السياسة الاماراتية وتحدي مسك العصا من المنتصف

ولي عهد أبوظبي الإماراتي محمد بن زايد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولي عهد أبوظبي الإماراتي محمد بن زايد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الشرق الأوسط المشتعل باضطرابات غير معتاد على وقوع حرب بأوروبا. حرب ترددت دول عربية -كالإمارات- بحذر في تبني موقف منها. تحليل كريم الجوهري لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Karim El-Gawhary

اندهش الكثيرون في جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة في السادس والعشرين من شباط/فبراير 2022 من امتناع دولة الإمارات العربية المتَّحدة - مع الصين والهند - عن التصويت على قرار يدين الهجوم الروسي على أوكرانيا. وقبل ذلك بشهرين، شغلت الإمارات أحد المقاعد المؤقَّتة في مجلس الأمن، وحتى أنَّها تسلَّمت رئاسته لشهر آذار/مارس 2022.

وقد برَّر أنور قرقاش، وهو مستشار الأمير للشؤون الدبلوماسية، قرار بلاده الامتناع عن التصويت بقوله: "الانحياز لأي طرف بالأزمة الروسية الأوكرانية سيدفع إلى مزيد من العنف. أولويتنا هي تشجيع جميع الأطراف على تبنِّي الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة".

وكان ولي العهد الأمير محمد بن زايد قد تحدَّث في وقت سابق عبر الهاتف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ودعا ولي العهد الإماراتي خلال حديثهما هذا إلى "حلّ سلمي للأزمة الأوكرانية بما يضمن مصالح كافة الأطراف وأمنها القومي"، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الإماراتية في محضر هذه المكالمة.

 

أنور قرقاش مهندس السياسة الخارجية الإماراتية والمستشار الأكثر تأثيرًا لدى ولي عهد إمارة أبو طبي الأمير محمد بن زايد. Anwar Gargash der Architekt der emiratischen Außenpolitik; Foto:picture-alliance/AP Photo/ K. Jebreili
أنور قرقاش مهندس السياسة الخارجية الإماراتية والمستشار الأكثر تأثيرًا لدى ولي عهد إمارة أبو طبي الأمير محمد بن زايد - برَّر امتناع الإمارات (مع الصين والهند) عن التصويت على قرار يدين هجوم روسيا على أوكرانيا في جلسة لمجلس الأمن الدولي عُقدت في السادس والعشرين من شباط/ فبراير، بقوله: "الانحياز لأي طرف بالأزمة الروسية الأوكرانية سيدفع إلى مزيد من العنف. أولويتنا هي تشجيع جميع الأطراف على تبنِّي الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة". شغلت الإمارات قبل ذلك بشهرين أحد المقاعد المؤقَّتة في مجلس الأمن، وحتى أنَّها تسلَّمت رئاسته في شهر آذار/مارس 2022. غير أنَّ الإمارات بعد امتناعها عن التصويت في مجلس الأمن بخمسة أيَّام فقط، اتَّخذت منعطفًا مفاجئًا بنفس القدر من خلال تصويتها - مع دول عربية أخرى مثل السعودية ومصر - في الجمعية العامة للأمم المتَّحدة لصالح قرار يدين الغزو الروسي.

 

وحاول سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، الذي ربما يعتبر أكثر أعضاء جماعات الضغط نفوذًا في الغرب، تهدئة الأمواج المتجهة نحو الولايات المتَّحدة الأمريكية وعلاقة بلادة معها بقوله: "مثل أي علاقة. فيها أيَّام قوية، العلاقة فيها صحية جدًا. وأيَّام العلاقة فيها موضع تساؤل. واليوم نحن نمر باختبار تحمُّل، لكنني أثق بأنَّنا سنجتازه ونصل إلى وضع أفضل".

"الإمارات ليست دمية في يدّ الولايات المتَّحدة الأمريكية"

وامتناع دولة الإمارات عن إدانة الغزو الروسي يتعلق قبل كلّ شيء بتجنُّبها الوقوع في مشكلات - فقط من أجل إرضاء واشنطن - قد تضر بعلاقاتها مع موسكو، والتي أصبحت أقوى خلال السنوات الأخيرة. "أثبتت الإمارات أنَّها لم تعد دمية في يدّ الولايات المتَّحدة الأمريكية. ولمجرَّد أنَّ لدينا علاقات جيِّدة مع الولايات المتَّحدة الأمريكية، فهذا لا يعني أبدًا أنَّنا نتلقى أوامرَ من واشنطن. نحن لدينا إستراتيجيتنا الخاصة وأولوياتنا الخاصة"، مثلما قال بحماس أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله.

وتكمن خلف هذا الموقف الإماراتي عدة دوافع. فقد انزعجت الإمارات من فشل صفقة - بسبب تردُّد واشنطن - قيمتها ثلاثة وعشرين مليار دولار لشراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز إف-35 متطوِّرة جدًا. وكان هناك استياء أيضًا لأنَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يعد يدعم الإمارات في مشاركتها في حرب اليمن.

لقد كان جو بايدن قد أمر بإلغاء المتمردين الحوثيين، أي خصوم الإمارات في حرب اليمن، من قائمة الإرهابيين الأمريكية. وفي المقابل، قامت روسيا - بعد فترة قصيرة من امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن على الغزو الروسي لأوكرانيا - بتأييد قرار كنوع من "سياسة: اليد الواحدة لا تصفِّق" يطالب بفرض حظر على توريد الأسلحة لليمن ويشمل بشكل صريح المسلحين الحوثيين أيضًا.

الاستفادة من العقوبات

تضاف إلى ذلك مصالح اقتصادية ملموسة. إذ تحاول روسيا والإمارات وكذلك المملكة العربية السعودية تنسيق سياسات الطاقة الخاصة بها ضمن ما يعرف باسم مجموعة "أوبك +". وكذلك يشكِّل السياحُ الروس في هذا الوقت ثاني أكبر مجموعة في قطاع السياحة في دبي. وتعتبر مدينة دبي البرَّاقة أيضًا واحدة من أكثر وجهات السفر المفضَّلة لدى النخبة الروسية.

وفي الوقت نفسه، تعتبر الإمارات أيضًا نقطة جذب للاستثمارات الروسية وربَّما - مثلما تأمل الإمارات في السرِّ - يمكن أن تصبح أيضًا مكانًا تستطيع فيه الأقلية الحاكمة الروسية التهرُّب من العقوبات الجديدة.

 

 

⚠️⚡️BREAKING: ALL #Gulf monarchies (including #UAE who abstained on previous #UNSC resolution) voted WITH the #US & AGAINST #Russia-n invasion of #Ukraine. #SaudiArabia #UNGA

 

Tables already turning?

This is perhaps the first time they acknowledge the magnitude of the crisis. pic.twitter.com/Wx77og2zCp

— Dr. Cinzia Bianco (@Cinzia_Bianco) March 2, 2022

 

 

غير أنَّ الإمارات لم تتمكَّن من الصمود طويلاً أمام "اختبار التحمُّل"، الذي أعلنت عنه في علاقاتها مع الولايات المتَّحدة الأمريكية. فبعد امتناعها عن التصويت في مجلس الأمن بخمسة أيَّام فقط، اتَّخذت منعطفًا مفاجئًا بنفس القدر من خلال تصويتها - مع دول عربية أخرى مثل السعودية ومصر - في الجمعية العامة للأمم المتَّحدة لصالح قرار يدين الغزو الروسي.

وفي حوار مع موقع قنطرة، فسَّر هذا المنعطف المفاجئ في سياسة الإمارات خبيرُ الشرق الأوسط في مؤسَّسة كارنيغي للسلام الدولي هشام هيلير بقوله: "كان المعنيون في العواصم العربية يفكِّرون في السنوات الأخيرة أنَّ الغرب وفي مقدِّمته الولايات المتَّحدة الأمريكية يتراجع ببطء عن سياسة القوة في الشرق الأوسط. وكانوا يعتقدون أنَّ المستقبل سيكون متعدِّد الأقطاب أكثر وخاضع لهيمنة أقل من قِبَل الولايات المتَّحدة الأمريكية. وأنا أعتقد أنَّ هذا الرأي قد تغيَّر خلال الأيَّام الأخيرة".

والدول العربية تشهد حاليًا كيف يتعامل الغرب مع وجود تهديد على حدوده، وتتساءل عما يعنيه هذا بالنسبة لمستقبلها، مثلما يقول هشام هيلير ويضيف: "وهنا يتم للتو طرح الكثير من الأسئلة لدى العرب من دون أية إجابات جاهزة".

 

 

 

كريم الجوهري

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de