تركيا....عودة رجل أوروبا المريض

هل يواصل إردوغان أخذ تركيا إلى القرن الحادي والعشرين أم يعيدها إلى القرن العشرين؟ ففي الربيع العربي كان ثمة إشادة محقة بتركيا كنموذج ناجح "للديمقراطية الإسلامية" وبعد 7 سنوات يبدو أن تركيا أصبحت في عالم مختلف يعيد إليها لقب "الرجل المريض". وزير خارجية ألمانيا الأسبق يوشكا فيشَر يرى أنه من أجل الاستقرار الأوروبي والديمقراطية التركية يتوجب على الاتحاد الأوروبي مواجهة أزمة تركيا بصبر وبراغماتية.

الكاتب، الكاتبة : Joschka Fischer

لقد كانت إحدى أهم القضايا الجيوسياسية في أوروبا القرن التاسع عشر ما كان يطلق عليه اسم المسألة الشرقية. لقد كانت الإمبراطورية العثمانية والتي كانت تعرف عندئذ باسم "رجل أوروبا المريض" تتفكك بسرعة ولم يكن احد يعرف آنذاك من هي القوة الأوروبية التي ستخلفها.

وعندما حل التدمير الذاتي لأوروبا القديمة المتمثل في الحرب العالميه الأولى في نهاية المطاف، لم يكن من المصادفة أن تلك الحرب انطلقت من البلقان وهي ملعب جيوساسي للإمبراطوريات العثمانية والنمساوية-الهنغارية والروسية.

لقد جاءت نهاية تلك الإمبراطوريات الثلاث العظام بعد الحرب وعندما قام الحلفاء بتقسيم الإمبراطورية العثمانية، انسحب الجنرال مصطفى كمال أتاتورك والجيش التركي المهزوم إلى الأناضول حيث تمكنوا وبنجاح من هزيمة التدخل اليوناني ورفضوا لاحقا لذلك معاهدة "سيفر" والتي حلت مكانها معاهدة لوزان وهي المعاهدة التي مهدت الطريق لتأسيس جمهورية تركيا.

لقد كان طموح أتاتورك يتمثل في تحويل تركيا إلى دوله حديثه وعلمانيه تنتمي إلى أوروبا والغرب وليس للشرق الأوسط ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، حكم بشكل سلطوي وأنشأ دوله هجينة مبنية على أساس حكم عسكري على أرض الواقع وديمقراطية متعددة الأحزاب وخلال فترة القرن العشرين، نتج عن ذلك الترتيب أزمات متكرره تم خلالها استبدال الديمقراطيه بدكتاتوريات عسكريه مؤقتة.

تركيا...أحد حلفاء الغرب الذين لا يمكن الاستغناء عنهم

بعد سنة 1947، تأثرت السياسه التركية بشكل كبير بالحرب الباردة وفي سنة 1952 انضمت تركيا للناتو وأصبحت أحد حلفاء الغرب الذين لا يمكن الاستغناء عنهم ولعقود عديده استخدمت تركيا موقعها الاستراتيجي بين شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود من أجل حماية الخاصره الجنوبيه للتحالف من التعديات السوفييتية .

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.  Foto:picture-alliance
Vom Hoffnungsträger zum gescheiterten Staatsmann: "Erdoğan hat eine einmalige historische Chance für sein Land, ja für die muslimische Welt insgesamt vertan, gründlich. Der Türkei droht mittlerweile der Staatsbankrott, und das Land ist in Gefahr zu einem schwankenden Halm zwischen Ost und West, zwischen Europa und dem Nahen Osten zu werden, zu einem Risikofaktor statt zu einem Stabilitätsgaranten in der Region", schreibt Fischer.

ومع ذلك بقيت تركيا كيانا سياسيا غير مستقر والتأرجح الدائم بين الديمقراطية والحكم العسكري أوقف تقدمها تجاه التحديث. وبالنسبة لأنصار الديمقراطية من الأتراك فإن أفضل أمل للبلاد يتمثل في أوروبا، والانضمام الرسمي للاتحاد الأوروبي هو بمثابة إشارة على اكتمال عملية التحديث تلك. وبينما احتفظ العثمانيون بالسيطرة على الشرق الأوسط لقرون من الزمان، فإن لتركيا أن تصبح عضوا كامل الصلاحيات في الغرب.

لقد انضمت تركيا سنة 1995 إلى اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي وعند وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي للسلطة سنة 2002، بدت البلاد وكأنها قد توجهت نحو أوروبا وللأبد. لقد سعت حكومات حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب إردوغان وبالشراكة مع حركة رجل الدين الإسلامي فتح الله غولن إلى تبني إصلاحات واسعة مؤسساتية واقتصادية وقضائية بما في ذلك إلغاء عقوبة الإعدام وهو شرط مسبق ضرروري من أجل عضوية الاتحاد الأوروبي.

من المفترض أن تتحرك تركيا باتجاه مستقبل رائع خلال القرن الحادي والعشرين

بالإضافة إلى ذلك وخلال السنوات الأولى لفترة رئاسة إردوغان للوزراء، شهدت تركيا تحديثا سريعا ونموا اقتصاديا قويا مما جعلها تقترب كثيرا من الاتحاد الأوروبي. وبحلول سنة 2011 عندما حل الربيع العربي، كانت هناك إشادة محقة بتركيا كنموذج ناجح "للديمقراطية الإسلامية" والتي يتم فيها الجمع بين الانتخابات الحرة والنزيهة وبين حكم القانون واقتصاد السوق.

وبعد مضي سبع سنوات، يبدو أننا أصبحنا في عالم مختلف تماما فتركيا تستعيد وبسرعة لقبها "كرجل أوروبا المريض" ونظرا لموقعها الاستراتيجي وإمكاناتها الاقتصادية والبشرية، كان من المفترض أن تتحرك تركيا قدما باتجاه مستقبل رائع خلال القرن الحادي والعشرين ولكن عوضا عن ذلك فإنها تتراجع نحو القرن العشرين تحت راية القومية والتوجه مجددا نحو الشرق وعوضا عن تبني التحديث الغربي، ترمي تركيا بحظوظها في الشرق الأوسط والأزمات الدائمة لتلك المنطقة.

إن إردوغان والذي تولى الرئاسة سنة 2014 كان قد أشرف على التحديث السريع لتركيا وتراجعها السريع كذلك ولقد كانت لديه الفرصة لأن يحذو حذو أتاتورك وأن يكمل مهمة دمج تركيا بالغرب ولكنه فشل في ذلك.

ما الذي يفسر هذه المأساة؟ ان أحد تلك الاحتمالات هي أن إردوغان قد أصابته الثقه الزائدة خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي سبقت الأزمة المالية سنة 2008 وهناك احتمالية أخرى بإنه قد أصبح يشعر بالاستياء من الغرب وذلك بسبب إذلال تعطيل عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وطموحاته السلطوية الخاصة به والتي سعى أخيرا لتحقيقها بشكل جدي بعد الانقلاب العسكري الفاشل في صيف سنة 2016 .

علم الاتحاد الأوروبي وعلم تركيا. Foto: picture-alliance/dpa
Zutiefst gespanntes Verhältnis: Die Türkei ist seit 1999 offiziell Kandidat für einen Beitritt zur Europäischen Union. Die 2005 begonnenen Beitrittsgespräche liegen aber mittlerweile praktisch auf Eis. Wegen der Massenverhaftungen von Regierungskritikern nach dem gescheiterten Militärputsch beschlossen die EU-Staaten Ende 2016, die Gespräche nicht mehr auszuweiten. Im November 2017 kürzten sie dann auch die Finanzhilfen für Ankara im Zusammenhang mit dem Beitritt.

هل ضيع إردوغان فرصة نادرة لتركيا والعالم الإسلامي؟

على أي حال فلقد ضيع أردوغان فرصة نادرة لتركيا والعالم الإسلامي بشكل عام فبلاده تعاني حاليا من أزمة العملة وهي أزمة من صنع يده وحتى أنها يمكن أن تواجه إمكانية الإفلاس على المستوى الوطني وبينما يقوم بشكل متزايد بتقسيم ولاءاته بين الشرق والغرب، فإنه يخاطر بزعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر. 

لقد اندلعت مجددا الصراعات العرقية الداخلية في تركيا-وخاصة مع الأكراد- بكامل قوتها وحتى على الرغم من أن التجارب السابقة تظهر أنه لا يمكن حلها عسكريا وبفضل إردوغان أصبحت تركيا جزءا من المشكلة في المنطقة بدلا من الحل.

أهمية تركيا الاستراتيجية لأوروبا ما تزال باقيه

ولكن أهمية تركيا الاستراتيجية لأوروبا ما تزال باقية فملايين المواطنين الأوروبيين هم من أصول تركية وسوف تستمر تركيا بجسر الهوة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب علما بأنه تحت ظل حكم إردوغان، لم تعد تركيا مرشحا محتملا لعضوية الاتحاد الأوروبي ولكن يجب أن يركز الاتحاد الأوروبي على تحقيق الاستقرار في تركيا وإنقاذ ديمقراطيتها.

في واقع الأمر فإن تركيا غير مستقرة هي آخر شيء تحتاجه أوروبا وبغض النظر عن تعاطف المرء مع إردوغان أو كراهيته له فإن أمن أوروبا يعتمد بشكل كبير على تركيا والتي استوعبت ملايين المهاجرين واللاجئين الهاربين من صراعات الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. ومن أجل كلا من الاستقرار الأوروبي والديمقراطية التركية، يتوجب على الاتحاد الأوروبي مواجهة أزمة تركيا بالصبر والبراغماتية المبنية على أساس المبادىء الديمقراطية الخاصة به.

 

 

يوشكا فيشَر

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2018



ar.Qantara.de