"استهداف محمد بن سلمان شخصياً يهدد بقلب السعودية رأسا على عقب"

إعادة تقويم العلاقات الأميركية السعودية: لماذا رفض الرئيس الأميركي بايدن فرض عقوبات مباشرة على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على الرغم من تأكيد الاستخبارات الأمريكية على أنه "وافق على عملية اعتقال أو قتل" الصحافي جمال خاشقجي؟ الخبير برنارد هيكل، يشرح في تحليله التالي أسباب عدم معاقبة محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، مسلطا الضوء على مخاطر استهدافه على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

الكاتبة ، الكاتب: Bernhard Haykel

رفض الرئيس الأميركي جو بايدن فرض عقوبات مباشرة على ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من تقييم وكالة الاستخبارات المركزية الذي أفاد أنه "وافق على عملية اعتقال أو قتل" الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول في عام 2018. من خلال عدم معاقبة محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، خيب بايدن رجاء كثيرين. لكنه أصاب في إعطاء الأولوية لواحدة من أهم علاقات أميركا الخارجية.

قَـدَّمَ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين تلخيصا جيدا لموقف الإدارة الأمريكية، قائلا إنه في حين تريد أميركا "إعادة تقويم" العلاقات الأميركية السعودية، فإن العلاقات الثنائية "أكبر من أي شخص منفردا". وفي الواقع إن تصريح بلينكين، الذي قد ينطبق على خاشقجي القتيل بقدر ما ينطبق على محمد بن سلمان، يؤكد على حقيقة مهمة. يدرك بايدن، مثله كمثل أي رئيس أميركي منذ دوايت أيزنهاور في خمسينيات القرن العشرين، أن المملكة العربية السعودية تشكل أهمية بالغة للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأميركية في كل من الشرق الأوسط وبقية العالم، وقد اختار عدم المخاطرة بتمزيق العلاقة من خلال استعداء عاهل المملكة القادم.

يشعر كثيرون من الديمقراطيين بالانزعاج إزاء الفجوة بين خطاب بايدن تجاه المملكة العربية السعودية أثناء الحملة الانتخابية، التي أعلن خلالها أنه "سيجعلهم منبوذين كما هي حالهم حقا"، وواقع التسوية والحلول الوسط في إدارة مصالح السياسة الخارجية الأميركية. وكان منتقدو بايدن يريدون ولي العهد السعودي رؤية محمد بن سلمان يُـعَـاقَـب، إن لم يُـبـعَـد عن خط الخلافة الملكية السعودية، واعتبروا قرار الامتناع عن معاقبة ولي العهد خيانة للسياسة الخارجية القائمة على القيم والتي وعد الرئيس بملاحقتها.

 

اقرأ/ي أيضًا |

برلماني أوروبي: الاتحاد الأوروبي يترك حقوق الإنسان تُداس بالأقدام

ماذا نعرف عن جريمة اغتيال جمال خاشقجي؟

 

لكن السبب وراء موقف بايدن واضح للعيان ــ وهو ليس مبيعات الأسلحة الأميركية المحتملة للمملكة، أو المبرر الذي حفز السياسة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، بنظرته الفجة القائمة على الصفقات. فالعلاقات الأميركية السعودية مبنية على العديد من المصالح الاستراتيجية المشتركة التي لا تتوقف على من هو في السلطة في الرياض أو واشنطن.

على سبيل المثال، البلدان لديهما مصلحة مشتركة في استقرار أسواق الطاقة والأسواق المالية العالمية، فضلا عن الإبقاء على هيمنة الدولار الأميركي باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية على مستوى العالم. فكل النفط السعودي يجري تداوله بالدولار، وهو ترتيب ليس لأي من الطرفين مصلحة في تغييره.

 

 

"ينطوي استهداف محمد بن سلمان بالعقوبات على تدخل غير مسبوق من جانب الولايات المتحدة في تسلسل خلافة آل سعود ويهدد بقلب البلاد رأسا على عقب"

كما تتفق أميركا والمملكة العربية السعودية على الحاجة إلى تثبيت استقرار الشرق الأوسط، ومكافحة الجماعات الجهادية العالمية، واحتواء إيران، وإنهاء الحرب في اليمن وإعادة بناء البلاد ــ وعلى ضرورة تطبيع العلاقات مع إسرائيل من جانب الدول العربية. وحتى السيطرة على جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) تتطلب المساعدة من جانب المملكة العربية السعودية، خاصة وأن الحج السنوي إلى مكة، والذي من المحتمل أن يُـستـأنَـف هذا العام، كان تاريخيا منطلقا رئيسيا لكل الفاشيات المرضية العالمية الكبرى.

لكل هذه الأسباب يجب أن تظل العلاقات الثنائية متينة، ويجب أن تظل المملكة مستقرة. ينطوي استهداف محمد بن سلمان بالعقوبات على تدخل غير مسبوق من جانب الولايات المتحدة في تسلسل خلافة آل سعود ويهدد بقلب البلاد رأسا على عقب.

تعامَـلَ ترمب مع السعوديين بطريقة شخصية للغاية، وغالبا من خلال صهره جاريد كوشنر، الذي حافظ على علاقة مباشرة وثيقة مع محمد بن سلمان. وعمل هذا النهج على تشجيع سلوكيات بالغة الخطورة من كلا الجانبين، مثل القرار الذي اتخذه محمد بن سلمان في عام 2017 بمقاطعة قطر أو استعداد ترمب للسماح لإيران بقصف سفن شحن ومنشآت النفط السعودي مع الإفلات من العقاب خلال صيف وخريف عام 2019.

اقرأ/ي أيضًا | باحث ألماني حول السعودية: لا تناقض لدى محمد بن سلمان بين الإصلاح الاجتماعي والتسلط السياسي

الأمر الأكثر أهمية أن تكتيكات ترمب ساهمت أيضا في تقويض العلاقات المؤسسية التي كانت لفترة طويلة محورية في العلاقات الأميركية السعودية، مثل العلاقات بين وزارتي الخارجية، وأجهزة الاستخبارات، والقوات المسلحة، ووزارات المالية والطاقة، والبنكين المركزيين في البلدين. وتتمحور "إعادة التقويم" من جانب بايدن في الأغلب حول إعادة ترسيخ هذه الروابط المؤسسية مع الإقلال من التركيز على التبادلات الشخصية الرفيعة المستوى.

فَــرَضَ وجود بايدن بالفعل تأثيرا مقيدا على القيادة السعودية، التي أشارت إلى تغيير في السياسة على عدد من الجبهات. وفي قيامها بذلك، اعترفت ضمنا بفشل استراتيجياتها في التعامل مع اليمن وقطر، فضلا عن القمع المفرط للمعارضة في الداخل.

على سبيل المثال، حاول السعوديون ــ دون تحقيق نجاح يُـذكَر حتى الآن ــ حل الصراع مع المتمردين الحوثيين في اليمن المدعومين من قِـبَـل إيران، وأنهوا مقاطعة قطر. وعلى المستوى المحلي، أطلقت السلطات السعودية سراح عدد قليل من المعارضين السياسيين والمصلحين، وأبرزهم لجين الهذلول، الناشطة الشجاعة.

إن الولايات المتحدة قادرة على البناء على هذه التطورات الإيجابية من خلال تشجيع المزيد من التغيير مع التروي والحذر ــ مثل إنهاء الحرب في اليمن، نظرا لنفوذ المملكة على مختلف أطراف النزاع. وقد تشمل التدابير السعودية في هذا الصدد إجراء محادثات مباشرة مع إيران وإطلاق سراح المزيد من السجناء السياسيين.

دأب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب على إحراج القيادة السعودية علنا، بأسلوبه الصاخب المتغطرس، وهو ما لم يعد بأي قدر من الفائدة على أميركا أو المملكة.

أما نهج بايدن الأكثر نعومة ولينا، والذي يستند إلى مصالح مشتركة، فسوف يثبت كونه أعظم نفعا وأقدر على الاستمرار، بل وربما يساعد الشاب الذي سيصبح ملكا قريبا على اكتساب الثقة وتصحيح الاتجاه.

 

برنارد هيكل

ترجمة: إبراهيم محمد علي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2021

برنارد هيكل أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة برينستون.

 

 

 

طالع/ي أيضا: مقالات تحليلية من خبراء موقع قنطرة

بعد تقرير أمريكي يتهم محمد بن سلمان بقتل خاشقجي: هل يذهب بايدن بعيدا ويطلب ولي عهد سعوديا آخر؟

أطنان الهيدروجين الأخضر بدل براميل النفط: السعودية من عملاق نفطي إلى مُصدِّر للطاقة المتجددة؟

ذكريات أطباء سعوديين في ألمانيا - أدب رحلات إثنوغرافي: ألمانيا الستينيات بعيون طبيب سعودي

في رثاء راعي القطط ـ"برق ورعد"ـ ـ"في عيون القطط ترونني وأراكم"ـ قصة الناشط السعودي أبو عبد الرحمن

الفيلم السعودي "المرشحة المثالية" للمخرجة هيفاء المنصور: صورة عن نساء ورجال السعودية أصدق مما في الأخبار الغربية