التنين الصيني يتحدى هيمنة الغرب: عولمة جديدة على الطريقة الصينية

هل ستتمكن الصين من قلب موازين القوى في عالم اليوم عندما تنفذ مشروعها الخاص بإحياء طريق الحرير القديم؟
هل ستتمكن الصين من قلب موازين القوى في عالم اليوم عندما تنفذ مشروعها الخاص بإحياء طريق الحرير القديم؟

يعد طريق الحرير أضخم مشروع اقتصادي تطلقه الصين وهو مشروع يمكن أن يؤسس لعولمة جديدة. لكنه يثير انزعاج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء، حيث يسود القلق من احتمال أن يقوض هذا المشروع المصالح الغربية.

تعد إيطاليا أول بلد أوروبي من مجموعة الدول السبع الصناعية، التي تنضم الى مشروع عالمي ضخم للبنى التحتية، أطلقته الصين في عام 2013 في محاولة منها لتسريع وصول المنتوجات الصينية الى أسواق جديدة وبعيدة.

لكن هذه المبادرة الطموحة تثير غضبا وتواجه تحفظات في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أيضا، نظرا لمخاوف الدول الغربية من تنامي نفوذ الصين الاستراتيجي.

ومن جانبه انتقد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الدول المشاركة في "طرق الحرير الجديدة" بعد إعلان إيطاليا انضمامها إلى هذه الخطة الصينية الضخمة، محذرا بأن "الكلفة السياسية" ستكون أكبر من "المكاسب الاقتصادية".

وقال بومبيو: "نشعر بخيبة أمل كلما انخرطت دولة في علاقات ومبادلات تجارية مع الصين لا تكون واضحة"، متحدثا خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب.

وتابع ردا على سؤال أحد النواب حول القرار الإيطالي: "نشعر بالأسف لأننا نعتقد أن شعوب هذه الدول ستخسر في نهاية المطاف".

واتهم الصين بممارسة "دبلوماسية فخ الدين" لافتا إلى أنه "حين تنخرط الدول في هذه الصفقات التي ليست محض اقتصادية مع شركات عامة أو تسيطر عليها الدولة، فهذا لا يبشر بالخير لمواطنيها".

وتابع: "قد يبدو الأمر جيدا لفترة، تعتقدون أنكم تحصلون على منتج متدني السعر أو على جسر أو طريق بتكلفة متدنية، لكن في نهاية المطاف ستتأتى عن ذلك كلفة سياسية تتخطى بكثير القيمة الاقتصادية لما حصلتم عليه".

"في ظل تنامي نفوذ الصين ترتفع الدعوات في أوروبا للاتفاق على تطوير "سياسة صناعية أوروبية مشتركة" لمواجهة "الرأسمالية السلطوية" القادمة من الصين"

ووقعت الحكومتان الصينية والايطالية يوم السبت الماضي خلال زيارة للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى روما مذكرة تفاهم "غير ملزمة" تؤكد انضمام روما الى الخطة الصينية الرامية إلى إقامة بنى تحتية برية وبحرية تربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، لتكون إيطاليا بذلك أول دولة من مجموعة السبع تنضم إلى هذا المشروع الضخم الذي باشرته بكين عام 2013.

 

 

وتم في الاجمال توقيع 29 عقدا او مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها بحسب الحكومة الإيطالية 2,5 مليار يورو مع امكانية أن تصل إلى 20 مليار يورو.

ونصت الاتفاقات على توظيف استثمارات صينية محدودة في الوقت الحاضر، في مينائي جنوة وتريستي الاستراتيجيين للوصل بحرا الى السوق الاوروبية انطلاقا من الصين.

ويقوم العملاق الصيني بتغيير وجه العالم على جميع الأصعدة، من الحوكمة العالمية إلى القواعد التجارية مرورا باحترام البيئة وعمليات الاستثمار، من خلال توظيفه استثمارات كثيفة في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في سياق مشروعه "طرق الحرير الجديدة".

لذلك يريد الرئيس الفرنسي ماكرون تأطير هذا التغيير والتوصل إلى موقف أوروبي مشترك لمواجهته والعمل على تطوير "سياسة صناعية أوروبية مشتركة" لمواجهة "الرأسمالية السلطوية" القادمة من الصين.

هل نحن أمام تصادم بين منظومتين: "الديمقراطيات الغربية الليبرالية" من جهة و"رأسمالية الدولة الموجهة" من قبل الصين من جهة أخرى؟

وبعد لقائه شي في قصر الاليزيه في بداية ألاسبوع الحالي، دعا ماكرون الى "شراكة قوية بين الصين وأوروبا"، مضيفا أن هذه الشراكة يجب أن تقوم على "تعددية قوية" وشق اقتصادي "متوازن".

بدوره قال الرئيس الصيني إن "أوروبا موحّدة ومزدهرة تلائم استراتيجيتنا لعالم متعدد الاقطاب"، داعيا أوروبا لاعتماد "استراتيجية مترابطة" في تعاملها مع بكين. وتابع في تصريحات للصحافة أنّ "الصين ستدعم دائما التكامل الاوروبي وتطوره".

 لكن الاتحاد الاوروبي المترامي الاطراف والسوق الجذابة، لا يملك موقفا واضحا تجاه الصين بل ان بعض دوله بدأ يتجاوب مع الاغراءات الصينية.

 ومنذ سنوات كانت الصين تعمل مع دول وسط أوروبا في اطار مجموعة 16 زائد واحد. كما استثمرت في العديد من المنشآت الاستراتيجية في اوروبا على غرار ميناء بيرايوس اليوناني او أكبر شركات تزويد الكهرباء في البرتغال. وأشار المفوض الأوروبي غونتر أوتينغر "بقلق إلى أن بنى تحتية استراتيجية هامة مثل شبكات الكهرباء أو خطوط القطارات فائقة السرعة أو المرافئ، لم تعد بأيد أوروبية بل صينية".

وأضاف "أوروبا بحاجة ماسة إلى استراتيجية حيال الصين".

وكان ماكرون دعا إلى "استفاقة والى الدفاع عن سيادة أوروبية" بوجه بكين التي وصفتها المفوضية الأوروبية بأنها "غريم على جميع الأصعدة".

أما وزير الخارجية الألماني هايكو ماس فقد صرح لصحيفة "فيلت أم زونتاغ" الألمانية الصادرة يوم الأحد الماضي: "في عالم يضم عمالقة مثل الصين وروسيا أو شركاءنا مثل الولايات المتحدة، لن يكون بوسعنا الاستمرار إن لم نكن متحدين كاتحاد أوروبي".

وتابع: "إن كانت بعض الدول تعتقد أن بوسعها عقد صفقات مربحة مع الصينيين، سوف تُفاجأ عندما تدرك أنها أصبحت دولا تابعة"، مشيرا إلى أن "الصين ليست ديموقراطية ليبرالية".

يذكر أن النظام الصيني الشيوعي يتعرض بانتظام لتنديد منظمات غير حكومية بداعي انتهاكات لحقوق الإنسان. (أ.ف.ب)