الجزائر - هكذا تهدِّئ السلطات الجزائرية حركة الاحتجاج القوية دون إطلاق رصاصة واحدة

بينما قُمعت الانتفاضات في أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط باستخدام القوة المميتة، فإن السلطات الجزائرية في طريقها لتهدئة حركة احتجاج قوية دون إطلاق رصاصة واحدة، في الوقت الحالي على الأقل.

ولا يزال الآلاف يخرجون في مسيرات، لكن الاحتجاجات باتت أصغر من تلك التي أطاحت بالرئيس المخضرم عبد العزيز بوتفليقة العام الماضي 2019. وتقول بعض الشخصيات البارزة إن المعارضة ينبغي أن تقبل عرضا من الحكومة للحوار.

وتشير هذه التغيرات إلى أن السلطات التي تدير البلاد ربما تغلبت بمناورة بارعة على أكبر تهديد لحكمها منذ عقود.

وتعتمد استراتيجيتها على تعيين وجوه جديدة في المناصب العليا بالحكومة، مع المماطلة لكسب الوقت واقتراح محادثات. ويبدو أن نهجهم يضعف المعارضة.

وقال حمدادو (51 عاما) الذي يعمل في مجال الاتصالات وشارك في معظم المسيرات السابقة وطلب عدم نشر اسم عائلته: "لم أذهب إلى الاحتجاجات في يومي الجمعة الماضيين".

وأضاف: "أعتقد أننا بذلنا أقصى ما بوسعنا للدفع نحو التغيير. فلنأمل بحدوثه ونرى ما سيحدث".

ويقول محتجون إن حجم المسيرات تراجع منذ انتخاب رئيس جديد الشهر الماضي هو عبد المجيد تبون الذي تعتبره المعارضة، التي لا تحظى بقائد، شديد الولاء للمؤسسة الحاكمة.

وبدأت الاحتجاجات قبل نحو عام للمطالبة بإبعاد النخبة الحاكمة وبإنهاء الفساد وانسحاب الجيش من الحياة السياسية.

وألقت السلطات التي تخلت عن بوتفليقة ببعض كبار المسؤولين في السجن بتهم فساد وتركت الاحتجاجات تستمر مشيدة بها علنا بوصفها تجديدا وطنيا فيما احتجزت عشرات من المعارضين البارزين ومن خرجوا في المسيرات.

وكان هدف الاستراتيجية، التي دفع بها رئيس أركان الجيش القوي أحمد قايد صالح، استخدام انتخابات ديسمبر / كانون الأول 2019 في إعادة الشرعية لنظام يبقى دون تغيير جوهري.

وانتُخب تبون بنسبة إقبال رسمية بلغت 40 بالمئة، لكن كثيرا من المحتجين يعتقدون أن حتى هذه النسبة مبالغ فيها، وأطلق على الفور سراح الكثير من السجناء وعرض إجراء حوار مع المحتجين وتعديل الدستور.

وتوفي قايد صالح بعد ذلك فجأة بأزمة قلبية في أواخر ديسمبر / كانون الأول 2019، مما يعني أن الجزائر باتت لها رئيس وحكومة وقائد للجيش جميعهم جدد وأن معظم الشخصيات البارزة المرتبطة بالسلطة تم استبدالها.

 من المظاهرات إلى الحوار؟ يقول بعض السياسيين الذين أيدوا حركة الاحتجاج، التي تعرف باسم "الحراك"، إن كفاحهم ينبغي أن ينتقل الآن من الشارع إلى طاولة التفاوض، وإن تحقيق المزيد من الإصلاح لن يتحقق إلا بالحوار.

وقال الزعيم المعارض سفيان جيلالي: "الآن هو وقت السياسة. سيظل الحراك أسلوبا للضغط، لكنْ وحدهم السياسيون يمكنهم التحدث مع النظام للدفع بالمطالب إلى الأمام بما في ذلك تغيير المنظومة".

لكن وجهة النظر تلك مرفوضة تماما بالنسبة لباقي المحتجين. وأقر معصوم، وهو طالب في جامعة باب الزوار للتكنولوجيا بالجزائر العاصمة أفصح عن اسمه الأول فقط، خلال احتجاج يوم الجمعة الماضي بأن عدد المتظاهرين أقل، لكنه قال إنه لا يزال ملتزما بتغيير أكبر. وأضاف: "كيف يمكن أن تتحدث مع رئيس لا نعترف به؟... قلنا إن عليهم جميعا الرحيل. لذا لا حوار حتى يرحلوا جميعا".

وجيلالي واحد من عدة شخصيات معارضة، تشمل مولود حمروش وأحمد طالب الإبراهيمي وعبد العزيز رحابي وأحمد بن بيتور، التقت بتبون، وهو رئيس وزراء سابق في عهد بوتفليقة، مما أثار غضب معصوم ومحتجين آخرين.

لا قيادة محددة: قليلون من يمكنهم إنكار حجم الإنجازات التي حققها الحراك إلى الآن. ففي منطقة استخدم زعماؤها كثيرا العنف الشديد لقمع الاحتجاجات الشعبية، أطاح الحراك برئيس حكم البلاد 20 عاما دون إطلاق رصاصة واحدة.

وصدرت أحكام بسجن شقيق بوتفليقة والحاكم الفعلي للبلاد أثناء مرض الرئيس، وأيضا محمد توفيق مدين الرئيس السابق للمخابرات الذي تمتع يوما بنفوذ هائل، لمدة 15 عاما.

وقال المحلل السياسي الجزائري فريد فراحي: "يعتقد الكثيرون أن الحراك أكمل مهمته بالإطاحة ببوتفليقة وتطهير البلاد من قادتها الفاسدين".

وقال أحد سكان بلدة حيزر أن "الحياة عادت إلى طبيعتها تقريبا" حتى في منطقة القبائل خارج العاصمة التي تعد معقلا للحراك.

لكن آلاف المحتجين الذين لا يزالون يتظاهرون، بعدما كان عددهم يصل إلى مئات الآلاف في الربيع الماضي وعشرات الآلاف قبل انتخابات ديسمبر / كانون الأول 2019، يعتقدون أن ما حدث مجرد تغيير شكلي.

ولأن الحراك ليست له قيادة أو منظمة رسمية أو خطط متفق عليها لإحداث التغيير، فإنه لا توجد آلية واضحة يمكنه بها الاتفاق على طريقة المضي قدما.

وكتب الروائي كمال داود، الذي يوجه انتقادات شديدة للسلطات: "هل انتصر النظام؟ نعم، مؤقتا. ومن الصواب أيضا اعتبار أن الاحتجاج خسر أيضا مؤقتا".

لكن الجزائر تواجه عاما اقتصاديا صعبا في ظل التأثير الشديد لتراجع عائدات الطاقة على ميزانيتها وخفض مزمع في الإنفاق العام بنسبة تسعة بالمئة للعام الجاري، مما يعني أن الحكومة قد تجد أن من الصعب الفوز بدعم شعبي مستمر.

ويبدو أن المحتجين في وسط العاصمة الجزائر غير راغبين في المساومة. وقال طالب في جامعة دالي براهيم عمره 25 عاما: "المعنويات مرتفعة. سنواصل كفاحنا... نريد أن تتحد المعارضة وتدفع النظام إلى الرحيل". رويترز - يناير / كانون الثاني 2020 ـ