تفكيك ظاهرة الصدر... تناقضات وكاريزما غامضة ورقص على حافة الهاوية

يثير مقتدى الصدر بتصريحاته وأنشطته التي تبدو أحيانا متناقضة الكثير من الأسئلة والتحليلات، فقد ظهر فجأة بعد سقوط النظام السياسي في العراق باعتباره زعيما جماهيريا تؤيده أعداد كبيرة جدا من الشيعة.
يثير مقتدى الصدر بتصريحاته وأنشطته التي تبدو أحيانا متناقضة الكثير من الأسئلة والتحليلات، فقد ظهر فجأة بعد سقوط النظام السياسي في العراق باعتباره زعيما جماهيريا تؤيده أعداد كبيرة جدا من الشيعة.

برز مقتدى الصدر بعد سقوط النظام السياسي في العراق في عام 2003 متكئاً على تاريخ أسرته العريق في خط المرجعيات الشيعية، وأصبح زعيماً جماهيرياً تؤيده أعداد كبيرة من شيعة العراق. وتكمن قوته في قدرته على تحريك الشارع رغم تقلب مواقفه السياسية. أمير علي حيدر يقربنا من الظاهرة الصدرية.

الكاتبة ، الكاتب: أمير علي حيدر

ظهر مقتدى الصدر من المجهول يوم 10 نيسان 2003، حيث كان أول انجازاته هو قيادته لهجوم نفذه خمسة عشر معمما وتسعة عشر قاتلا بالبنادق والمسدسات والخناجر والسيوف والسكاكين على عبد المجيد الخوئي، نجل المرجعي الشيعي الأسبق في ضريح الامام علي في النجف، لأنّ القيادة الامريكية البريطانية اختارته ليقود شيعة العراق بعد سقوط صدام اعتماداً على إرث أبيه.

هذه الواقعة التي تمثل صفحة من التنافس الدموي على السلطة بين المرجعيات الدينية في العالم الشيعي وخاصة في معقله الأصلي، مدينة النجف، وضعت مقتدى الصدر بدعم من بضع شخصيات قبلية وعائلية غير معروفة على المستوى الحوزوي في الواجهة فبات المعممُ قليلُ التحصيل، الذي ينسب اليه بعض النجفيين اضطراباً عقلياً ولادياً  قائداً للملايين، مستفيداً من سمعة أبيه السيد محمد محمد صادق الصدر، الذي أمّ صلاة ملايين الشيعة في الكوفة والنجف في تسعينات القرن العشرين.

قائد الصدف وصناعة الكواليس الإيرانية

الصدف والحروب السياسية وأخطاء الحسابات الأمريكية منحته الزعامة، فقد قُتل أبيه في حادث سيارة يُصر كثيرون على انه جاء بإيعاز من صدام حسين في حين ترى آراء هامسة أنه تم بالاتفاق بين الاطلاعات (المخابرات) الإيرانية وبين أتباع المجلس الإسلامي الأعلى، الذي أسسه وقاده محمد باقر الحكيم ( وكان اسمه آنذاك المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق)، لإزالته من المشهد خاصة وان أصابع كثيرة كانت تشير الى أن محمد محمد صادق الصدر هو صناعة المخابرات العراقية لتهميش المرجعيات ذات الاصول الإيرانية في النجف.

في 29 آب/ اغسطس 2003، قُتل محمد باقر الحكيم، رئيس المجلس الاعلى في انفجار مروع بعدد غير معروف من السيارات في النجف ايضا، ليغمر مزيد من الدم المدينة المقدسة عند الشيعة عبر العالم والتي يسعى الإيرانيون بجهد منذ قرون الى مصادرة دورها ونقله الى بلدهم في مدينتي مشهد وقم.

استياء أميركي - إيراني من تحرك الصدر
الكاتب العراقي صلاح النصراوي يرى، في مقال نشرته الجزيرة على موقعها الالكتروني باللغة الإنجليزية مطلع الشهر الجاري، أن مقتدى الصدر اتجه لتعبئة الشارع ضد الحكومة العراقية إنما لأجل أن يكون له موقع مؤثر في السلطة العراقية. ويعزو لهجة مقتدى الصدر التصعيدية إزاء الحكومة إلى سببين: أولها، تصاعد الصراع الشيعي-الشيعي على النفوذ في العراق من جهة، ومن جهة أخرى مخاوف الصدر من تراجع نفوذ ميليشيا "سرايا السلام" التابعة لتياره والتي أصبحت تشهد منافسة شديدة بعد تأسيس عدة ميليشيات شيعية أخرى كان الهدف من وراءها بالدرجة الأولى محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي لا يزال يسيطر على عدة مناطق في العراق.

واتجهت أصابع الاتهام إلى عدة جهات منها: بقايا جهاز مخابرات صدام حسين، والى عبد العزيز الحكيم، شقيق محمد باقر الحكيم، الذي تولى الزعامة بعده ومات في ظروف غامضة بعد بضع سنوات، والى بعض الشركات الأمنية الأمريكية بتوجيه خليجي، والى مقتدى الصدر ومن معه الذين أرادوا ان يسحبوا البساط من المجلس الاسلامي الاعلى وذراعه العسكري فيلق بدر( وهي منظمة مسلحة شبه عسكرية مسجلة ضمن وحدات النخبة الايرانية "باسدران").

جيش المهدي مرحلة في تاريخ الميلشيات الشيعية

منذ عام 2004، بات مقتدى الصدر يقود ميلشيات مسلحة لا يُعرف عددها بالتحديد انضوت تحت اسم "جيش المهدي"، الذي كان وما زالت خليفته "سرايا السلام" يتلقى السلاح والعتاد والدعم من إيران.

في 4 مايو/أيار 2004 إندلعت معارك شرسة بين القوات الأميركية وبين جيش المهدي في مدينة النجف في محاولة القوات الأميركية القبض على الصدر وسوقه الى المحاكمة بتهمة قتل عبد المجيد الخوئي بموجب مذكرة القاء قبض صدرت عن قاضي تحقيق عراقي. جرى ذلك حين كان إياد علاوي رئيسا مؤقتا لمجلس الوزراء، والذي عده الصدر عدوا لدودا له بتعاونه مع الامريكان على قتاله. ونجح مقتدى الصدر في استقطاب قطاع واسع من الجماهير جلهم من الطبقة الفقيرة، حتى أن تياره يخلو من شخص يتحدث باسمه لخلوه تقريبا من المفكرين والتكنوقراط وحتى المتعلمين.

"مقتدى الصدر رجل وطني وعروبي ولكن الايرانيين يعرفون كيف يتلاعبون به"

السيد اياد جمال الدين عالم الدين الشيعي ثوري الآراء وصف مقتدى الصدر وتياره، الذي بات يعرف بالتيار الصدري، ثم باتت واجهته السياسية تعرف بكتلة الأحرار، وصفه بأنه "تيار عروبي، والسيد مقتدى الصدر رجل وطني وعروبي مثل والده ولكن الايرانيين يعرفون كيف يتلاعبون به وبتياره".

أهم صفة سياسية في مقتدى الصدر هى مواقفه المتقلبة بطريقة تخلو الى حد كبير حتى من البراغماتية السياسية، ويعتبرها كثيرون مؤشراً على عدم قدرته في قيادة الجموع، وطالما تنبأوا بأن هذه الصفة ستؤدي الى أن ينفضّ عنه أعوانه، ولكن لم يظهر مثل هذا التوجه قط عندهم .

فقد شكل ميلشيا جيش المهدي للدفاع عن الشيعة في الحرب الطائفية عامي 2006 و2007، وقتل جيش المهدي ألوف السنة، بل أشرفت عناصره على إتمام التغيير الديموغرافي في أغلب مناطق العراق، فباتت للشيعة مناطقهم المقفلة وكذلك للسنة، ثم وبعد أن أطلق الأمريكيون مشروع الصحوات ما لبث الصدر أن أعلن حُرمة الدم السني، وذهب الى الرمادي والفلوجة السنيتين وتصالح مع أهلهما.

من حليف المالكي الى عدوه، ومن عدو ايران الى طالب في حوزة قم

لكن الصدر عاد ليعلن أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ينفذ أجندة إيرانية. وحين شنّ المالكي حرباً على العصابات التابعة لمقتدى الصدر والتي تهرّب النفط في البصرة ( المعروفة بالبحارة) الى إيران، وعلى المجموعات المسلحة التابعة له التي تتولى السطلة المحلية في اغلب محافظات جنوب العراق، أعلن الصدر حل جيش المهدي واعتزل السياسة، وذهب مع آلاف من عناصر هذا الجيش الى مدينة قم واستقر فيها لأغراض الدرس والتحصيل كما أعلن، على الرغم من أن مستواه العلمي الحوزوي ما زال في المراحل الاولى، وفي المدرسة لم يتمكن من اتمام الدراسة في اعدادية الصناعة.

ومع انطلاقات اعتصامات الرمادي عام 2013، عاد وشكل ميليشيا "سرايا السلام" وانضم سياسياً الى الكتلة السنية، وانشقت عنه تيارات عدة اكبرها "عصائب أهل الحق" التي يقودها قيس الخزعلي، وهو معمم شاب أسس ميلشيا مسلحة تدعمها إيران ويقاتل اليوم الى جانب الحشد الشعبي ضد تنظيم داعش.

أعلن منظمو اعتصام التيار الصدري بالمنطقة الخضراء ببغداد انسحابهم من هذه المنطقة المحصنة من "موضع قوة"، حسب ناطقة باسمهم
دعت اللجنة المنظمة لاعتصام المنطقة الخضراء ببغداد المحتجين من التيار الصدري لمغادرتها يوم الأحد الماضي (الأول من مايو/أيار 2016) بعد 24 ساعة من عبور أسوار المنطقة المحصنة واقتحام مقر البرلمان. وقالت متحدثة من ميدان خارج المنطقة الخضراء إن الناس سيرحلون "من موضع قوة" احتراما لزوار للمقدسات الشيعية موجودين بالعاصمة في الوقت الحالي لكنهم سيعودون بعد ذلك لمتابعة مطالبهم.

من خيمة الاعتصام الى معقل حسن نصر الله

انطلقت التظاهرات الليبرالية الداعية للإصلاح في العراق في تموز/ يوليو 2015  وبقيت مستمرة كل يوم جمعة في ساحة التحرير ببغداد ولم يتحرك مقتدى الصدر ولم يؤيدها. وفجأة وفي يوم 18 آذار/ مارس 2016 أعلن الصدر مسيرة مليونية تطالب بالإصلاح، ونصب لنفسه خيمة احتجاج في مدخل المنطقة الخضراء المحصنة، التي تضم الحكومة في بغداد.

هذا الحراك المفاجئ سبب ارتباكاً سياسياً قاد إلى انقسام مجلس النواب العراقي، فقام نصف اعضائه بإقالة رئيس المجلس السني سليم الجبوري، ما وضع العراق على شفير حرب طائفية جديدة. وسط كل هذا سافر مقتدى الصدر فجأة الى لبنان واجتمع بحسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني دون سابق انذار، وعاد بعدها الى بغداد، ليعلن حل كتلة الاحراب النيابية معلنا انها لا تمثله بل تؤيده! ثم الغى كل مشاركات تياره بالاعتصامات والتظاهرات.

"خذوا من الصدر الإيجابي دائماً واتركوا السلبي في الحالات الحرجة"

هذا التقلب دفع باسم العوادي، المستشار الإعلامي لرئيس المجلس الأعلى الإسلامي، المتحدث باسم الائتلاف الوطني ( الشيعي) إلى أن يكتب على صفحته في فيسبوك: "عاد السيد الصدر من بيروت وأصدر بيانه هذا الذي وضع فيه نقطة مضيئة في وسط بحر متلاطم من المفاهيم والمعاني غير المضيئة، ولفهمنا لشخصية وكاريزما السيد الصدر الحادة، خذوا من الصدر الإيجابي دائما واتركوا السلبي في الحالات الحرجة.

دعوة الصدر للانتخابات المبكرة هي ( مؤشر) حقيقي وطني لسبب بسيط وواضح  :

وهو أن الكتل السياسي عندما تختلف يجب عليها العودة للشعب لحسم الخلاف ... يعني الذهاب الى انتخابات جديدة لكي يقول الغاضبون والصامتون كلمتهم ويأخذ كل دوره بعد الاتفاق على صيغة جديدة في التعاطي السياسي وعلى برنامج إصلاحي جديد من خلال حكومة جديدة".

في 30 نيسان/ ابريل 2016 اقتحم عناصر التيار الصدري بناية مجلس النواب العراقي، والمنطقة الخضراء واعتدوا على بعض النواب ورشقوا سيارات البعض الآخر بالحجارة. ثم ظهر مقتدى الصدر في خطاب متلفز وأعلن تجميد كتلة الاحرار واعتكافه عن العمل السياسي لمدة شهرين مهدداً بإسقاط الحكومة ما لم يجر الإصلاح، وبعدها غادر مقتدى الصدر  العراق إلى إيران.

 

أمير علي حيدر

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016