معضلة أمريكا في المغرب العربي

الصحفي الأمريكي بوبي جوش يرى أن استعادة موقف عدم الثقة الذي يمكن السيطرة عليه، والذي ساد في الماضي بين الجزائر والمغرب، قد يتطلب من أمريكا العودة إلى سياستها السابقة القائمة على حياد مدروس فيما يتعلق بقضية مهمة تتعلق بالصحراء الغربية.

اتخذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على مدار أربع سنوات، قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية لبلاده وعلاقاتها بالعديد من المناطق، والدول في أنحاء العالم، وهي قرارات كانت لها تداعيات خطيرة، وخلفت معضلات أمام خلفه جو بايدن. ويتعلق أحد هذه القرارات بخلاف رئيسي في منطقة المغرب العربي، بين الجزائر والمغرب.

وقد أدى التصاعد الأخير في الخلافات بين الدولتين، ووصول العلاقات بين الجارتين العربيتين إلى أدنى مستوى لها خلال عقود، إلى إلقاء الضوء في جزء منه على علاقة واشنطن بالمنطقة، وقرار ترامب بالاعتراف بحق المغرب في الصحراء الغربية. وبعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، جارتها في الغرب، أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطيران المغربي.

الكاتب الصحفي الأمريكي بوبي جوش يرى في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن استعادة موقف عدم الثقة الذي يمكن السيطرة عليه، والذي ساد في الماضي بين الجزائر والمغرب، قد يتطلب من أمريكا العودة إلى سياستها السابقة القائمة على حياد مدروس فيما يتعلق بقضية مهمة تتعلق بالصحراء الغربية.

ويرى جوش أن ترامب، قام في كانون أول/ديسمبر الماضي، بآخر تصرف أحمق فيما يتعلق بسياسته الخارجية، وهو الاعتراف بحق المغرب في الصحراء المتنازع عليها والغنية بالموارد المعدنية، مقابل اعتراف الرباط بإسرائيل. وانقلب ترامب بذلك على موقف أمريكا التي طالما نأت بنفسها عمدا عن هذه المسألة على مدار عقود، ليضيف مأزقا آخر لقائمة المشكلات التي تركها لخليفته.

واستشاطت الجزائر غضبا، حيث إنها تؤيد استقلال الصحراء الغربية، وترى في نفوذ المغرب بالمنطقة تحديا لتفوقها فيما يتعلق بشؤون الشمال الإفريقي. وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو، وهي جماعة إنفصالية تزعم أنها تمثل الصحراويين الذين يعيشون على الحدود مع عدة دول في المنطقة. كما يعيش عشرات الآلاف منهم في مخيمات لاجئين بالجزائر.

منطقة السعيدية الحدودية بين الجزائر والمغرب، العلاقات بين البلدين متوترة منذ عقود والحدود مغلقة بينهما منذ عام 1994.
العلاقات بين المغرب والجزائر متوترة منذ عقود لأسباب أهمها قضية الصحراء الغربية والحدود المغلقة بين البلدين منذ عام 1994. وتساند الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية في حين تعتبر الرباط المنطقة جزءا من الأراضي المغربية. وسبق للمغرب أن قطع علاقاته مع الجزائر سنة 1976 بعد اعتراف الجزائر بقيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية". ولم تُستأنف العلاقات بين البلدين إلا في عام 1988 بعد وساطة سعودية.

بايدن فضل الهروب من المواجهة

وكان يمكن لجو بايدن الموافقة على التغيير في السياسة الذي أحدثه ترامب، أو إعادة الوضع إلى ما كان عليه في السابق، عندما تركت أمريكا حل النزاع في يد الأمم المتحدة، حيث الإجماع منذ أمد بعيد على حق الصحراويين في تقرير المصير.

ولكن بايدن فضل الهروب من المواجهة: فلم تعتمد إدارته قرار ترامب، ولم تتراجع عنه. وربما ساور بايدن الخوف من رد الرباط على أي تغير في موقف واشنطن، بإلغاء اعترافها بإسرائيل. وربما يعتقد الرئيس أن غياب الاعتراف الرسمي بسياسة ترامب، يترك الأمر بحكم القانون في يد الأمم المتحدة.

ولكن المغرب والجزائر تنظران إلى تناقض موقف بايدن على أنه موافقة تأخذ شكل التقاعس. وقد تشجعت الرباط، وبدأت انتقاد المساعي الأوربية لتطبيق تفويض الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، كما عززت تأييدها لحق تقرير المصير لمنطقة القبائل بشمال شرق الجزائر.

وتتهم الجزائر المغرب بدعم "الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل"، الانفصالية، وصنفت الحركة منظمة إرهابية، وتعدها واحدة من جماعتين متهمتين بالوقوف وراء حرائق الغابات الضخمة التي أودت بحياة أكثر من 90 شخصا في التلال الشمالية بالبلاد هذا الصيف، وقتل أحد الناشطين.

ووصف وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة الشهر الماضي موقف الرباط الداعم للقبائل بأنه "أعمال غير ودية وعدائية" ضد بلاده، وقال إن ذلك أحد أسباب قطع العلاقات مع المملكة، وقد استشهد أيضا بعلاقات المغرب مع إسرائيل.

ويرى جوش أنه إذا كان هناك أي شك في أن مسألة الصحراء الغربية تقع في قلب النزاع بين الجزائر والمغرب، فقد تبدد هذا الشك خلال اجتماعات الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، عندما أكد وزيرا خارجية البلدين مواقفهما بشأن المنطقة، ولم يتطرقا إلى أوجه الخلافات الأخرى إلا بقدر ضئيل. وأعرب جوش عن أمله في أن تكون إدارة بايدن قد انتبهت لذلك، لأن العداء المتأصل بين الدولتين ينذر بسوء لمنطقة شمال إفريقيا وللمصالح الأمريكية والأوروبية بالمنطقة.

لماذا عاد النزاع في الصحراء الغربية إلى واجهة الأحداث؟ في نهاية عام 2020، حصل المغرب على اعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. في المقابل قام المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل. نظرت الجزائر إلى هذه التطورات نظرة سلبية. فهي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب نهاية آب/أغسطس الماضي، متهمة إياها بدعم حركة تقرير المصير في منطقة القبائل، التي تعتبرها الجزائر منظمة إرهابية.
الجدار الرملي الفاصل شيده المغرب بالمنطقة العازلة لطرفي النزاع في الصحراء الغربية.

العلاقات بين المغرب والجزائر متوترة منذ عقود

ولم تكن المنطقة بحاجة إلى التصعيد بين الجزائر والمغرب الذي يزيد الأمور سوءا ، فمنطقة الساحل الجنوبي للبحر المتوسط بها ما يكفي ويفيض من الأزمات في تونس وليبيا، كما وقعت سلسلة من الانقلابات في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تواصل جماعات جهادية تحدي الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.

ويقول جوش إنه رغم وضع الديمقراطية في الجزائر والمغرب، فإنه من الممكن نسبيا التنبؤ بتصرفات حكوماتيهما، كما يقوم الجيش وأجهزة المخابرات فيهما بدور مهم في إحكام السيطرة على الجماعات الإرهابية.

وتعد الجزائر مصدرا مهما للغاز الطبيعي لجنوب أوروبا، ويتم تصدير جزء من هذا الغاز عبر خط أنابيب يمتد من المغرب لأوروبا. وأيضا يعتمد الأوروبيون على الرباط والجزائر في كبح تدفق المهاجرين عبر مياه المتوسط إلى الشمال.

ويتساءل جوش: هل يمكن إعادة الدولتين من على حافة الهاوية؟ ويقول إن المرارة بين الجزائر والمغرب تعود إلى مظالم تاريخية سبقت انتزاع المغرب السيطرة على الصحراء الغربية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عقب انسحاب إسبانيا من المنطقة. ومن المرجح أن تستمر المنافسة بينهما لعقود قادمة من أجل الهيمنة على منطقة الشمال الإفريقي. ورغم أنهما لم تتمكنا من أن تصبحا دولتين صديقتين، فقد أظهرتا قدرة على الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية، وهي حالة ينشدها الجميع.

ويرى جوش أن إعادتهما إلى هذه الحالة، تتطلب إلغاء القرار الأرعن الذي اتخذه ترامب، كما يجب على بايدن العودة إلى تأييد بلاده للتوصل لحل لمأزق الصحراء الغربية بقيادة الأمم المتحدة. وليس هناك شك في أن هذا من شأنه أن يغضب المغاربة ، ولكن هناك مخاطرة ضئيلة من انسحاب الرباط من "اتفاقات إبراهام" مع إسرائيل، بعدما لمحت الفوائد المحتملة لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب.

وفي نفس الوقت، ستحتاج واشنطن إلى الجزائر لكي تسمح للعملية الأممية بالانطلاق، وأن توقف تسليح وتمويل الانفصاليين في الصحراء الغربية. ويؤكد جوش في ختام تحليله أن ذلك لن يكون بالأمر الهين، وأنه سيتعين على

أمريكا حشد تأييد الدول الأوروبية، شركاء التجارة الرئيسيين للجزائر والمغرب. كما ينبغي أن يكون الأوروبيون، الذين أكدوا تأييدهم للعملية التي تقودها الأمم المتحدة، متلهفين لتقديم المساعدة.وأنه ربما يشكو بايدن من أنه قد ورث "مجموعة كاملة" من المشكلات، ولكن ترك هذه المشكلات دون حلول، يفاقمها، وهو ماحدث في شمال إفريقيا. د.ب.أ