هل استهانت ألمانيا بإرهاب اليمين المتطرف؟

في 19 / 02 / 2020 قتل عنصري ألماني 9 أشخاص من أصول مهاجرة بمدينة هاناو الألمانية. وبعد مرور 12 شهرا ما زال أقارب القتلى يطرحون أسئلة كثيرة، بما فيها: هل تفعل ألمانيا ما يكفي لمكافحة العنصرية؟ الألمانيتان ليزا هينل وميلينا غروندمان تنقلان لنا حال بعض أهالي الضحايا بعد عام على الجريمة الإرهابية.

الكاتبة ، الكاتب: Lisa Hänel & Melina Grundmann

يعرف تشتين غولتكين بالضبط المكان الذي قُتل فيه شقيقه غوكهان. بخطوات اعتاد عليها في هذا المكان يسير الرجل في منحنى ويشرح كيف نزل القاتل من سيارته -قبل عام وبالتحديد في تاريخ 19 / 02 / 2020- وأطلق النار على شخص كان في سيارة ثم وصل إلى الكشك، حيث قَتَل غوكهان غولتكين (37 عاما) وأربعة أشخاص آخرين.

بعد مرور عام على الجريمة، أصبح الكشك -الذي كانوا زبائن دائمين له- خاويا، وعلى زجاجه وضعت ملصقات بأسماء القتلى. وعبر زجاج النافذة يشير تشتين غولتكين إلى مكان بالداخل ويقول: "أخي كان يرقد هناك حيث يوجد المأخذان الكهربائيان/ الفيشتان". إنها جملة وقعها قاس من رجل يبدو لطيفا في واقع الأمر.

قبل عام، وبالتحديد مساء 19 فبراير/ شباط 2020، هزَّ ألمانيا أخطر هجوم يميني متطرف، بدوافع عنصرية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد قام مهاجم "مختل نفسيا"، يبلغ من العمر 43 عاما، بإطلاق النار فقتل تسعة أشخاص من أصول مهاجرة في تلك الليلة، في عدة مواقع في بلدة هاناو الصغيرة بولاية هيسن بوسط ألمانيا. وبعد ذلك قام المشتبه به بقتل أمه ثم قتل نفسه.

كان التعاطف بعد الواقعة عظيما. وسافر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة أنغيلا ميركل إلى حفل تأبين رئيسي للضحايا. لكن بعد عام، تبقى الأسئلة مطروحة: هل تم التقليل من خطر اليمين في ألمانيا لعقود؟ وهل تم عمل ما يكفي ضد التطرف اليميني والعنصرية منذ ذلك الحين؟

محاولة للكشف عن خلفيات الجريمة

 

 

حين نسأل العائلات التسع لضحايا هاناو عن إنْ كان قد تم توضيح خليفات هذا الاعتداء بالكامل، فإن الإجابة تكون بمنتهى الوضوح، هي: لا.

ولذلك فقد انضموا بجانب مؤيدين آخرين إلى "مبادرة 19 فبراير" ومنذ ذلك الحين يطالبون بصوت عالٍ بالتوضيح. وقاموا بفتح مكتب مساحته 140 مترا مربعا، في مكان ليس ببعيد عن أحد مسارح الجريمة بوسط مدينة هاناو.

إنه أكثر بكثير من مجرد مكتب. فهو أيضا نصب تذكاري للقتلى. وقد علقت على جدرانه وكذلك على نافذة الواجهة العريضة صور ورسومات لوجوههم.

معالجة المشكلة وتوضيحها، كلاهما له مكانه هنا. "هذه القاعة هي بالنسبة لي وكأننا في زيارة لغوكهان. إنها غرفة المعيشة الخاصة به. وعندما تأتي عائلة [ضحية آخر هو] أنور إلى هنا يكون المكان بمثابة غرفة معيشة الخاصة بـ [ضحية ثالث هو] فرحات"، كما يقول تشتين غولتكين، الذي يأتي إلى مقر المبادرة كل يوم تقريبا. قُتل فرحات أنور (22 عاما) أيضا في الكشك الذي قُتل فيه غوكهان غولتكين.

لا تزال بعض الأشياء غير واضحة وهو ما يعذب الأقارب: لماذا لم تعمل خدمة الطوارئ والنجدة بشكل صحيح في تلك الليلة؟ لماذا سُمح للقاتل بامتلاك أسلحة بشكل قانوني؟ لماذا لم تلاحظه السلطات رغم أنه قبل أشهر من الاعتداء العنصري أرسل رسالة مشوشة مليئة بأساطير المؤامرة إلى المدعي العام؟

ربما لن تتم الإجابة على جميع الأسئلة، لأن القاتل أيضا انتحر وبالتالي من المتوقع ألا تكون هناك محاكمة. ولا يزال مكتب المدعي العام الاتحادي يحقق في الأمر، لكن حتى الآن لا شيء يشير إلى وجود أحد كان لديه علم بخطة القاتل. ويقول هيلموت فونفزين، مفوض الضحايا في حكومة ولاية هيسن: "بالطبع من الصعب جدا تحمل أن الجاني لن يخضع لعقوبة عادلة من قبل الدولة وأنه ربما لا يمكن أيضا الإجابة على سؤال أو آخر".

سلسلة من الهجمات

 

تشتين غولتكين من أصول تركية مهاجرة في ألمانيا قُتل شقيقه غوكهان غولتكين في هجوم إرهابي عنصري بمدينة هاناو الألمانية في تاريخ 19 / 02 / 2020. Foto: DW
„Nie wieder“? Von wegen: Der rechtsextremistische Anschlag in Hanau reiht sich ein in eine ganze Serie rechtsextremer Taten. Im Juni 2019 tötete ein Rechtsextremist den Kasseler Regierungspräsidenten Walter Lübcke, im Januar 2021 wurde der Täter zu einer lebenslangen Freiheitsstrafe verurteilt. Im Oktober 2019 versuchte ein Rechtsextremist in Halle an der Saale, in eine Synagoge einzudringen. Als dies misslang, tötete er zwei Menschen in der Nähe der Synagoge. Auch dieser Täter wurde zu einer lebenslangen Freiheitsstrafe verurteilt. Vier Monate nach Halle folgte Hanau.

 

ومع ذلك فإن بعض الأسئلة التي تهم أقارب القتلى تذهب إلى ما هو أبعد من البلدة الصغيرة الواقعة بولاية هيسن. لأن اعتداء هاناو واحد من سلسلة كاملة من الجرائم اليمينية المتطرفة.

ففي يونيو/ حزيران 2019 قَتَلَ متطرفٌ يميني السياسي المحلي في هيسن فالتر لوبكه، وفي يناير/ كانون الثاني 2021 حُكم على الجاني بالسجن مدى الحياة. وفي أكتوبر / تشرين الأول 2019، حاول متطرف يميني اقتحام كنيس يهودي في مدينة هاله على نهر الزاله. وعندما فشل ذلك، قتل شخصين بالقرب من الكنيس. كما حُكم على الجاني بالسجن مدى الحياة. وعقب أربعة أشهر من هجوم هاله وقع هجوم هاناو.

أندرياس تسيك -رئيس معهد الدراسات حول الصراع وأبحاث العنف في تخصصات متداخلة (IKG) بجامعة بيلفيلد- يرى أن هذه الجرائم غيرت شيئا ما في ألمانيا: "لقد خلقت حالة مزاجية أصبح فيها الآن التحدي في ألمانيا هو التعامل مع العنصرية وغيرها من أشكال معاداة البشر وأن تؤخذ على محمل الجد". ومما يعبر عن ذلك هو: حزمة من 89 إجراء من قبل الحكومة الاتحادية لمكافحة التطرف اليميني والعنصرية.

وتضم تلك الحزمة قوانين أكثر صرامة، وتعزيز السلطات الأمنية، والمزيد من الموارد المالية لمنظمات المجتمع المدني والمزيد من أعمال الوقاية. وفي حديث مع دي دبليو قالت أنيته فيدمان ماوتس، مفوضة الحكومة الاتحادية لشؤون الهجرة واللاجئين والاندماج: "نقل السياسيون هذه القضية إلى أعلى المستويات السياسية من خلال تشكيل لجنة وزارية لمكافحة التطرف اليميني والعنصرية. وهذا يؤكد مدى أهمية اتخاذ إجراءات حاسمة بالنسبة لنا".

زيادة التطرف اليميني

ومع ذلك ووفقًا لعالم النفس الاجتماعي تسيك، فقد استهانت ألمانيا بالتطرف اليميني على مدى عقود: "لقد أصبح التطرف اليميني قويا، وأصبح متشابكا".

وفقا لخبراء، هناك ما يقرب من 15 ألف متطرف يميني مستعدين لاستخدام العنف في ألمانيا. وبعضهم مسلح بشكل قانوني.

وعلى مستوى ألمانيا، سجلت السلطات الأمنية حوالي 1200 متطرف يميني فعلي أو مشتبه به كانوا يمتلكون أسلحة بشكل قانوني بحلول نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020 - بزيادة تقارب 35 بالمائة مقارنة بنهاية عام 2019. وهذا واضح من جواب الحكومة الألمانية بعد طلب ذلك من الكتلة البرلمانية لحزب اليسار في البرلمان الألماني (بوندستاغ).

 

 

 

بالإضافة إلى ذلك، ظهر نوع جديد من الجناة في ألمانيا منذ الهجوم في هاله، والذي كان واضحا أيضا في هاناو: جناو يعملون منفردين، منعزلين وتطرفوا عبر الإنترنت، متشابكين مع عالم خاص بهم منسوج من أساطير عن المؤامرة.

ولا تزال السلطات الأمنية تفتقر إلى الوسائل التقنية والمعرفة للتعرف على هؤلاء الجناة الجدد على الإنترنت مسبقا. وظهر ذلك، على سبيل المثال في محاكمة منفذ هجوم هاله.

وعموما فإن النقاش حول ما إن كان التطرف اليميني قد تم التقليل من شأنه هو نقاش قصير العهد جدا، كما يقول أندرياس تسيك: "نحن لا نسمح لأنفسنا بالوقت الكافي لفهم ظهور الأيديولوجيات. وفي الأساس، يتم دائما استدعاء الدولة القوية وتوجيه العديد من الاتهامات للسلطات الأمنية، بأنها لا تتصرف بشكل كافٍ. وربما يكون هذا مفهوما، لكن هذا يعني جزئيا أننا لا نرى التطرف على أنه تحدٍّ اجتماعي، بل تحدٍّ للسلطات الأمنية"، كما يضيف الرجل.

ويتابع تسيك قوله بأن أنماط التفكير والأيديولوجيات -ووجهات النظر المثيرة للكراهية- لمرتكبي الجرائم تأتي من وسط المجتمع. لكن هذا لم يصل بعد إلى ألمانيا، وهو على عكس النرويج. التي قتل فيها الإرهابي اليميني أندرس برايفيك 77 شخصا عام 2011. ويقول تسيك: "في النرويج، لا يزال الهجوم يُناقَش حتى اليوم باعتباره شيئا حدث في المجتمع". ويضيف: "يُنظَر إلى أندرس برايفيك على أنه واحد منا. وهذا مرهِق للغاية بالنسبة لأي مجتمع. وإذا قلنا إن منفذ هجوم هاناو هو واحد منا، فإن هذا الفعل هو عمل نتحمل مسؤوليته الاجتماعية".

يتعين على تشتين غولتكين أن يتعايش مع الخسارة التي لا تعوض التي ألحقها به مهاجم هاناو. وبعد مرور عام على الجريمة، لا يزال تشتين يعاني من العواقب، فهو لم يعد قادرا على العمل، ولم يعد بإمكانه النوم، ويدخن علبتي سجائر يوميا، ويقول: "غوكهان كان أساس عائلتنا وبما أن الأساس لم يعد موجودا، فنحن مازلنا في حالة تأرجح فقط".

 

ليزا هينل / ميلينا غروندمان

ترجمة: ص.ش

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021

 

 

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:31950]