الاحتجاجات العربية - انتهاء تاريخ صلاحية أنظمة سلطوية طائفية فاسدة؟
خروج المارد الشعبي العربي بلا رجعة من قمقم الضغط المعيشي

العالم العربي مثل طنجرة ضغط عملاقة. عادة ما يقبع غطاء القمع فوقها، ولكن كثيرا ما يزيد الضغط عن حده، سواء في لبنان أو العراق أو أيضا في الجزائر والسودان، حيث انتفض الناس ضد القمع السياسي والفساد. وها هي الحاجات الاقتصادية والمجتمعية في العالم العربي تنتصر على النقاش حول الهويات الطائفية. تحليل كريم الجوهري من القاهرة لموقع قنطرة.

لقد رأينا كيف أزيح الغطاء عن طنجرة الضغط هذه في الجزائر عقب الإطاحة بالطاغية عبد العزيز بوتفليقة، وبتنا نشهد منذ ذلك الوقت مظاهرات أسبوعية تطالب بنهاية لـ"نظام بوتفليقة" بأكمله. 

أو في السودان، حيث أطيح بالطاغية عمر البشير، الذي حكم لفترة طويلة، ونجحت الحركة الاحتجاجية في إبرام صفقة مع الجيش، الذي كان يحكم بمفرده، لتقاسم السلطة، والانتقال إلى حكومة مدنية وانتخابات ديمقراطية بعد ثلاث سنوات. 

وحتى في مصر، التي يحكم فيها نظام قمعي متفرّد بالسلطة، تجرأ الناس قبل أسابيع قليلة على النزول إلى الشوارع ضد وزير الدفاع السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. 

عملية تحوّل طويلة الأمد 

هذا كله يبيّن أمراً واحداً: السياسة في العالم العربي لا يمكن توصيفها مثل فصول السنة، على غرار "الربيع العربي تحول إلى شتاء عربي". ما نعيشه اليوم في جوارنا المباشر – جنوب وشرق البحر المتوسط وفي الشرق الأوسط، ما هي إلا عملية تحول طويلة الأمد. 

حتى بدايات الانتفاضات هذه يمكن وصفها بالعمليات. الواقع أعقد بكثير من قصة بائع الخضار محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه في تونس، وبـ "أثر الفراشة" هذا تسبب بإعصار سياسي اجتاح العالم العربي بأسره. 

فلنأخذ مصر كمثال. ما هي بداية الثورة على مبارك؟ هل كانت 25 يناير عام 2011، عندما تدفق الناس على ميدان التحرير؟ أم كانت ليلة رأس السنة، عندما نزل شباب أقباط ومسلمون إلى الشارع عقب تفجير في كنيسة بالإسكندرية للاحتجاج على عدم قدرة النظام على توفير الحماية الكافية للكنائس؟ 

أم هل كان خالد سعيد السبب – ذلك الشاب الذي تعرض للضرب حتى الموت في الإسكندرية على أيدي رجال شرطة في العام السابق للثورة، وانتشرت صفحة "كلنا خالد سعيد" للتضامن معه على "فيسبوك" كالنار في الهشيم بين المصريين؟ أم هل كانت حملة الاحتجاج "كفاية"، والتي بدأت كمجموعة صغيرة من الناشطين السياسيين الذين كانوا تظاهروا مراراً ضد مبارك منذ عام 2004؟ 

 

احتجاجات ضد حسني مبارك في ميدان التحرير عام 2011 - القاهرة - مصر. Foto: picture-alliance/dpa
الانتفاضات كعملية تغيير متجددة باستمرار في العالم العربي: يكتب كريم الجوهري أنه "عندما يخرج المارد من القمقم، لن ينجح أي طاغية عربي أو مؤسسة عسكرية أو حزب طائفي في إعادته إليه. وهنا تبدأ عملية التغيير مسيرتها التي لا تعترف بفصول السنة".

 

العوامل الاجتماعية شرارة الانتفاضات 

وبالضبط مثلما لا تظهر هذه الحركات من أجل التغيير السياسي في البلاد نقطة بدء حقيقية، فإن ليس لها نقطة نهاية. وبالرغم من أن الأنظمة القديمة تحاول دائماً إبقاء الغطاء فوق هذه الحركات الاحتجاجية من خلال القمع، إلا أن تلك الأنظمة حتى الآن لم تنجح في القضاء عليها تماماً. 

هذه الحركات الآن تشتعل بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فكل الأنظمة السياسية المستفردة بالسلطة والطائفية العربية لديها قاسم مشترك، هو أنها تفتح الباب أمام فساد النخبة الحاكمة وتربُّحها، بينما يغرق جزء كبير من البلاد في مشاكل اقتصادية واجتماعية. 

ففي مصر، يعيش ثُلث السكان تقريباً على 1.5 يورو يومياً، وفي لبنان يعيش ثُلث السكان أيضاً تحت خط الفقر. يضاف إلى ذلك أن تلك الدول تعاني فساداً مستشرياً، فالسودان بحسب مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية يصنف سادس أكثر دولة فاسدة في العالم (2018)، ويأتي بعده العراق فقط بسبع درجات، يتبعه لبنان بمسافة غير بعيدة. 

سبب آخر يثير الاستياء بشكل متكرر هو خدمات الدولة المتردية، سواء كانت انقطاعات التيار الكهربائي المتكررة في العراق، أو أزمة جمع النفايات وضعف البنية التحتية الرقمية في لبنان، التي تجعل ذلك بلد الأرز المُشرِق من الخارج يبدو من الداخل بالأحرى دولة من دول العالم الثالث. 

رفض للصراعات الطائفية والسياسية 

تبلغ نسبة البطالة بين الشباب في العراق 20 في المائة، وهذا كارثي بالنظر إلى أن 60 في المائة من إجمالي السكان ما يزال تحت سن الرابعة والعشرين. هذه الأرقام تتشابه في الدول العربية الأخرى التي نزل فيها الشباب إلى الشارع والذين لا يرون لهم مستقبلاً. العامل المميز لحركات الاحتجاج هذه هو عفويتها وربما، باستثناء السودان، غياب الهياكل التنظيمية فيها. كثير من المتظاهرين يرفضون أيضاً ركوب الأحزاب التقليدية على مطالبهم السياسية. 

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة