هل تتصدر عائلة معمر القذافي مشهد ليبيا السياسي؟

سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، شوهد في هذا المكان عام 2008.
سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، شوهد في هذا المكان عام 2008.

مع اقتراب انتخابات 24 / 12 / 2021 في ليبيا من المرجح اكتساء اسم القذافي أهمية مع ازدياد شعبية أبناء الزعيم القتيل معمر القذافي. فما مدى استفادة أبنائه من تشظي المشهد السياسي الليبي؟ تقرير كاثرين شير.

الكاتبة ، الكاتب: Cathrin Schaer

يوماً بعد آخر، تزداد شعبية أبناء الزعيم الراحل معمر القذافي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات. شعبية يعتقد البعض أن أبناء الديكتاتور الراحل يمكنهم أن يستفيدوا منها في المشهد السياسي الليبي الآخذ يومياً في التشظي.

عاد اسم القذافي للظهور مجدداً في وسائل الإعلام، إذ أطلقت السلطات الليبية سراح الساعدي القذافي، النجل الثالث للعقيد الراحل معمر القذافي. وأشارت التقارير إلى أن الساعدي غادر البلاد إلى تركيا فور إطلاق سراحه.

كان الساعدي محتجزاً في سجن بطرابلس لمدة سبع سنوات بتهمة ارتكاب جرائم ضد المتظاهرين خلال انتفاضة 2011 التي أطاحت بنظام والده، كما اُتهم بقتل لاعب كرة القدم الليبي الشهير بشير الرياني عام 2005 بسبب انتقاداته العلنية آنذاك لنظام حكم الديكتاتور الراحل.

وكانت محكمة استئناف قد برأت بالفعل الساعدي - الذي احترف لعب كرة القدم - في أواخر 2018.

 

متظاهرون أضرموا  النار في ملصق يحمل وجه الدكتاتور الليبي معمر القذافي في عام 2011.  (photo: AFP/Getty Images)
‏حكم معمر القذافي ليبيا بيد من حديد لمدة أربعة عقود متواصلة ‏إلى وقت الإطاحة به ومقتله: كما قُتِل ثلاثة من أبنائه السبعة أثناء الانتفاضة الليبية العنيفة، في حين حصل معظم أفراد عائلته -الباقين على قيد الحياة- على لجوء سياسي في سلطنة عُمان وهم ‏ولداه محمد وهانيبال وابنته عائشة وزوجته صفية، ويشتبه في أن ابنه هانيبال البالغ من العمر 45 عاما قابع ‏في سجن في لبنان بعد أن اُعتقل في الأراضي اللبنانية في نهاية عام 2015 على خلفية اختفاء رجل دين ‏لبناني سابقا في عام 1978، ويُعتَقَد أن زوجة هانيبال وأولاده لاجئون في دمشق، لكن نجل القذافي‏ الذي يتعين أخذه بعين الاعتبار من الناحية السياسية هو سيف الإسلام القذافي.

 

وفقا للتقارير الصحفية، لم يتم الإفراج عن الساعدي (47 عاماًً) إلا مؤخراً (سبتمبر / أيلول 2021) عقب مفاوضات بين زعامات قبلة وكبار شخصيات الدولة، ومنهم رئيس الوزراء المؤقت للبلاد عبد الحميد دبيبة ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، الذي يعتقد الكثيرون أن حظوظه تتزايد لشغل منصب رئيس الوزراء بعد الانتخابات المقرر عقدها في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2021.

لكن بعض سكان مدينة طرابلس شككوا في دوافع من رتبوا لإطلاق سراح الساعدي. في هذا السياق يقول مهندس الوقود عبد اللطيف دقداك في حديث لمحطة إفريقيا نيوز: "في رأيي فإن كل هذه الاتفاقات جرت بسبب المواءمات السياسية بين المقربين من الرئاسة".

طموحات سياسية

يعتقد خبراء ومتخصصون في الشأن الليبي منذ فترة طويلة أن هؤلاء السكان المحليين الذين تساورهم الشكوك قد يكون لديهم وجهة نظر منطقية، فمع اقتراب انتخابات 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، من المرجح أن يكتسي اسم القذافي أهمية متزايدة.

حكم معمر القذافي ليبيا لأكثر من أربعة عقود حتى أسقطت الثورة نظامه في عام 2011. من بين أبنائه السبعة، قُتل ثلاثة خلال الانتفاضة الدموية. بعد ذلك مُنح  أفراد عائلته المتبقون - ابناه محمد وهانيبال والابنة عائشة وزوجته صفية - حق اللجوء في سلطنة عمان. ويُعتقد أن هانيبا (45 عاماً) مُحتجز في لبنان بعد اعتقاله هناك في أواخر 2015، بتهم تتعلق بقضية رجل الدين اللبناني موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا عام 1978. ويبدو أن زوجة هانيبال وأطفاله يتمتعون بوضع اللجوء في دمشق في سوريا المجاورة.

لكن مصادر قالت إن أهم سليل في عائلة القذافي اليوم هو سيف الإسلام البالغ من العمر 49 عاماً، وهو فرد العائلة الوحيد الذي لديه طموحات سياسية في الوقت الحالي.

 

اللواء خليفة حفتر، الذي نصَّب نفسه بنفسه قائدا أعلى للجيش الليبي، يتحدث خلال مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس في منطقة المرج  ليبيا في 18 مارس / آذار 2015.  (photo: picture-alliance/AP Photo/ M. El-Sheikhy)
‏من المرشحين لقيادة ليبيا ومن شأنه إثارة الجدل قبل الانتخابات الليبية 2021: هو القائد العسكري الليبي خليفة حفتر المسيطر في شرق ليبيا بعد إعلانه في 22 سبتمبر / أيلول 2021 ‏تعليق منصبه -الذي عَيَّنَ فيه نفسه بنفسه كقائد للجيش الليبي- لمدة ثلاثة أشهر تالية في إشارة واضحة إلى أنه يهدف إلى ترشيح نفسه الانتخابات المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر / كانون الأول من عام 2021.

 

بعد الانتفاضة اعتقلت الميليشيات القبلية سيف الإسلام في مدينة الزنتان، شمال غرب ليبيا. لكن الميليشيات أطلقت سراحه في عام 2017 ويُعتقد أنه لا يزال يعيش بين آسريه السابقين. في يوليو/ تموز 2021 وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز -وهي المقابلة الأولى التي يجريها مع وسيلة إعلام غربية منذ سنوات- ألمح سيف الإسلام إلى طموحات تتعلق بكرسي الرئاسة.

عودة محتملة

قد يبدو الأمر غريباً للمراقبين الدوليين، لكن هناك فرصة حقيقية لسيف الإسلام - ابن الحاكم الذي اشتهر بغرابة الأطوار والوحشية - في تحقيق شكل ما من أشكال العودة للمشهد السياسي في ليبيا. يرجع ذلك في الغالب إلى طبيعة التنافر الشديد في المشهد السياسي الليبي في الوقت الحالي.

في الماضي القريب، كان يتم تصنيف الفصائل المختلفة في البلاد بشكل أكثر سهولة. على سبيل المثال في عام 2011، كان التمييز على أساس إما تأييد الثورة أو تأييد القذافي. على مدى السنوات القليلة الماضية مع اندلاع الحرب الأهلية، كان من الممكن التقسيم إلى فصائل شرقية أو غربية، حيث كان للجماعتين الرئيسيتين اللتين تقاتلان للسيطرة على البلاد معاقل في أحد طرفي البلاد. وكان القائد العسكري للمتمردين خليفة حفتر  متمركزاً في الشرق فيما ترأس فايز السراج حكومة معترف بها دولياً في الغرب.

في هذا السياق يقول تيم إيتون، الباحث البارز في تشاثام هاوس ومؤلف تقرير عن تطور اقتصاد الحرب في ليبيا: "لا يوجد لاعب أو مجموعة واحدة يمكنها أن تهيمن بوضوح على المشهد السياسي الليبي"، ويضيف بالقول: "لقد أصبحت المسألة معقدة للغاية ومحلية للغاية. إنها تشبه لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد مع قادة وشبكات مختلفة تحاول تشكيل تحالفات، أو ربما تعمل على أشياء معينة معاً ولكن على أساس محدود".

 

 

رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة يلقي كلمة أمام جلسة للبرلمان الليبي في مدينة سِرت.  (photo: AA/picture-alliance)
هل الانتخابات الليبية 2021 في خطر؟ في 22 / 09 / 2021 ‏قرر مجلس النواب الليبي سحب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية المتشكلة في بداية عام 2021، وبات على رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة -حتى انتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر / كانون الأول 2021- أن يتولى دوره كإداري لتصريف أعمال الحكومة، لكن المجلس الأعلى‏ للدولة في طرابلس‏ رفض الموافقة على سحب الثقة من الحكومة وهو ما أثار الخلاف بين المجلسين منذ بداية سبتمبر / أيلول 2021 حين شكك المجلس الأعلى بهذا القرار. ‏يشار إلى أن هذه المشادات السياسية هي من أعراض الانقسامات القائمة بين الأطراف المتنافسة في ليبيا منذ فترة طويلة.

 

على سبيل المثال، وبحسب ما كتب إيتون في تحليل مفصل للجيش الليبي، حاول حفتر دمج الضباط الموالين للقذافي في قيادته العليا منذ 2016 "في محاولة لتوسيع تحالفه العسكري".

لا أيديولوجية

محمد عمر دوردة هو أحد مؤسسي مكتب ليبيا للاستشارات الربحية، الذي عمل مع مراكز أبحاث ألمانية، بما في ذلك مؤسسة كونراد أديناور وفريدريش إيبرت، ولديه علاقات جيدة داخل البلاد ومع النظام السابق.

قال دوردا لدويتشه فيله: "التحالفات التقليدية أصبحت شيئاً من الماضي. الآن يتحدث الجميع إلى الجميع، حتى أننا نرى اليوم الأشخاص الذين تم اعتقالهم في عام 2011 وكانوا قد هُمشوا تماماً، قد عادوا للظهور وكأنهم يمكن أن يصبحوا جزءا من تحالف مستعد لخوض غمار المنافسات السياسية".

يعتقد دوردا أن المفاوضات حول الإفراج الأخير عن سجناء مثل الساعدي القذافي هي جزء من بناء هذا التحالف. وأشار إلى أن هذه الاندماجات السياسية لم تعد مسألة قائمة على الأيديولوجية، بل هي معاملات بحتة وتتعلق بالسلطة السياسية. وهو المكان الذي تعود إليه عائلة القذافي.

الرئيس القذافي؟

لا تزال عائلة القذافي تتمتع بشعبية لدى بعض الليبيين، بل يبدو أن بإمكانهم تكوين حلفاء "محتملين" أيضاً، حتى بالنسبة لأولئك الذين اعتبروهم في السابق أعداء. عن ذلك يقول إيتون: "هناك أشخاص في ليبيا يوافقون على أنه - بالنظر إلى أحداث السنوات القليلة الماضية - البلاد كانت في وضع أفضل في ظل حكم القذافي".

 

دعا البيان الختامي لمشاورات مجلسي النواب والدولة في ليبيا، بالعاصمة المغربية الرباط، المجتمع الدولي إلى مراقبة الانتخابات في ليبيا وضمان احترام نتائجها  01 / 10 / 2021.symbolbild_libyenkonferenz_foto_reuters
وفدا مجلس النواب والمجلس الأعلى في ليبيا يدعوان المجتمع الدولي لدعم الانتخابات - برلمانيون ليبيون يدعون المجتمع الدولي إلى دعم العملية الانتخابية: دعا برلمانيون ليبيون في ختام مشاورات بين وفدين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة المجتمع الدولي إلى دعم الانتخابات المقررة نهاية عام 2021، لكن من دون الإعلان عن توافق حول قانون الانتخابات الذي يمثل أبرز نقطة خلاف بين المؤسستين. وقال البيان الختامي الذي تلي مساء الجمعة 01 / 10 / 2021 بعد مشاورات دامت يومين في العاصمة المغربية الرباط "ندعو المنتظم الدولي إلى دعم العملية الانتخابية في ليبيا وفق قوانين متوافق عليها، وعلى أساس مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي (...) وتوفير مراقبين دوليين لضمان السير الجيد لهذا الاستحقاق الانتخابي الهام". ولم يوضح البيان الذي تلاه عضو مجلس النواب الهادي علي الصغير، ما إذا كانت المشاورات قد أسفرت عن توافق حول قانون الانتخابات. واكتفى بالإشارة إلى أن النقاشات تمت "في ظروف ودية وأخوية يسودها التفاهم والتوافق بين شركاء الوطن الواحد".

 

ويضيف بالقول: "بعض هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين يُرجِعون سبب المشاكل التي وقعت خلال السنوات القليلة الماضية إلى الارهابيين أو إلى التدخل الأجنبي. هناك أشخاص في ليبيا لم يتخلوا قط عن عائلة القذافي، ولا يزال العلم الأخضر يرفع في أنحاء مختلفة من البلاد"، في إشارة إلى حقيقة أن معمر القذافي اختار اللون الأخضر للعلم الليبي عام 1977، وقال إيتون: "هناك بالتأكيد أنصار لسيف الإسلام".

ويجادل دوردا بأن سيف الإسلام "لديه فرصة كبيرة للقيام بأداء جيد في الانتخابات، وإذا لم يترشح وحصل بشكل ما على دور "صانع الملوك" بدعمه لمرشح آخر، فهو بذلك يضمن موقعاً في السلطة".

ورغم أن إيتون يبدو متشككاً إلى حد ما. لكنه يقر بذلك فيقول: "على الرغم من أنك بحاجة إلى توخي الحذر بشأن المصادر التي تتناول هذا الموضوع، إلا أن بعض استطلاعات الرأي تشير بالتأكيد إلى أن سيف الإسلام هو الاسم الأكثر قبولاً، الأمر الذي يستمد منه (سيف الإسلامي القذافي) ثقة كبيرة".

ويجادل المحلل البارز في تشاثام هاوس قائلاً: "لكن من الصعب أن نرى كيف يمكن لسيف الإسلام أن يعود إلى صدارة المشهد.. لا يمكنه العمل في العلن وفي المناطق المفتوحة ولا يستطيع التنقل بحرية في جميع أنحاء ليبيا، وليس لديه أي قوات مسلحة موالية له. بالنسبة إلي.. يبدو الأمر بعيد المنال".

 

كاثرين شير

ترجمة: ع.ح

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021

 

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:44826]