مقتل راسم البسمة الأخيرة في وجوه أطفال حلب الحرة

في مدينته حلب ورغم مآسي الحرب، كان أنس الباشا يرسم البهجة على شفاه الأطفال، حتى وإن كانت فرحةً لفترة وجيزة. لكنه لقي حتفه في غارة جوية. دنيا رمضان تُعرف موقع قنطرة بآخر مهرّج بقي صامدًا في حلب.

الكاتبة ، الكاتب: Dunja Ramadan

بشعر مستعار وأشعث لونه برتقالي يغطي رأسه، وبدوائر حمراء مرسومة على خديه وألوان زاهية تحيط عينيه - كان أنس الباشا يسير عبر شوارع حلب وأزقَّتها المدمَّرة من القصف. بين واجهات المباني الرمادية والأنقاض كان هذا الشاب البالغ من العمر أربعة وعشرين عامًا ينتقل من طفل إلى آخر، ويقوم بتوزيع دمى الحيوانات المصنوعة من القماش على الأطفال في مكان أصبحت فيه البهجة نادرة.

في شريط فيديو منشور على موقع يوتيوب نشاهد كيف كان يسافر مع مجموعة من المتطوِّعين في سيارة عبر شوارع هذه المدينة. ثم كان ينزل من السيارة وهو يحمل على كتفيه كيسًا كبيرًا يوزِّع منه الهدايا. وكان الأطفال يتجمَّعون حوله، وبدوره كان أنس الباشا يوزِّع عليهم الدباديب والدمى ودمى الكوالا. وفي ملابسه الملوَّنة بألوان صاخبة كان يبدو وكأنَّه بهجة مجسَّدة - في وسط كآبة رمادية.

[embed:render:embedded:node:25888]

وعندما كان يسير من دون زي المهرِّج، كان يبدو وكأنَّه طالبٌ نحيف غير ملفت للنظر، لديه لحية مدبَّبة ويرتدي نظارات - ويقول: "نحن نحاول رسم الابتسامة على وجوه الأطفال في الجزء المحرَّر من حلب". وهو يقصد بذلك الجزء الذي لا يزال يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في حلب. وحاليًا يحاول جيش الأسد استعادة سيطرته على مدينة حلب.

ومن أجل هذا الجزء المحرَّر من حلب قدَّم الآن أنس الباشا حياته. ففي يوم الثلاثاء 29 / 11 / 2016 توفي في الجزء الشرقي من حلب في غارة جوية استهدفت حيَّ المشهد. وقبل شهرين من وفاته تزوَّج أنس الباش. أمَّا زوجته فقد نجت من هذه الغارة.

خالد الخطيب، وهو مصوِّر من أصحاب الخوذ البيضاء، كان يعرف أنس الباشا. "لقد نجح في إضحاك الأطفال، الذين نسوا بالفعل كيف يضحكون"، مثلما يقول خالد الخطيب في حوار مع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية. ويضيف أنَّ الرحيل عن مدينة حلب لم يكن يمثِّل أي خيار بالنسبة لأنس الباشا. إذ إنَّ الأطفال أبقوه في حلب، مثلما يقول خالد الخطيب الذي كان يعرفه.

وبدلاً من أن يغادر حلب مثلما فعل والداه، شارك أنس الباشا في مختلف مجموعات المتطوِّعين، مثل مجموعة "فسحة أمل" أو فريق "حلم سوري". وكلاهما كانا يشاركان في رعاية اثنتي عشرة مدرسة وأربعة مراكز للرعاية النفسية ونحو ثلاثمائة وستين طفلاً في الجزء الشرقي من مدينة حلب.

لقد كان رجلًا هادئًا غير ملفت للنظر، يَنْسَلُّ فقط داخل زيِّ المهرِّج من أجل إسعاد الأطفال، مثلما يقول صديقه وجاره باسم الأيوبي لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية. ويضيف أنَّ أنس الباشا لم يكن يعلق أية أهمية على حبِّ الظهور، ولم تكن لديه صفحة على موقع الفيسبوك، ليوثِّق فيها زياراته للأطفال. ولا يوجد له كمهرِّج بين الأنقاض سوى عدد قليل من أشرطة الفيديو المنشورة على موقع يوتيوب. لكن مثلما يقول باسم الأيوبي: "في حلب يعرفه الجميع. والأطفال بصورة خاصة يحبُّونه كثيرًا".

 

دنيا رمضان

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de