
التعددية في الإسلام - أفكار تستحق أن يقرأها كل المسلمينليس للإسلام صيغة واحدة وحيدة على المسلم اتباعها
منذ البداية يدعو عمر سيف غباش بحماس إلى الفردانية (والاستقلال والوصاية على الذات) في الإسلام، ويكرِّس لهذه الدعوة رسالة ملحة جدًا في كتابه (الذي صدر باللغة الإنكليزية تحت عنوان) "رسائل إلى شاب مسلم" (وتُرجم إلى الألمانية تحت عنوان "لا يوجد سبب للكراهية - الإسلام الليبرالي ممكن"). وهنا يسأل ابنه: "متى سمعت عن الفردانية في الإسلام أو عن المسلم الراشد (المستقل)؟ أنت تسمع عن الأمة العربية والأمة الإسلامية، عن الراشدين والعالم العربي. ولكن هل سبق لك وأن سمعت عن الفرد المسلم ككائن راشد (مستقل)، إنسان له طبيعته وشخصيته، أي إنه إنسان قد يكون مختلفًا عن أخوته البشر؟".
وكرد على أزمة السلطة الحالية يكتب عمر سيف غباش حول خلق فضاء جديد مفتوح لجميع المسلمين - وحتى للمسلمين العاديين. فضاءٌ يمكنهم فيه المشاركة في النقاش حول الإسلام. وحول ذلك يكتب: "أبناء جيل ابني يجب أن يعرفوا أنَّ لديهم الحقّ كمسلمين في أن يقرِّروا بأنفسهم ما هو الصواب وما هو الخطأ، وما هي طبيعة الإسلام وما هو الهامشي". يجب على الشباب المسلمين أن يدخلوا كأفراد في حوار حول الأدب والسينما والفنون التشكيلية، وأن يثيروا خيالنا.
وفي بداية كتابه يسعى عمر سيف غباش إلى كسب ثقة القارئ، وذلك من خلال إطلاعه على لحظات شخصية للغاية من حياته الخاصة. فهو يستخدم قصَّته الخاصة كنقطة انطلاق لتطوير أفكاره ومداخلاته. ومن أكثر اللحظات إثارة في هذا الكتاب عندما يكتب عمر سيف غباش حول مقتل والده وحول مثابرة أسرته.
أفكار حول خسائر شخصية
وسيف غباش، والد عمر، كان رجلاً مثقَّفًا يجيد عدة لغات، وقد شغل منصب وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتَّحدة. وفي عام 1977 سقط سيف غباش ضحية اعتداء بالخطأ، كان يستهدف شخصًا آخر. وكان ابنه عمر حينها في السادسة من عمره فقط. وكانت تلك الفترة مشحونة سياسيًا، تمامًا مثلما هي الحال في يومنا هذا.
يتذكَّر عمر سيف غباش الفرحة حينما كان يتم إحضاره من المدرسة قبل موعد انتهاء الدوام. ولكن هذه الفرحة انتهت نهاية غير متوقَّعة، عندما وقف في البيت أمام نعشٍ كان ملفوفًا بعلم دولة الإمارات العربية المتَّحدة. وفي وقت لاحق بدأ في سنّ الثانية عشرة البحث بشكل مكثَّف عما حدث بالضبط في ذلك اليوم ولماذا حدث ذلك. وكتابه هذا يُقَّدم لنا نظرات إلى المشاعر والأفكار، التي ربما لا يجرؤ معظمنا على مشاركتها مع الآخرين.

ومع أنَّ العنوان الأصلي لهذا الكتاب هو: "رسائل إلى مسلم شاب"، ولكن يمكن قراءته في بعض أجزائه مثل انعكاس شخصي. وفي الواقع يعترف المؤلف بقوله: "أعلم أنَّني أكتب هذه الرسالة لنفسي".
وعمر سيف غباش يتذكَّر التمييز، الذي كان يعاني منه هو وأسرته وذلك لأنَّ والدته من أصل روسي. ويدعو إلى التعدُّدية الثقافية في الإسلام، ويؤكِّد على أنَّه "لا توجد صيغة واحدة حقيقية للإسلام، يجب على جميع المسلمين الالتزام بها".
وفي هذا الصدد يشير إلى وسط وجنوب آسيا، حيث تمتزج العادات والتقاليد المحلية مع الإسلام؛ تمامًا مثلما هي الحال في المدن الكبرى في الولايات المتَّحدة الأمريكية أو في حرم الجامعات، حيث يُعَايَشُ الإسلام بشكل مختلف كلَّ الاختلاف.
قدوة بالية عفا عليها الزمن
وعمر سيف غباش يتتَّبع في كتابه فكرة رائعة: فقد تم تضخيم مكانة المحارب في التاريخ الإسلامي والمبالغة فيها، كما لا يزال يتم نقلها اليوم إلى الطلاب المسلمين باعتبارها قدوة يحتذى بها. الأمر الذي - مثلما يقول عمر سيف غباش - "لا يمكن أن يبقى من دون تأثير على شبابنا".
وبما أنَّني بوصفي ناقدًا لهذا الكتاب أنتمي لجيل المؤلف نفسه، فقد درستُ أيضًا وإلى حدّ كبير الكتبَ المدرسية نفسها، التي درسها عمر سيف غباش. ولحسن الحظّ فقد خضعت هذه الكتب المدرسية للمراجعة والتنقيح في الآونة الأخيرة.
غير أنَّ كتبنا المدرسية ومعلمينا ينقلون لنا في الحقيقة مرارًا وتكرارًا قصص الأبطال المسلمين، الذين أجبروا أعداءهم على الرضوخ. ومع ذلك فإنَّ التاريخ الإسلامي يعرف الكثير من الأشخاص الأذكياء، الذين كانوا - ولا يزالون - يحقِّقون نجاحًا مبهرًا في مجالات أخرى من العلم إلى الأدب.
ولكن مع الأسف فإنَّ هذه الشخصيات البارزة لا يزال يتم اختزالها في الأدوار الهامشية. "عندما نسأل أنفسنا لماذا نواصل تمسُّكنا بنموذج المحارب، فمن الممكن أن نجد التفسير لتخلُّفنا خلف بقية دول العالم"، مثلما يستنتج عمر سيف غباش.
اعتاد الشباب المسلمون على أن يتعلَّموا من الكبار ما يجب عليهم القيام به وما يجب عليهم تجنُّبه. يبدو الأمر وكأنَّنا نعيش في عالم من المُثُل غير القابلة للتحقيق والنبيلة. وعمر سيف غباش يحذِّر ابنه من عدم إغرائه كمسلم شاب بالحكم على الآخرين، "عندما ترى أنَّك تعيش شخصيًا وفقًا لتلك المعايير العالية والكثيرة المتطلبات، يجب أن يبدو كلّ شيء من حولك غير صحيح من الناحية الأخلاقية والشعائرية".
"الناس"، مثلما يكتب عمر سيف غباش: "كثيرًا ما يتحدَّثون حول الإسلام بطريقة تجعل المرء يعتقد أنَّ الإسلام موجود في مكان ما بشكل مثالي". ولكن لا يمكن للإسلام أن يكون موجودًا أو له أي معنى من دون الناس الذين يمارسونه، مثلما يقول عمر سيف غباش. ويحذِّر ابنه سيف من أنَّ الحكم على الآخرين يمكن أن يجعلنا عدائيين: "عندما يقول له شخص ما إنَّ عليك أن تكره الآخرين، فعندئذ تفقد أهليتك (الوصاية على نفسك)".