
الاحتجاجات الشعبية في العراقانتفاضة شباب العراق ضد الفساد والتهميش
المتظاهرون - معظمهم شباب يخاطرون بحياتهم لأنَّهم يجرؤون على النزول إلى الشوارع - لا توجد لديهم أية قيادة سياسية ولا أية ارتباطات سياسية واضحة. في البداية قاموا بتعبئة أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الهاشتاغ العربي "#نازل_آخذ_حقي". إنَّ ما يجعلهم يظهرون كأنَّهم مُوَحَّدون هو شعورهم العميق بأنَّهم لا يرون أية آفاق مستقبلية لهم في بلدهم. بالإضافة إلى أنَّهم يُحَمِّلون جهاز الدولة غير الفعَّال والفساد المسؤولية عن ذلك.
يحتل العراق بحسب مؤشِّر الفساد العالمي الخاص بمنظمة الشفافية الدولية المرتبة الحادية عشرة من بين أكثر دول العالم فسادًا. بالإضافة إلى أنَّ الخدمات الحكومية كارثية. يُثير الناس بشكل خاص انقطاعُ التيَّار الكهربائي المستمر، خاصة في فصل الصيف مع درجات حرارة كثيرًا ما تصل إلى أكثر من أربعين درجة مئوية. لا تملك مدن مثل البصرة مياه شرب نظيفة، ولذلك فقد اضطر آلاف الأشخاص هناك إلى تلقي العلاج في المستشفيات بسبب شربهم مياهًا مُلوَّثة.
الدولة "أخطبوط فاسد"
تبلغ نسبة البطالة بين الشباب عشرين في المائة. وهذا وضع مآساوي بشكل خاص، لأنَّ ستين في المائة من المواطنين العراقيين تقل أعمارهم عن أربعة وعشرين عامًا. يجب في كلِّ عام - بسبب النمو السكَّاني - توفير سبعمائة ألف فرصة عمل إضافية لإبقاء الوضع الراهن اليائس على ما هو عليه. يضاف إلى ذلك أيضًا مشكلات إعادة البناء الأكثر من مجرَّد بطيئة للمناطق التي تم تدميرها خلال الحرب ضد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يشعر الناس بأنَّهم مهمَلون ومنسيون من قِبَل الدولة، التي ينظرون إليها على أنَّها مجرَّد أخطبوط فاسد.
هذه الاحتجاجات موجَّهة ضدَّ نخبة العراق السياسية برمَّتها. وتستند إلى احتجاجات العام الماضي 2018، مثلما كانت الحال في البصرة، غير أنَّها تُعبِّر عن مطالبها بشكل أكثر راديكالية. صحيح أنَّ مقرَّات الأحزاب والجمعيات المحلية قد تم اقتحامها أيضًا في العام الماضي من قِبَل المتظاهرين، ولكن هذه المرة أصبحت أيضًا محطات التلفزية هدفًا للمتظاهرين. واليوم بدلًا من استهدافها مراكز القوة المحلية تستهدف الاحتجاجات بشكل خاص الحكومة المركزية، التي يطالب المتظاهرون بإسقاطها.
لم يؤدِّ تعامل الدولة الوحشي مع حركة الاحتجاجات إلى إخافة المتظاهرين وردعهم، بل أثارهم ذلك أكثر. لا تستخدم قوَّات الأمن الغاز المسيل للدموع وحده، بل تستخدم أيضًا الأسلحة النارية ضدَّ المتظاهرين. وحتى أنَّ بعض المتظاهرين تم قتلهم برصاص قناصة.
لا توجد تهدئة للوضع في الأفق
ومن أجل منع المتظاهرين من تنظيم أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتم مرارًا وتكرارًا قطع الإنترنت في العراق. وهذا واحد من أسباب عدم تسرُّب سوى القليل فقط من المعلومات حول هذه الاحتجاجات إلى الخارج.
في هذه الأثناء بدأ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يستخدم لهجة تصالحية وقال إنَّه يستطيع فهم غضب المتظاهرين، ولكن لا توجد - بحسب تعبيره - حلول سحرية لمشاكل العراق. ومع ذلك فمن الواضح أنَّ هذا لم يُهدِئ الوضع حتى الآن.
معظم الاحتجاجات تقوم حتى الآن في أجزاء العراق التي تعيش فيها أغلبية شيعة. ليس فقط في الأحياء الشيعية داخل بغداد، بل أيضًا في جنوب العراق، في الناصرية أو الديوانية والحلة. والاحتجاجات موجَّهة هناك ضدَّ السياسيين المحليين الشيعة، وكذلك ضدَّ الحكومة المركزية التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعة في بغداد. المتظاهرون الشيعة يطالبون بمحاسبة قيادتهم السياسية.
غير أنَّ هذه الاحتجاجات مُوجَّهة أيضًا ضدَّ الميليشيات الشيعية التي تسيطر عليها إيران وتعتبر صاحبة الكلمة في الإدارات والوزارات. هذه الميليشيات تعمل هناك بشكل تعسُّفي وتثري نفسها بطرق ملتوية. يتم هناك توزيع المناصب والخدمات على المقرَّبين والأتباع أو مقابل رشوة. تعتبر الميليشيات مثالًا للفساد، الأمر الذي يتم ربطه بسرعة أيضًا بدور إيران في العراق، حيث يتَّهم المحتجون هذه الميليشيات أيضًا بالمسؤولية عن التعامل الحالي بوحشية مع المتظاهرين.
من المثير للاهتمام أنَّ الزعيم الشيعي الأكثر أهمية في البلاد، آية الله علي السيستاني قد وقف بشكل غير مباشر خلف المتظاهرين ودعا الحكومة إلى الاستجابة لهتافات الإصلاح.