدون مسجد.

ظاهرة قديمة متجددة

Indonesiens ehemaliger Präsident Sukarno; Foto: wikipedia
gründungsvater der Pancasila: Indonesiens Gründungspräsident Sukarno hatte am 1. Juni 1945 die fünf Prinzipien der Pancasila als Absage an jene Kräfte formuliert, die Indonesien nach seiner Unabhängigkeit von der holländischen Kolonialmacht zu einem islamischen Gottesstaat machen wollten. Laut der Staatsideologie Pancasila ist Indonesien ein säkularer Staat, in dem nach dem Prinzip der «All-Einen Göttlichen Herrschaft» neben dem Islam das Christentum, der Buddhismus, der Konfuzianismus und der Hinduismus die fünf offiziell anerkannten Religionen sind.

اتسم الإسلام الإندونيسي دائما بوجود جناح متطرف بداخله. فبين عامي 1950 و1966 خاضت حركة "دار الإسلام" في آتشيه (جزيرة سومطرة) قتالاً في سبيل الظفر بدولة إسلامية. كما تم سحق عدة محاولات إرهابية بداية الثمانينيات. وبالإضافة إلى ذلك، شارك ما يقارب 3000 "مجاهد إندونيسي" في القتال في أفغانستان ضد السوفييت. آنذاك كان يدفع لهم الأمريكيون المال وكان يقودهم روحياً أسامة بن لادن.

ثم جاء الانفتاح الديمقراطي في عام 1998 وفُتح الطريق للمتطرفين للوصول إلى الرأي العام. وقد قامت الشرطة والجيش برعاية مجموعات تقوم بأعمال عنف كـ"جبهة الدفاع عن الإسلام"، وذلك كقوة مضادة تقف في وجه الطلاب المطالبين بالديمقراطية. فقد قام عناصر من الجيش بنقل مقاتلي"لاسكر جهاد" بحراً من مواقعهم قرب يوغياكارتا إلى جزر الملوك وبأوامر صريحة من الرئيس عبد الرحمن وحيد، وذلك لإبقاء نار النزاع الإسلامي-المسيحي متقدة.

ومنذ سنوات تنشط السعودية للدعاية للوهابية عن طريق التبرعات السخية للمؤسسات التعليمية الإسلامية. والمقلق أكثر من ذلك هو انتشار الإسلام الأصولي بين الطلاب في كبريات الجامعات. و"حزب التحرير الإندونيسي" مثال على هذه الأصولية. فالحزب يسعى لإقامة خلافة إسلامية في جنوب شرق أسيا. وتقوم المجموعات الإرهابية الصغيرة، التي تخضع لملاحقة شديدة من الأجهزة الأمنية، بتجنيد الكثيرين من المقاتلين السابقين في أفغانستان.

تيار إسلامي معتدل وعريض

لا تملك هذا المجموعات الإرهابية تأثيراً سياسياً حتى اليوم. إذ فشلت محاولة عام 2001 لفرض الشريعة على المسلمين وتضمين ذلك في الدستور، وذلك برفض مجلس الشعب الاستشاري الإندونيسي (البرلمان) وبأغلبية 81 بالمائة من الأصوات لهذا الأمر. هذا الحادثة وغيرها تكشف أن التيار العريض لما يقارب من 220 مليون إندونيسي يقف بالمرصاد ضد التطرف. فعدد المتطرفين قليل ولا يزيد عدد أعضاء تنظم "الدولة الإسلامية" من الإندونيسيين على 500.

يمثل التيار العريض للإسلام المعتدل جمعيتان إسلاميتان رئيسيتان: "نهضة العلماء"، ذات الطابع الريفي ويبلغ عدد أعضائها 40 مليوناً، و"الجمعية المحمدية"، بعدد أعضائها البالغ 30 مليون وبطابعها المديني "المتحضر". ترفض الجمعيتان إقامة دولة إسلامية في إندونيسيا وتريان أنها غير مناسبة لهذا البلد. وتعترف الجمعيتان بشكل الدولة الإندونيسية الحالي بأنه الأنسب للدولة الإندونيسية المترامية الأطراف وذات عدد السكان الذي يزهو على ربع مليار نسمة. تقوم الفلسفة الحالية لنظام الحكم والدولة على مبادئ "پانچاسيلا". وهي مبادئ خمسة صاغها الرئيس الأسبق سوكارنو في 1945 كعقيدة للدولة الناشئة لتجمع الإندونيسيين على مختلف مشاربهم. والمبادئ الخمسة هي: الإيمان بإله واحد، إنسانية عادلة ومتحضرة، وحدة إندونيسيا، الديمقراطية تقودها الحكمة الداخلية في توحد ناشئ من المداولات بين الممثلين، العدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب الإندونيسي. وبذلك تضمن هذا المبادئ الخمسة لجميع المواطنين حقوق مواطنة متساوية.

إسلام بلا موقع متميز

Flagge mit dem Symbol der "Nahdlatul Ulama"; Quelle: wikimedia
Für religiöse Toleranz und Aufrechterhaltung der Pancasila: Die islamische Organisation "Nahdlatul Ulama" hat sogar in einer Fatwa den saudischen Wahhabismus zur Irrlehre erklärt. Sie sieht ihren Gegner nicht etwa in den Christen oder (den balinesischen) Hindus, sondern in den islamischen Extremisten.

برهن التيار الإسلامي العريض على رؤيته الأخلاقية والمجتمعية في مفصلين تاريخين مهمين. الأول في عام 1945 بعد إعلان استقلال إندونيسيا. إذ قررت مجلس الشعب الاستشاري وبالإجماع  شطب نص تم إضافته بشق الأنفس إلى مبدأ "پانچاسيلا". وكان من المفترض أن يلزم هذا النص المسلمين بتطبيق الشريعة. غير أنه وبحسب رؤية مجلس الشعب الاستشاري فإن هذا النص كان يعني تميزاً ضد الإندونيسيين غير المسلمين. في واقع الأمر فقد أعطى دستور عام 1945 للإسلام موقعاً متميزاً صغيراً جداً، على الرغم من أن المسلمين يشكلون أغلبية الإندونيسيين وبنسبة 88 بالمائة. وتشكل مبادئ "پانچاسيلا" الخمسة، والتي تأسس على أساسها التيار العريض للإسلام السياسي في الثمانينيات، أساس الوحدة الصلبة للدولة الإندونيسية، ذات التنوع الكبير جداً.

ومرة أخرى برهن التيار الإسلامي العريض على أخلاقه خلال بعد الاضطرابات الخطيرة بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق سوهارتو عام 1998، هذا بالمقارنة مع ما حصل بمصر بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك. في ذلك الوقت أخذ أفضل الإسلاميين زمام الأمور بأيديهم. فقد وضع ربيب سوهارتو وخليفته ورئيس "جمعية المثقفين المسلمين"، يوسف حبيبي، إندونيسيا، وخلال بضعة أيام، على طريق الانتقال للديمقراطية. وسار خليفته عبد الرحمن وحيد، الذي ترأس جمعية "نهضة العلماء" على مدار 15 سنةً، على نهجه بدعم الديمقراطية. وفي نفس الوقت، ترأس الرئيس السابق للجمعية المحمدية، أمين رايس، مجلس الشعب الاستشاري بين الأعوام 1999 و2004. كان رايس قد ألهم وقاد الإطاحة بسوهارتو وقد تم في عهد رئاسته إصلاحات سياسية منها إقرار الانتخابات الرئاسية المباشرة، وتحديد مدة الرئيس بدورتين، وتشريعات أخرى مهمة تخص حقوق الإنسان مستوحاة من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948.

Franz Magnis-Suseno; Foto: Arian Fariborz
Der katholische Theologe und Sozialphilosoph Franz Magnis-Suseno lebt seit 1961 in Indonesien. Er war langjähriger Rektor der Philosophischen Hochschule "Driyarkara" in Jakarta und erwarb sich große Verdienste für seinen Einsatz im interreligiösen Dialog in Indonesien.

إندونيسيا مدينة للتيار الإسلامي العريض بعدم انتقال الحرب الأهلية العنيفة بين المسيحيين والمسلمين بين عامي 1999 و2000 من مناطق شرق إندونيسيا إلى الجزيرتين الرئيسيتين، جاوة وسومطرة. ذهب ضحية تلك الحرب 8000 شخصاً وارتكب طرفا النزاع مجازر فيها. وفي إندونيسيا حدث أن تحالف أكبر الأحزاب الإسلامية "حزب ماسومي" مع حزبين مسيحيين والحزب الديمقراطي الاشتراكي ضد الرئيس سوكارنو مطالبين بالديمقراطية. هذا التحالف يتضاد مع الكليشيه الواسع الانتشار في إندونيسيا أن الإسلام والديمقراطية لا يتوافقان.

نظرة مستقبلية

هل يستطيع من يصفون أنفسهم بالمعتدلين الصمود أمام التطرف المتزايد؟ تعي جمعيتا "نهضة العلماء" و"الجمعية المحمدية" هذا التحدي وعياً تاماً. وحتى أن جمعية العلماء أعلنت في فتوى لها أن الوهابية السعودية بدعة. وترى الجمعيتان أن خصمها التطرف الإسلامي، وليس شيئاً آخر من قبيل المسيحيين أو الهندوس. ولكن هذا التسامح لا ينطبق على ما تدعى بـ"الطوائف" كالشيعة والأحمدية أو كالحركات السرية كغافاتار. يرفض الطيف الإسلامي العريض وجود هذا الحركة. غير أن الجمعيتين عبرتا عن رفضهما لكل أشكال العنف ضد مثل هذه الحركات السرية. وقد اتهمت الجمعيتان الدولة بعدم القيام بواجبها في حماية كل مواطنيها وذلك بسبب الانتهازية ونزولاً عند الرغبات الشعبوية، حسب ما تقول الجمعيتان.

تدرك الجمعيتان جاذبية الحركات المتطرفة على الأجيال الشابة. وعلى ضفة الجمعيتين هناك مجموعات شابة منفتحة واعية وتدعم الحرية الدينية، ولا تساوم في مسألة الحرية. من الأهمية بمكان للمستقبل أن تقوم الجمعيتان والمثقفين المسلمين بدعوة ممثلين عن الأديان المعترف بها(المسيحيين، الهندوس والبوذيين والكونفوشيوسيين) إلى فعالياتهم.

من المحتمل أن يرتبط مستقبل إندونيسيا بعوامل أخرى. غير أن غالبية الإندونيسيين، وهم يعيشون الديمقراطية الحالية، سيكون بمقدورهم العيش على أمل أن يكون لأطفالهم مستقبلاً أفضل، 

فقط حين لا يتمكن المتطرفون من أن يسودوا وينجحوا. بالنهاية فإن يوسف حبيبي، السياسي الذي استلهم أفكاره من الإسلام، هو من تلقف مطالب الطلاب عام 1998 وقام بدمقرطة إندونيسيا ما بعد سوهارتو. يثق الكثير من الإندونيسيين بالرئيس الحالي، جوكو ويدودو -على الرغم من بعض الهنات- لتثبيت دعائم الديمقراطية في البلاد.

 

فرانتس ماغنيس سوسينو

ترجمة: خالد سلامة

حقوق النشر: دويتشه فيله/ موقع قطرة 2016

ar.Qantara.de

يعيش عالم اللاهوت الكاثوليكي والفيلسوف الاجتماعي، فرانتس ماغنيس-سيسنو، في إندونيسيا منذ أربعين سنةً. وكان لسنوات طويلة رئيس الجامعة الفلسفية "درياركارا" في جاكرتا واكتسب بجدارة سمعة حسنة لجهوده في مجال دعم الحوار بين الأديان في إندونيسيا.