ناشطة وضعت إصلاحات محمد بن سلمان على المحك

بعد أكثر من سنتين ونصف على توقيفها حكمت محكمة سعودية على الناشطة لجين الهذلول بالسجن لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر بعدما أدانتها بالتحريض على تغيير النظام وخدمة أطراف خارجية. ومع اقتطاع الوقت الذي أمضته في السجن يكون بالإمكان بموجب الحكم إطلاق سراحها خلال شهور وفق منظمات حقوقية. فما قصتها؟

الناشطة السعودية البارزة لجين الهذلول البالغة من العمر (31) عاماً، واجهت الاعتقال وتحملت مرارة السجن مرات عديدة لمعارضتها حظر قيادة المرأة للسيارات، والدعوة لإنهاء نظام ولاية الرجل على المرأة.

أمرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض بسجن الناشطة السعودية البارزة لجين الهذلول لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر بعدما أدانتها بالتحريض على تغيير النظام وخدمة أطراف خارجية، حسبما أفادت وسائل إعلام سعودية الإثنين (28 كانون الأول/ ديسمبر 2020).

وذكرت وسائل الإعلام هذه وبينها صحيفة "سبق" التي حضرت الجلسة أن المحكمة أدانت الهذلول الموقوفة منذ أيار/ مايو 2018 مع ناشطات أخريات بموجب "نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله"، مضيفة أن الحكم يشمل وقف تنفيذ عامين و10 أشهر من العقوبة.

مضى أكثر من عامين على اعتقالها، ولم تعتقل الهذلول للمرة الأخيرة بسبب قيادة السيارة كما سبق أن حدث عام 2014 عندما قضت حوالي 72 يوماً، وإنما هذه المرة باتهامات خطيرة تمثلت في "التواصل مع جهات خارجية بغرض تهديد أمن الدولة". وكانت الهذلول قد تعرضت لحملة تشهير كبيرة تهدف إلى ردع وتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان، إذ وصفتها وسائل إعلام محلية موالية للحكومة السعودية إلى جانب ستة معتقلين آخرين بأنهم "خونة"، في حين أكدت منظمة العفو الدولية أن الناشطة "استهدفت بسبب دفاعها عن حقوق المرأة".

 

 

وكان قد ألقي قبض على الهذلول إلى جانب ما لا يقل عن 12 ناشطة أخرى من المدافعات عن حقوق المرأة في أيار/ مايو 2018، بتهمة "التخابر مع جهات أجنبية"، قبل تغيير حظر قيادة المرأة للسيارة، الأمر الذي فسر على أنه رسالة من القيادة السعودية مفادها أن الإصلاحات في المملكة العربية السعودية لا تتم إلا عندما تقرر القيادة ذلك.

وبحسب أقاربها، تعرضت الهذلول للاعتداء الجنسي والتعذيب بالضرب والصعق بالكهرباء، واحتُجزت في الحبس الانفرادي لفترات طويلة، الأمر الذي نفته الرياض بشدة، كما دفعت عدة محاولات للإضراب عن الطعام لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة إلى التعبير عن مخاوفها بشأن صحتها المتدهورة.

وكانت الهذلول قد رفضت عرضاً من قبل أمن الدولة بالإفراج عنها مقابل بيان مصور بالفيديو تنفي فيه تقارير عن تعرضها للتعذيب والتهديد بالتحرش أثناء احتجازها، لحسب مقربين منها.

"أقصى عقوبة" بـ "اتهامات زائفة"

بعد اتهامها بزعزعة الأمن القومي والعمل مع منظمات أجنبية ضد الدولة في محكمة جنايات الرياض، أحيلت قضية الهذلول في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، التي تأسست في عام 2008 للنظر في قضايا مرتبطة بمكافحة الإرهاب، ومن بينها قضايا معتقلين سياسيين.

ومن جانبها توضح منظمة العفو الدولية أن الهيئة السرية تفرض بشكل روتيني فترات سجن طويلة وأحكام إعدام على أولئك الذين يعارضون النظام الملكي المطلق في البلاد، وأنها تستخدم التعذيب لانتزاع الاعترافات.

وكانت علياء الهذلول، شقيقة لجين، قد قالت بعد مثولها أمام المحكمة في جلسة سابقة إن "معنويات لجين جيدة لكن حالتها البدنية لاتزال ضعيفة".

وكان من المفترض أن يصدر الحكم بحق لجين الخميس (24 ديسمبر/كانون الثاني 202)، لكنه حسب علياء الهذلول تأجل إلى يوم الإثنين "للاطلاع والتأمل"، وفق تغريدة لعلياء على تويتر، اتهمت فيها القضاء السعودي بـ "التخبط" معتبرة بأن "قضية لجين نزهة للقضاء لاكتشاف الأنظمة"، بحسب تعبيرها.

 

الأمير محمد بن سلمان:"ليس لدينا أفضل سجل في مجال حقوق الإنسان في العالم لكننا نتحسن،وقد قطعنا شوطا طويلا في وقت قصير."مثل هذه التصريحات مطمئنة وتعكس اهتمام واضح بالمعاييرالدولية. وبإمكاننا القيام بقفزة نوعية تُحسن من سمعة المملكة وتثبت جدية هذه التصريحات بمراجعة قضايا سجناء الرأي pic.twitter.com/v1Vbnvr1Kr

— لجين هذلول الهذلول (@LoujainHathloul) March 9, 2018

 

وعبرت إليزابيث برودريك، التي ترأس فريق الأمم المتّحدة المعني بالتمييز ضدّ النساء والفتيات، عن قلقها الشديد على حالة لجين الهذلول واحتجازها منذ أكثر من عامين في "اتّهامات زائفة"، وقالت في بيان "نُطالب مجدّداً المملكة العربيّة السعوديّة بالإفراج فوراً عن هذه المدافعة عن حقوق الإنسان التي ساهمت بشكلٍ كبير في إعلاء حقوق النساء".

كما قالت شقيقة لجين، لينا الهذلول: "يجب إطلاق سراح أختي ... كل ما فعلته هو المطالبة بكرامة وحرية المرأة التي ينبغي أن تكون حقها". وأكدت لينا الهذلول أن السلطات السعودية كانت تسعى للحصول على أقصى عقوبة متاحة بموجب القانون. والعقوبة التي يطالب بها الادعاء العام في السعودية قد تصل إلى سجن الناشطة لمدة تصل إلى 20 عاماً.

شقيقة لجين تضيف "يقولون إنها إرهابية - في الواقع هي إنسانية وناشطة وامرأة تريد ببساطة عالماً أفضل أكثر عدلاً".

وبحسب وزير الخارجيّة السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، فإنّ الهذلول متّهمة بأنّها كانت على اتّصال بدول "معادية" للمملكة وبأنّها نقلت معلومات سرّية، غير أن عائلتها تقول إنّ الحكومة السعوديّة لم تُقدّم أيّ دليل ملموس لدعم هذه الاتّهامات.

وقد شرعت الرياض في سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية واسعة النطاق منذ أن تم تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في عام 2017، بالإضافة إلى السماح للمرأة بقيادة السيارات، تم كبح جماح ما يعرف بـ "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وتتمتع المرأة الآن بحرية السفر دون إذن ولي الأمر، غير أن ملف المعتقلين يثير العديد من التساؤلات.

 

لا جديد، امن الدولة زار لجين في سجن الحائر للتوقيع على موافقة انها تخرج في تسجيل وتقول انها لم تتعرض لتعذيب.



كان الاتفاق معهم ان توقع على تعهد فقط انها لم تتعرض لأي تعذيب ولهذا السبب بقينا صامتين.



الظهور في فيديو انها لم تتعرض لتعذيب هذه مطالب غير واقعية.

— Walid Alhathloul | وليد الهذلول (@WalidAlhathloul) August 13, 2019

 

قصة حب أغضبت المحافظين

حتى الحياة الخاصة للهذلول لم تسلم من الانتقادات، فقد تعرضت هي وزوجها فهد البتيري، لحملة كبيرة. وقد اشتهرت قصة حبهما على الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل وكانت حديث الكثير من السعوديين منذ زواجهما عام 2014، إذ كانت لجين ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة، في حين اشتهر البتيري بعروضه الكوميدية، ومنها برنامجه على اليوتيوب "لا يكثر".

واشتهر الزوجان على وسائل التواصل الاجتماعي بالكثير من المنشورات التي وثقت حياتهما الشخصية داعمين أعمال واهتمامات بعضهما بعضاً، حيث روجت الهذلول لبعض أعمال زوجها، في حين دافع البتيري عن زوجته في وجه بعض من انتقدوا أفكارها.

غير أن قصة الحب هذه قد واجهت موجة غضب من المحافظين واصطدمت بالواقع السياسي، فقد نقلت وسائل إعلامية مختلفة في وقت سابق أخباراً عن طلاق الزوجين تحت وطأة التهديد والضغوط التي مورست على الزوج البتيري، وأن الطلاق قد تمّ بعد اعتقال لجين في مايو/ أيار 2018. وحتى دخول البتيري إلى السعودية لم يكن عادياً، إذ نقلت الواشنطن بوست، أنه اختطف من غرفته في فندق بالأردن، ونُقل إلى بلاده.

وفي مقابلة مع صحيفة الإيكونوميست قبل ثلاث سنوات، كانت لجين الهذلول قد قالت: "ما زلنا نسجن إذا ما عبرنا عن آراء معقولة وطبيعية. ما يزالون يرسلوننا إلى السجن".

 

أكدت ثلاثة مصادر لـ"العربي الجديد"، صحة الخبر المتداول حول إجبار السلطات السعودية للممثل والمخرج والكوميدي السعودي #فهد_البتيري، على طلاق زوجته الناشطة النسوية المعتقلة #لجين_الهذلول. https://t.co/eHtMKpOBk3 via @alaraby_ar

— سي سلامة عبد الحميد (@salamah) November 8, 2018

 

 

ما زال التخبط القضائي مستمر إذ قرر القاضي اليوم تأجيل الجلسة إلى يوم الاثنين القادم 28 ديسمبر "للإطلاع والتأمل". فقضية لجين نزهة للقضاء لاكتشاف الأنظمة.



نعرف حقنا ونعرف قراءة الأنظمة والقوانين وسنواصل الدفاع عن لجين.#لجين_لاتكذب #freeloujain

— علياء الهذلولAlia al-Hathloul (@alia_ww) December 24, 2020

 

تكريم وإلهام

وقد مُنحت الناشطة السعودية لجين الهذلول، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2020 "جائزة الحرّيّة" الفرنسية التي تمنحها لجنة دولية مكونة من 5500 شاب، وسلمت إلى عضوين من عائلتها. وعند تسليم الجائزة، قال المحارب القديم تشارلز نورمان شاي: "بفضل تضحيتكِ، سمح للنساء بالقيادة في السعودية، وهذا تقدم مهم جدا".

كما مثلت الهذلول مصدر إلهام لنشر كتاب للأطفال يروي قصتها سيصدر في في ربيع عام 2022، بحسب ما ذكرت عائلتها ومناصرون لها، إذ يستهدف الكتاب المصور الذي يحمل عنوان "أحلام لجين بزهور عباد الشمس" الأطفال الذين يتراوح أعمارهم بين 4 و8 سنوات.

 ويروي الكتاب قصة فتاة تحلم بالطيران لترى حقلاً هائلاً من زهور عباد الشمس، على أمل أن يأتي اليوم الذي تتحرر فيه المرأة السعودية لتطير بأحلامها إلى عالم ينصفها مكانتها.

 

حقوق النشر: وكالات / دويتشه فيله 2020

 

 

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:40338]