"اللاجئ السوري إنسان فقد حياته مرتين"

الفنانة لينا شامَميان تحتضن طفلا سوريا لاجئا
الفنانة لينا شامَميان تحتضن طفلا سوريا لاجئا

في الحوار التالي مع الصحافية ريم ضوا تتحدث الفنانة السورية لينا شامَميان عن دورها كفنانة في التعريف بأوضاع اللاجئين السوريين. وتقول إن حياتها في المهجر الأوروبي يمنحها فرص التفاعل مع ثقافات أخرى ويضفي على إبداعاتها الفنية ألوانا جديدة.

الكاتبة ، الكاتب: ريم ضوا

بصوتها الساحر وحضورها المتميز غنت قصائد الحب والغزل على ألحان شرقية وغربية أعادت بها نسيج التراث السوري من مختلف المناطق.

في مركز "كامبناغل" الثقافي في مدينة هامبورغ بشمال ألمانيا المطربة السورية سحرت لينا شامميان جمهورها بصوتها العذب وشعرها الغجري، وألقت التحية بطريقة طريفة باللغة الألمانية على جمهورها الكبير في مهرجان صيف هامبورغ بعد زيارتها أحد مراكز إيواء اللاجئين في المدينة.

ما هي ارتساماتك عن زيارتك لمركز لإيواء اللاجئين في هامبورغ، وما هي النشاطات التي قمتِ بها مع اللاجئين؟

لينا شامَميان: كانت زيارتي للمركز مثيرة للاهتمام حقاً، الناس هناك بحاجة لهذا النوع من النشاط ولأن يشعروا بالاهتمام من خلال زيارات كهذه، كي لا يشعروا بأنهم منسيين، بحاجة للموسيقى التي تبعث في نفوسهم الأمل وتزودهم بالطاقة الإيجابية.

سررت بلقاء الجميع وخصوصاً الأطفال والملفت للانتباه أنهم بالرغم من وجودهم في بلد أوروبي وتعلمهم لغة البلد، إلا أنهم ما زالوا سوريين، يحتفظون بالروح السورية بكل معنى الكلمة. قمت بالغناء معهم وحاولت اكتشاف المواهب من بينهم، وانتبهت بأن المراهقين هم أكثر المعنيين بتعلم الموسيقى وقد تفاجأت بتحضيرهم للنوتة الموسيقية قبل حضوري وعزفها على البيانو، بالإضافة إلى وجود العديد من لوحات الرسم الجميلة. من الرائع وجود كل هذه الطاقات الفنية بينهم ومن الضروري جداً الاهتمام بها لأنها قد تتطور لأكثر من مجرد هواية، والأهم من ذلك أنها قد تخفف الألم والقهر الذي مرّ بهؤلاء الأطفال والشباب وتحول الطاقة الموجودة بداخلهم إلى شيء إبداعي.

كيف تنظرين إلى أزمة اللاجئين في أوروبا؟

لينا شامَميان: اللجوء بحد ذاته ظلم، اللاجئ إنسان مظلوم، فقد حقوقه الكريمة بأرضه وممتلكاته وربما فقد بعض الأشخاص أو أهله. اللاجئ إنسان قد ظُلم من قبل انتقاله إلى أرض أخرى، غريبة عنه كلياً بلغتها وناسها. قد يحظى أطفال اللاجئين بحياة أفضل ومستقبل بظروف واعدة، أما بالنسبة للاجئ نفسه وخصوصاً الشباب والمتقدمين في السن فان الوضع صعب جداً. إنه إنسان فقد حياته مرتين، مرة في أرضه وأخرى في أرض اللجوء حيث عليه البدء والتأسيس لحياته من نقطة الصفر.

الوضع في مركز اللجوء صعب من جوانب مختلفة أيضاً، والجميع في مرحلة انتظار الإجراءات وصدور تصريح الإقامة للانطلاق نحو بدء الحياة من جديد. والقدرة على التكيف تتفاوت من شخص لآخر. باختصار الحرب ظلم، واللجوء يترجم هذا الظلم.

لقاء فني مع شبان وأطفال لاجئين سوريين بألمانيا
لقاء فني مع شبان وأطفال لاجئين سوريين بألمانيا

نشأت لينا في أسرة تجمع الثقافتين الأرمنية والعربية، ما مدى تأثير ذلك في ما تقدميه؟

لينا شامَميان: ولدت في دمشق، والدي أرمني ووالدتي دمشقية، انعكس ذلك على شخصيتي أولاً وعلى الموسيقى التي أقدمها، ولذلك فهي خليط. إحساسي بالموسيقى العربية وبالنص العربي بشكل خاص عالي جداً، كما أن إحساسي بالموسيقى الأرمنية عالي أيضاً.

أغني لغات عديدة، وحالياً أحضر في فرنسا لمشروع عربي فرنسي إنجليزي أرمني سيرياني، لأنني أجيد خمس لغات ويهمني جداً تقديم ذلك في أعمالي الموسيقية لأنها ترمز إلى سوريا، سوريا الوعاء الذي يحتضن هذه الثقافات المختلفة. ومستقبلاً سأغني باللغة الكردية والشركسية أيضاً، كل ذلك يمثلنا نحن كسوريين.

رغم الحرب وكل ما يجري يجب أن نجتمع في نقطة ما، لذلك أغني من تراث لواء إسكندرون كما أغني من تراث اللاذقية ودرعا وحمص وغيرها. لأن الموسيقى هي الشيء الوحيد الذي يوحدنا بغض النظر عما حدث في التاريخ.

بانتقالك إلى باريس، ماذا أضافت الحياة في هذه البيئة الجديدة إلى مسيرتك الفنية والثقافية؟

لينا شامَميان: انتقلت إلى باريس عام 2011 وأقيم هناك بصفتي المهنية الفنية وليس كلاجئة. ساعدني وجودي في أوروبا بالانطلاق إلى العالمية نوعاً ما من خلال المهرجانات التي أشارك فيها، بالإضافة إلى لقاء السوريين في الحفلات - كحفلة اليوم- الذين أصبحوا منتشرين في أوروبا، الأمر الذي أراه إيجابياً، إذ قد يكون انتشاراً للثقافة السورية الغنية على حد سواء.

الموسيقى الكلاسيكية أو الجاز يشكل تحدياً لا يستهان به لكثير من الفنانين والفنانات، لمَ اخترت هذا النوع بالذات من الغناء؟

لينا شامَميان: ببساطة لأنه صعب ومختلف ويتطلب التحدي.. هذا ما أحب، أريد تقديم فن يشبهني أنا شخصياً ومتميز عن الآخرين وطبعاً هذا ليس بالأمر السهل ويتطلب الكثير من التحدي والإصرار.. والتضحية ربما على الصعيد الشخصي للوصول لهذا الاختلاف.

ما هي الصعوبات التي تواجهك للمحافظة على الجمهور العربي في حين أنك مستقرة في بلد أوروبي؟

لينا شامَميان: في حقيقة الأمر، بعد الانتشار الكبير للجمهور العربي في أوروبا لا أواجه أي صعوبة، ولو لم يكن الوضع، كذلك كنت سأظل على تواصل من خلال الحفلات المتواصلة في سوريا والبلدان العربية. وهذا الأمر يعيدني للجذور، أي للتركيز والاهتمام بالموسيقى الشرقية، ولو كنت في سوريا كنت سأقوم بالتركيز على الموسيقى الغربية أكثر.

هل تعتقدين بأن الفن قد يبني جسوراً بين الثقافات، كيف ذلك؟

في الواقع لا يمكن اعتبار أي موسيقى بمثابة جسر للتواصل، على سبيل المثال الموسيقى الشرقية البحتة، ليست جسرا، بل ذوق فني. الموسيقى لا تحتاج لغة للوصول للناس، ولكن إن لم تحتضن عناصر من الموسيقى الثانية من الصعب جذب الأجنبي إليها. ومثلاً لو لم تتضمن الموسيقى التي أقدمها عناصر غربية سيكون من الصعب جذب الأجنبي، والشيء ذاته بالنسبة للمستمع الشرقي إن لم تتضمن عناصر شرقية. ببساطة هي معادلة، وتعلم دائم بالإطلاع على ما تقدمه موسيقى الشعوب الأخرى.

كيف أثرت الحرب في سوريا على طبيعة الموسيقى التي تقدمينها؟

بل الحرب كنت أكثر اعتماداً على الآخرين فيما يخص الموسيقى التي أقدمها، أما بعد الحرب فلم أعد أحتمل فكرة الوصاية من أحد، كلمتي وإحساسي سيكون من الصعب على أي شخص آخر غيري إيصالها. إيماني بالصوت البشري أكبر من قدرة أي موسيقي على ترجمته، الموسيقي يشعر بالآلات الموسيقية أكثر بينما الصوت البشري يفهمه المغني وحده. لذا وجدت نفسي مضطرة لأتعلم وتمكنت فعلاً من إنجاز الألبوم حينها كاملاً بنفسي، وطبعاً في الألبومين الجديدين تعاونت مع موسيقيين وموزعين، والتعاون بالتأكيد يجعل العمل أسهل. ولكنني تعلمت من خلال ذلك معنى الاعتماد على نفسي في مواجهة ظروف صعبة.

[embed:render:embedded:node:25888]

في جولة الصيف لهذا العام، ما هي الروح الجديدة التي تميزّها عن باقي الجولات؟

كل حفلة كانت مختلفة عن الأخرى، هذا العام بدأت بحفلة في مهرجان باريس بعدد حضور كبير وتكللت بنجاح مذهل، وتم نقل الحفلة عبر التلفزيون الفرنسي، المشاركة في مهرجان كهذا، كانت بمثابة حلم بالنسبة لي. وبعد ذلك أقمت حفلة مهرجان بيت الدين في لبنان التي كانت مع الفنانين نصير شمة وشربل روحانا، والأوركسترا اللبنانية وفرقة كندية. كان صدى الحفلة كبير جداً بين الصحافة والجمهور. بعد ذلك جاءت حفلة عمان مع سعاد ماسي وتلتها عدة حفلات وصولاً إلى حفلة اليوم في هامبورغ التي كانت ناجحة جداً أيضاً.

كيف وجدتِ التفاعل من قبل الجمهور العربي والسوري في ألمانيا؟

كان عدد الحضور كبيراً جداً والقاعة امتلأت بهم، غنوا ورقصوا بشوق واضح للفرح، كنت سعيدة جداً بهذا التفاعل الجميل رغم التعب والتحضير الطويل. بعد الحفلة كانوا خارج القاعة بانتظاري لالتقاط الصور معهم.. ببساطة كانت الأجواء رائعة.

هل كان هناك أيضاً تفاعل من الجمهور الألماني؟

نعم، وتحدثت مع العديد من الألمان. في البداية شعروا بالغرابة إزاء موسيقى تجمع اللونين الشرقي والغربي، ولكن وجود العناصر الغربية جعلت مما أقدمه نوعاً مألوفاً لديهم أو بالأحرى يشبههم.

ما هي التحضيرات والحفلات المقبلة؟

من أهم التحضيرات القريبة هي الألبوم الجديد، أما بالنسبة للحفلات فستكون حفلة بولونيا، آخر حفلة في جولة هذا الصيف بالاشتراك مع كبار الموسيقيين على المستوى العالمي.

ما هي أمنيتك ولمن تهدي نجاحاتك؟

أمنيتي أن تنتهي الحرب بأقل الخسائر وبأقرب وقت، وأن يرجع السلام لبلدي. أهدي نجاحي لجمهوري طبعاً ولبلدي، كما أهديه أيضاً للناس، سواء من الوسط الفني أو خارجه، بمن فيهم الذين راهنوا يوما ما على فشلي، وذلك ليس غروراً بل إثبات ذات فقط.

 

 

أجرت الحوار: ريم ضوا

حقوق النشر دويتشه فيله 2017

لينا شامَميان مطربة سورية من أصول أرمنية من مواليد دمشق. انتقلت إلى باريس منذ عدة سنوات. اشتهرت بطابعها الغنائي المميز الذي يجمع بين اللونين الكلاسيكي والجاز الشرقي وقامت بتقديم أغاني الفلكلور بأسلوب جاز متفرد. كما تشارك في تلحين وكتابة ألبوماتها. نالت جائزة الموسيقى الأولى للشرق الأوسط عام ٢٠٠٦ المقدمة من إذاعة مونتي كارلو الدولية