كفاح نساء مسيحيات عربيات من أجل حقوقهن

تتبنى الكنائس الشرقية في أغلب الأحيان القِيَم المحافظة السائدة ضمن محيطها الإسلامي. لكن نساء مسيحيات عربيات بدأن منذ فترة طويلة في رفض الوصاية الكنسية المفروضة عليهن. الصحفية الألمانية كلاوديا مينده تسلط الضوء لموقع قنطرة على وضع النساء المسيحيات فيما يتعلق بالطلاق والميراث في العالم العربي.

الكاتبة ، الكاتب: Claudia Mende

لا تزال الطوائف الدينية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتَّع بسلطة كبيرة على حياة أفرادها. فالدولة تترك للطوائف الدينية الحكم في قضايا الزواج والطلاق والحضانة والميراث. وبالتالي فإن كبار الشخصيات الإسلامية أو الكنسية هم من يتخذون القرار حول مسائل مهمة في حياة الأفراد.

وبناءً على ذلك يحتاج المسيحيون من أجل عقد الزواج مباركة كنيستهم، بسبب عدم وجود زواج مدني في المنطقة حتى الآن (باستثناء تونس). وعندما يفشل الزواج، تبدأ المشكلات. ولا تقبل الكنائس الشرقية عادةً بالطلاق إلَّا في حالة الزنا أو تحوُّل أحد الزوجين إلى الإسلام.

يؤدِّي ذلك عمليًا إلى جعل الطلاق القانوني أمرًا شبه مستحيل بالنسبة للمسيحيين العرب. وحتى أنَّ مَنْ يتمكَّن من فعل ذلك ويحصل على شهادة طلاق، يواجه -سواء كان رجلًا أو امرأة- عقبات أخرى حينما يريد الزواج مرة أخرى، لأنَّ الزواج الثاني يحتاج تصريحًا ذا صِلة من الكنيسة، وإلَّا فإنَّ الزواج يبقى مستحيلًا.

تُعتَبر الصحفية المصرية البارزة كريمة كمال مِن أوَّل مَنْ تناولوا هذا الموضوع وكتبوا حول عناء الأزواج والزوجات الذين لم يعودوا قادرين على العيش سويةً ولكنهم يضطرون إلى البقاء تحت سقف واحد طيلة سنين.

ضيق أفق في قضايا الطلاق

السيِّدة كريمة كمال من أقلية المسيحيين الأقباط، الذين يشكِّلون نحو عشرة في المائة من سكَّان مصر، وقد كانت مسؤولة عن الريبورتاجات الاجتماعية في صحيفة المصري اليوم، ولكنها الآن متقاعدة. وفي هذا الصدد تقول: "الكنيسة القبطية ضيِّقة الأفق ومتشدِّدة في قضية الطلاق".

 

 الصحفية المصرية البارزة كريمة كمال. Foto: Claudia Mende
Als eine der ersten Christinnen überhaupt hat die prominente ägyptische Journalistin Karima Kamal das Thema Scheidung aufgegriffen und über die Not von Paaren geschrieben, die nicht mehr zusammen leben können und doch gezwungen sind, jahrelang beieinander zu bleiben.

 

وتضيف: "يجب الإسراع في تغيير قواعد الطلاق". قرَّر مجلسٌ كنسي قبطي في عام 2016 أنَّ الطلاق ممكن ليس فقط بعد الزنا أو تغيير الدين، بل أيضًا بعد فترة انفصال تصل إلى ثلاثة أو خمسة أعوام (في حال وجود أطفال). غير أنَّ هذا لا يكفي بالنسبة للعديد من الأقباط والقبطيات.

حيث باتوا يضغطون على كنيستهم منذ بداية الربيع العربي في عام 2011. هناك مجموعات مثل "أقباط 38" أو رابطة "الحق في الحياة" تدعو من خلال حملات عامة إلى الزواج المدني. توجد احتجاجات في الكنائس وكذلك "حفلات طلاق جماعي" للمعنيين، الذين يمكنهم بعد سنوات من الشد والجذب إنهاء علاقاتهم رسميًا والتعبير عن فرحتهم.

إجراءات طويلة الأمد وباهظة الثمن

في الأردن، حيث تصل نسبة المسيحيين إلى نحو ثلاثة في المائة فقط، ويعتبر معظمهم من الطائفة المسيحية ذات المذهب الأرثوذكسي اليوناني، تناولت "جمعية الشابات المسيحية" (YWCA) هذه القضية بشكل مكثَّف في العام الماضي 2019 ووجدت بذلك ترحيبًا كبيرًا. تُقيم هذه الجمعية فعاليَّات في العديد من المدن الأردنية، تستطيع من خلالها النساء تبادل الآراء والأفكار حول القانون الكنسي وتبعاته.

تقول المحامية لينا خضر إنَّ الكثير من النساء استطعن في هذه الفعاليَّات التعبير عن استيائهن. وبالنيابة عن منظمات حقوق الإنسان - مثل "جمعية المعهد الدولي لتضامن النساء" وكذلك "ميزان - مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان" -  تمثِّل المحامية لينا خضر النساء المسيحيات اللواتي يردن الطلاق وطلبه من محكمة كنسية.

وحول ذلك تقول لينا خضر: "هذه قضية كبيرة بالنسبة لنا في الأردن". الإجراءات في المحاكم الكنسية غير شفافة حتى بالنسبة للمحامين، بالإضافة إلى كونها طويلة الأجل للغاية وباهظة التكاليف بالنسبة للكثيرات من النساء المعنيات، مثلما تضيف منتقدة. وتقول إنَّ مَنْ يرفع قضية طلاق يضطر إلى دفع ما يبلغ ويكافئ نحو عشرة آلاف يورو كتكاليف للمحكمة والمحامين.

وهذا المبلغ يعتبر بمثابة ثروة صغيرة في بلد مثل الأردن، حيث يتقاضى المعلم أقل من خمسمائة يورو شهريًا. وبحسب لينا خضر فإنَّ جميع قضاة المحاكم الكنسية تقريبًا من الرجال، ويتم تعيينهم من قِبَل قادة كلّ كنيسة، وتقول إنَّهم يفتقرون إلى فهم البيئة المعيشية للمرأة.

 

 

صحيح أنَّ المحاكم الكنسية تكون مستعدة أحيانًا لقبول الطلاق والسماح به وحتى لأسباب أخرى غير الزنا والخروج عن الديانة المسيحية، نظرًا إلى العدد المتزايد من الأشخاص الذين يريدون الطلاق، مثلما تقول المحامية لينا خضر، ولكن نتيجة إجراءات الطلاق تتوقَّف على رأي وتقدير كلّ قاضي بمفرده، كما تضيف المحامية.

حضانة الأطفال...مشكلة شائكة

يصبح الأمر في غاية الصعوبة عند البتّ في حقّ حضانة الأطفال. وهنا تتَّبع الكنائسُ الرأيَ الإسلامي التقليدي الذي يفيد بأنَّ الآباء عليهم تحديد المسار الحاسم في تربية الأطفال وتعليمهم. تقول لينا خضر إنَّها شاهدت فعلًا مساومات بمعنى الكلمة أمام المحاكم الكنسية على تحديد الطرف الذي يُسمح له ببقاء الأطفال لديه.

وعلى أية حال يوجد بعض التحرُّك من جانب قيادة الكنيسة. فقد أعلن في عام 2019 البطريرك الأرثوذكسي اليوناني ثيوفيلوس الثالث ومقره في القدس عن إصلاح في إجراءات الطلاق، وكذلك يتم نقاش بعض التحسينات من قِبَل الكنائس المرتبطة بروما. غير أنَّ إقرار ذلك كله لم يتحدد بعد.

ما من شكّ في أنَّ النساء يعانين -ليس وحدهن فقط- من قانون الطلاق الصارم عند المسيحيين، بل ويعاني منه الرجال أيضًا. بيد أنَّ النساء يُظلمن بكلّ وضوح في قضية أخرى، أي في حقّ الميراث. فبحسب قانون الميراث الإسلامي من حقّ المرأة فقط نصف ما يحقّ لقريبها الذكر (للذكر مثل حظّ الأنثيين).

وبما أنَّ بعض الكنائس تُطبِّق أيضًا الشريعة الإسلامية في حلّ النزاعات الناشئة بسبب توزيع التركات وتظلم بالتالي النساء، فهذا يثير غضب الكثير من النساء المسيحيات. فعندما يتعلق الأمر خاصةً بتوزيع أرض يصرُّ العديد من الرجال المسيحيين على أحكام الميراث في الإسلام، مثلما تقول المحامية لينا خضر من الأردن. وتضيف أنَّ الدولة لا تجبر الكنائس على القيام بذلك، بل إنَّ الكنائس محافظة تمامًا مثل ممثِّلي الإسلام في المسائل الأخلاقية.

تمكَّنت في مصر المحامية القبطية هدى نصرالله بعد كفاح مرير من كسب قضيَّتها وأثارت بذلك بعض الاهتمام. لقد ترك والدها لها ولشقيقيها منزلًا متواضعًا في القاهرة. تؤكِّد المحامية هدى نصر الله أنَّ شقيقيها على استعداد تام ليتقاسما معها هذه التركة بإنصاف. ولكنها أرادت كمحامية أن توثِّق المحكمة ذلك. وحول ذلك تقول: من غير المعقول أنْ يحقَّ لها كمسيحية نصف ما يحقُّ لكلّ أخ من إخوتها.

 

البطريرك الأرثوذكسي اليوناني ثيوفيلوس الثالث ومقره في القدس. Foto: Claudia Mende
Bewegung in das erstarrte hierarchische System: 2019 hat der griechisch-orthodoxe Patriarch Theofilus III. mit Sitz in Jerusalem eine Reform der Scheidungsverfahren angekündigt, auch bei den mit Rom verbundenen Kirchen werden Verbesserungen diskutiert. Spruchreif ist das alles aber noch nicht.

 

من أجل قانون ميراث عادل وإمكانية الزواج المدني

يتم في مصر (على العكس مما عليه الحال في الأردن) تنظيم مثل هذه القضايا في محاكم الدولة، لكن هذه المحاكم تحكم في قضايا الأسرة والميراث بحسب الأحكام الدينية ذات الصلة بكل ديانة. أي أنَّ محاكم الدولة تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية مع المسلمين في القضايا والمنازعات العائلية.

ولكن في الواقع فإنَّ الكنيسة القبطية طبَّقت حتى الآن الشريعة الإسلامية في قضايا الميراث، على الرغم من أنَّها لا يجب عليها فعل ذلك. ولذلك فقد ذهبت هدى نصرالله إلى المحكمة وخسرت في البداية في محكمتين مختلفتين. ولكن في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، منحتها حقَّها محكمة الاستئناف في القاهرة .

"كثير من الرجال الأقباط يفضِّلون الاستفادة من الشريعة الإسلامية"، مثلما ذكرت المحامية هدى نصر الله في حوار مع قناة الجزيرة. ولكن الكنيسة القبطية غير مجبرة على تطبيق قانون الميراث الإسلامي على الأقباط. يبقى أن نرى إن كان الحكم في قضية هدى نصرالله مجرَّد حالة فردية أو بادرة تدل على إعادة تفكير عام لدى الكنيسة القبطية.

تمت متابعة هذا الحكم في قضية هدى نصر الله باهتمام أيضًا من قِبَل المسلمين في المنطقة. إذ توجد بين المسلمين أصوات تطالب بقانون ميراث عادل وبالزواج المدني، حتى وإن كانت هذه الأصوات لا تزال قليلة في الوقت الحاضر. في تونس اقترح البرلمان في عام 2018 إصلاح قانون الميراث، ولكن لم يتم التصويت عليه حتى الآن. بينما رفض وعلى الفور علماء الأزهر في القاهرة حقَّ المساواة في الميراث باعتباره ليس من الإسلام.

وكذلك يتم إحراز الكثير من التقدّم في موضوع الزواج المدني. فقد دعت قبل فترة قصيرة وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن، وهي مسلمة سنية، إلى إدخال الزواج المدني في لبنان. وبسرعة جاءت ردود الفعل: فقد رفض البطريرك الماروني ومفتي الجمهورية اللبنانية هذا الاقتراح رفضًا تامًا. لكن مع ذلك فإنَّ هذه المسائل لم تعد من المحرَّمات والنقاش لا يزال مستمرًا.

 

كلاوديا ميند

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de