
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا 2023نهاية حقبة الرئيس التركي إردوغان؟
تجري الحملة الانتخابية في تركيا على قدم وساق. فالرئيس رجب طيب إردوغان لا يتعب من الإشارة إلى مشاريع البنية التحتية التي تم تنفيذها ومن الإعلان عن المزيد من المشاريع الكبرى. ويهاجم في الوقت نفسه المعارضة التي يقول عنها إنَّها ستخون في حال فوزها في الانتخابات المصالح الوطنية الحيوية وتتجاهل المشاعر الدينية لدى قطاعات واسعة من المواطنين وتوقف الحرب على الإرهاب. يراهن الرئيس إردوغان على استراتيجية مزدوجة: فمن ناحية يَعِدُ بالرفاهية والتحديث ومن ناحية أخرى يثير المخاوف ويستقطب ويشوِّه صورة خصومة.
وبالنسبة له ولتحالفه الانتخابي بات الكثير معرَّضًا للخطر. ويمكن لتحالف الأمة أن يحل محل إردوغان بمرشَّحه كمال كيليتشدار أوغلو ( كمال كليتشدار أوغلو / كمال قلجدار أوغلو / كمال كلجدار أوغلو) ويستحوذ على الأغلبية في البرلمان. وستكون هذه نهاية عهد إردوغان - وربَّما نهاية حياته السياسية بشكل عام أيضًا. وفي حال خسارته الانتخابات فسيواجه هو وعائلته بالإضافة إلى ذلك تهمًا بالفساد.
يبعث زعيم المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو بحملته المبتكرة وخطابه التكاملي الآمال لدى المواطنين الأتراك - حتى بعيدًا عن اليساريين المعتدلين ومؤيِّدي أتاتورك والعلويين. وهو يتعامل بتعاطف مع المواطنين المحافظين دينيًا والقوميين المعتدلين ويكسب ودَّهم.
أزمة العملة والتضخم وضعف القيادة
لا يمكن -من وجهة نظر الكتلة الحاكمة- أن يكون الوضع السياسي الداخلي في تركيا أسوأ مما هو عليه من أجل انتخابات الرابع عشر من أيَّار/مايو 2023 . فقد بلغ معدَّل التضخُّم منذ نهاية عام 2019 خانة العشرات ووصل مؤخرًا إلى أكثر من خمسين في المائة. كما تبلغ نسبة البطالة حاليًا عشرة في المائة، ونسبة البطالة بين الشباب 19.2 في المائة.

ويؤدِّي الانخفاض المستمر في سعر الليرة التركية إلى زيادة أسعار الطاقة، وذلك لأنَّ مصادر الطاقة يجب استيرادها من الخارج. وهذا بدوره يزيد التضخُّم بشكل إضافي، وتنخفض الرفاهية في الكثير من البيوت تمامًا مثلما تنخفض الثقة في الحكومة.
وكذلك تسبَّب سوءُ إدارة الحكومة لكارثة الزلزال في استياء شديد. فالحكومة لم تتمكَّن طيلة أيَّام من حشد ما يكفي من عمَّال الإنقاذ لمنطقة الكارثة ومن توفير -حتى بعد أسابيع- مخيَّمات وأماكن إقامة طارئة لجميع المتضرِّرين.
وتسبَّب في زيادة التوتُّر الكشفُ عن قيام الهلال الأحمر التركي "كيزيلاي" في الأيَّام الأولى بعد الزلزال ببيعه لمنظمة الإغاثة الخاصة "أحباب" الخيام المقاومة للشتاء والتي توجد حاجة ماسة إليها مقابل مليوني وثلاثمائة ألف يورو، بدلًا من تقديمها مجانًا وبأسرع ما يمكن لضحايا الزلزال.
وتؤدِّي تعاسة الوضع الاقتصادي وضعف القيادة في مكافحة الكوارث ونتائج الاستطلاعات السيِّئة إلى زيادة الضغط على الرئيس إردوغان، ويبدو أنَّ قيادة البلاد تزداد توتُّرًا مع كلِّ يوم.
لا توجد أغلبية برلمانية للكتلة الحاكمة
تعتبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، التي دعي فيها من إجل التصويت أربعةٌ وستون مليون ومائتا ألف مواطن تركي -من بينهم ثلاثة ملايين ومائتان وتسعون ألف مواطن في الخارج- هي انتخابات تاريخية؛ لن يتقرَّر فيها فقط مستقبل تركيا بل أيضًا فرص التحوُّل الديمقراطي والازدهار في تركيا.
وأي تغيير محتمل في الحكومة سيكون له أيضًا عواقب على العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا وعلى الحرب الأهلية في سوريا والتوتُّرات في منطقة شرق البحر المتوسط وكذلك على التحالف عبر الأطلسي (الناتو) وعلى التعاون التركي الأوروبي بخصوص اللاجئين.

توجد أربعة تحالفات انتخابية تتصارع على الأغلبية البرلمانية: "تحالف الأمة" المعارض الذي يجمع ستة أحزاب جميعها مؤيِّدة لأوروبا، وهي: حزب الشعب الجمهوري CHP الذي أسَّسه أتاتورك وهو حزب كمالي-اجتماعي- ديمقراطي؛ والحزب الجيِّد İYİ وهو حزب منشق عن حزب الحركة القومية MHP توجهاته ليبرالية اقتصادية قومية، والحزب الديمقراطي DP وهو حزب ديمقراطي ليبرالي؛ وحزب الديمقراطية والتقدُّم DEVA وكذلك حزب المستقبل GP - وهما حزبان محافظان-ليبراليان انشق كلٌّ منهما عن حزب العدالة والتنمية؛ وحزب السعادة SP وهو حزب ذو توجهات إسلامية. ويسعى كلٌّ من حزب الشعب الجمهوري والحزب "الجيِّد" القومي إلى العودة إلى النظام البرلماني.
وتظهر استطلاعات الرأي حصول حزب الشعب الجمهوري على نسبة أصوات تتراوح بين سبعة وعشرين في المائة وثلاثين في المائة، والحزب الجيِّد على نسبة تتراوح بين عشرة وثلاثة عشر في المائة. والمرشَّحون من حزب الديمقراطية والتقدُّم وحزب المستقبل وحزب السعادة والحزب الديمقراطي لا يتنافسون بشكل مستقل بل ضمن قائمة حزب الشعب الجمهوري الانتخابية. وبهذا فمن الممكن لتحالف أحزاب المعارضة أن يحصل على ما مجموعه ثلاثة وأربعين في المائة من الأصوات.
ومع مثل هذا التكتُّل سيكون لـ"تحالف العمل والحرية" دور تحقيق الأغلبية. وهذا التحالف يجمع خمسة أحزاب، هي: حزب اليسار الأخضر YSP - وهو خليفة لحزب الشعوب الديمقراطي HDP اليساري المؤيِّد للأكراد، وطبيعته فيدرالية مؤيِّدة للأكراد وليبرالية يسارية إلى حدّ الاشتراكية وينتقد حلف الناتو ولديه جزئيًا توجهات انفصالية. وكذك الأحزاب الاشتراكية أو بالأحرى الشيوعية حزب العمال الاشتراكي TİP وحزب العمال التركي EMEP وحزب الحركة العمالية EHP وحزب عمال تركيا TÖP - وجميعها أحزاب مناهضة لحلف الناتو وبشكل جزئي للاتحاد الأوروبي أيضًا.
و"تحالف الشعب" الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ بزعامة إردوغان ويضم في كتلته الانتخابية كلًا من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية MHP اليميني المتطرِّف، وهو حزب مناهض للاتحاد الأوروبي وذو توجه قومي تركي، وحزب الاتحاد الكبير BBP الإسلامي وحزب الهدى Hüda-Par (حزب الله) وكذلك حزب الرفاه الجديد YRP. وفي حين أنَّ الأحزاب الثلاثة المنشقة هي أحزاب مناهضة للاتحاد الأوروبي وتوجهاتها قومية إسلامية، يعتبر حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية حزبين متشكِّكين في الاتحاد الأوروبي ومن العثمانيين الجدد أو بالأحرى لهما توجهات قومية تركية.
وأظهرت استطلاعات الرأي حصول حزب العدالة والتنمية على نسبة أصوات تتراوح بين اثنين وثلاثين في المائة وأربعة وثلاثين في المائة وحزب الحركة القومية على نحو سبعة في المائة فقط - وبهذا فإنَّ تحالف الشعب يتراجع خلف تحالف الأمة المعارض.

و"تحالف الأجداد" القومي بقيادة حزب النصر ZP اليميني الشعبوي - وهو حزب منشق عن حزب الحركة القومية وينتقد الاتحاد الأوروبي وتوجهاته قومية تركية ومعادية للمهاجرين. أمَّا الأحزاب الأخرى في هذا التحالف -وهي حزب العدالة AP وحزب بلدي ÜP وحزب التحالف التركي TIP- فيمكن تصنيفها على أنَّها أحزاب ليبرالية محافظة وحتى قومية. ويخوض الانتخابات حزب آخر هو حزب الوطن MP المنشق عن حزب الشعب الجمهوري. وقد رشَّح هذا الحزب الكمالي الاشتراكي الديمقراطي والمؤيِّد لأوروبا مرشَّحًا خاصًا به للانتخابات الرئاسية.
ليس من غير المهم من يفوز بالأغلبية البرلمانية - وذلك لأنَّ الجمعية الوطنية هي التي تسن القوانين وتعدِّلها وتلغيها وتوافق على الميزانية وتقرِّر حول إعلانات الحرب والعمليات العسكرية في الخارج والمصادقة على المعاهدات الدولية. ويمكن للبرلمان بأغلبية الثلثين أن يحلّ نفسه ويحدِّد بالتالي موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وعلى الرغم من ذلك فقد تم من خلال التعديل الدستوري لعام 2017 إضعاف البرلمان بشكل واضح وقُيِّدت إلى حدّ كبير سلطاته الرقابية على السلطة التنفيذية؛ التي لم تَعُد لدى مجلس الوزراء، الذي يتم تشكيله من نوَّاب البرلمان وتتم المصادقة عليه ومراقبته من قِبَل البرلمان، بل إن السلطة أصبحت لدى رئيس الدولة الذي بات بإمكانه أن يحكم البلاد بسلطة كبيرة ويتجاوز البرلمان بمرسوم.
اقرأ/ي أيضًا