الاحتجاجات في العراق تقضي على أمل العبادي في فترة جديدة والعراقيون يرفضون الحرس السياسي القديم

في حين تسعى إيران والولايات المتحدة لتشكيل حكومة في العراق، قضت الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها مدينة البصرة العراقية تقريبا على فرص رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة في الفوز بفترة ثانية وبددت آمال واشنطن في تشكيل الحكومة الجديدة.

فقد سقط 15 قتيلا من المحتجين على انقطاع الكهرباء وتلوث المياه وسوء الخدمات وما يرون أنه استشراء للفساد في ثاني أكبر مدن العراق ولقي كثيرون منهم حتفهم في اشتباكات مع قوات الأمن.

ويحمل حلفاء سياسيون وقيادات المؤسسة الدينية العبادي مسؤولية الاضطرابات الأمر الذي يهدد تحالفا شكله مع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

وكان التحالف مع الصدر، الذي جاءت كتلته (سائرون) في المركز الأول في انتخابات مايو / أيار 2018، أتاح للعبادي أفضل فرصه في البقاء على رأس  الحكومة.

غير أن الصدر ندد بإدارة العبادي لأزمة البصرة وقالت مصادر على اطلاع وثيق بالمباحثات التي يجريها مع تحالف (الفتح) بقيادة هادي العامري قائد الفصائل الشيعية المدعومة من إيران لتشكيل تحالف جديد إن المحادثات بلغت مرحلة متقدمة.

ومن المحتمل أن يمنح ائتلاف بين كتلتي الفتح وسائرون إيران فرصة لكسب مزيد من النفوذ في العراق.

وقال النائب رزاق الحيدري عضو منظمة بدر التي يتزعمها العامري: "المحادثات بين الفتح وسائرون جدية وقد تؤدي إلى انفراج في الأزمة السياسية قريبا".

وقالت المصادر إن الجانبين مازالا يتفاوضان على التفاصيل. غير أن مصدرا رفيعا في تكتل الفتح قال إنه تم الاتفاق على حل وسط يسحب الطرفان بمقتضاه مرشحيهما البارزين لرئاسة الوزراء.

وقال المصدر: "هذا ما اتفقنا عليه (في سائرون والفتح) ولذلك سحب العامري ترشيحه. واتفقنا على أن العبادي ليس مؤهلا لفترة ثانية".

وكان الصدر والعامري اتفقا يوم الأربعاء على التعجيل بتشكيل الحكومة. ولم تتوفر التفاصيل الكاملة عما دار في محادثاتهما لكن يبدو أن تشكيل تحالف أصبح وشيكا.

وقال المحلل أحمد يونس: "فشل العبادي في إدارة أزمة البصرة أقنع الصدر تماما بأن تأييد العبادي سيعرض مكانته وشعبيته بين الملايين من أنصاره للخطر".

وأيدت الولايات المتحدة العبادي لأنها رأت فيه سياسيا معتدلا يمكن أن يحقق الاستقرار للعراق الذي هزته عوامل طائفية واضطرابات سياسية. غير أن واشنطن ربما تكون قد أخطأت في حساباتها ولم تستعد بالبدائل.

ومن شأن انهيار ترشيح العبادي أن يقلل النفوذ الأمريكي على المسرح السياسي في العراق حيث تتنافس الولايات المتحدة مع إيران.

وقد وسعت طهران باطراد نطاق نفوذها في البلاد منذ الإطاحة بصدام حسين عام 2003.

مطالبة العبادي بمغادرة البصرة

تمثل الاحتجاجات في جنوب العراق حيث المركز الرئيسي لصناعة النفط في البلاد رفضا للمؤسسة السياسية التي تشبثت بالسلطة بدعم من الولايات المتحدة وإيران رغم فشلها في تحسين ظروف المعيشة.

وخلال زيارة يوم الإثنين للبصرة، قلب موطن الأغلبية الشيعية في العراق، قوبل العبادي بالمحتجين الذين طالبوه بالرحيل عن المدينة. ولم يتسن الاتصال بمكتب العبادي للتعليق.

ولم تدُم المكاسب السياسية التي ولدها ما حققه العبادي من انتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد العام الماضي 2017 بدعم أمريكي وسلطت المشاكل التي تعاني منها البصرة الضوء على الفشل الحكومي على مدى سنوات.

وقال علي المولوي رئيس قسم الأبحاث في مركز البيان للدراسات والتخطيط "الرسالة القادمة من البصرة عالية وواضحة لكل النخب السياسية. فقد أدركت...أن هناك قنبلة موقوتة".

ويصور الصدر نفسه باعتباره من القيادات ذات النزعة الوطنية الشديدة ويعارض تدخل الولايات المتحدة وإيران على السواء في العراق لكنه سيضطر لمنح إيران مجالا للمناورة في أي شراكة يبرمها مع كتلة العامري.

وتحاول إيران الحفاظ على مصالحها في العراق وفي الشرق الأوسط بعد أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الدولي مع طهران وقرر إعادة فرض عقوبات مشددة عليها.

ولا توجد ضمانات أن تتمكن طهران من تشكيل الساحة السياسية في العراق دون مشاكل.

فقد أحس كثيرون من الناخبين الذين أيدوا الصدر في الانتخابات بأن النخبة السياسية المدعومة من إيران والتي يتهمونها بالفساد قد خذلتهم.

وكان تحالف الصدر والعبادي تحالفا هشا من البداية وظهرت عليه بالفعل علامات الإجهاد قبل أن تدعو قيادة تكتل سائرون ثم تكتل الفتح يوم السبت العبادي للاستقالة بعد جلسة برلمانية استثنائية لبحث الوضع في البصرة.

وقال المصدر الرفيع في تكتل الفتح: "كان هذا ما أعلنا عنه أن هذه هي نهاية العبادي وفترته الثانية".

الحرس القديم يتعرض للهجوم

في إشارة واضحة للعبادي وغيره ندد آية الله العظمي علي السيستاني -أرفع المراجع الشيعية في العراق والذي يمكن أن يؤدي تدخله لإسقاط قيادات سياسية- بإهمال البصرة ودعا إلى وضع نهاية للحرس القديم.

وزار المبعوث الأمريكي الرفيع بريت مكورك العراق الأسبوع الماضي لمحاولة حشد الدعم للعبادي بين الفصائل المختلفة.

غير أن إيران تبذل محاولات أيضا للتأثير في شكل الحكومة المقبلة في العراق. وزارت وفود إيرانية رفيعة العاصمة بغداد على مدى عدة أشهر في مسعى لإقناع الفصائل الشيعية المنقسمة بالاتحاد خلف مرشح واحد لرئاسة الوزراء.

وقالت ثلاثة مصادر سياسية إن مجتبى خامنئي ابن الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي زار بغداد لإجراء محادثات مع العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وليس نجاح إيران بالأمر المؤكد. فقد أشعل المحتجون النار في القنصلية الإيرانية في البصرة ورددوا هتافات مناهضة لطهران.

وستواجه إيران والولايات المتحدة مهمة دقيقة تتمثل في محاولة الترويج لمرشح لمنصب رئيس الوزراء لا يبدو أنه يعتمد عليهما ويكون من خارج المؤسسة السياسية التي يحملها كثيرون من العراقيين مسؤولية مشاكل البصرة.

وقال ريناد منصور الخبير في الشأن العراقي بمركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن "ما يقوله هذا التحالف المحتمل الجديد، أو على الأقل ما يقوله الصدريون، هو: ليس لدينا أي مشكلة في الشؤون الدولية. لكن لم يعد بوسعك أن تعاملنا وكأننا وكلاؤك. لسنا وكلاءك. نحن حلفاؤك". رويترز