خسران الوطن وجع أليم

الكاتبة والمخرجة الألمانية الإيرانية سيبا شكيب
الكاتبة والمخرجة الألمانية الإيرانية سيبا شكيب

كاتبة ومخرجة ألمانية إيرانية وُلدت في طهران تتناول كتبها الأصل والماضي. حاورها شايان رياض لموقع قنطرة عن إحدى رواياتها وعن الوطن والدين وجدل ألمانيا حول الهوية.

الكاتبة ، الكاتب: Schayan Riaz

السيِّدة سيبا شكيب، كلمة الوطن تتردَّد كثيرًا في روايتك (شجرة الكرز التي لم تهبها لأمّها قَطّ). والمقصود بالوطن هنا إيران وإيطاليا، اللتين تنسحب إليهما بطلةُ الرواية. فما هي علاقتك بهذه الكلمة؟

سيبا شكيب: الفكرة الرئيسية في الرواية هي الخسارة. والوطن بالنسبة لي مرتبط بالخسارة. وأنا لا أقصد ذلك بالمعنى الفلكلوري، بل أقصد الخسارة الواقعية لمكان لا يعد بإمكان المرء أن ينتمي إليه.

عندما غادرت إيران من أجل الدراسة، سافرت بحقيبة وكنت أريد العودة إلى إيران خلال عطلة الفصل الدراسي. ولم يكن في نيَّتي البقاء في ألمانيا أو أمريكا.

وسارت الأمور بشكل جيِّد طيلة فصلين دراسيَّين، ولكن فجأةً قالوا لي إنَّني لم يعد بإمكاني العودة إلى وطني. وقد خلق هذا بالنسبة لي ألمًا كبيرًا، فراغًا.

وهذا أحد الأشياء التي أردت سردها في هذه الرواية. ومصطلح "الوطن" يحمل بالنسبة لي دلالات سلبية وإيجابية.

الغلاف الألماني لكتاب "شجرة الكرز التي لم تهبها لأمّها قَطّ" للكاتبة والمخرجة الألمانية الإيرانية سيبا شكيب. Buchcover von Siba Shakibs "Der Kirschbaum, den sie ihrer Mutter nie schenkte"; Quelle: Bertelsmann Verlag
رواية عميقة حول القوة الشافية في سرد القصص: تقف بطلة الرواية أنوش عند نقطة تحوُّل - فقد انتحرت صديقتها أنوك، وهي مثلها من أبٍ إيراني وأمٍ ألمانية وقد نشأت معها في طهران. بالنسبة لأنوش يتوقَّف الزمن. تنسحب إلى بيتها الصغير في منطقة ماركي الإيطالية من أجل معالجة الذكريات الصادمة. ثم تظهر لديها فجأةً امرأةٌ غامضة تقول إنَّها فقدت ذاكرتها. المرأتان ترويان لبعضهما قصتهما وتتمكَّنان من إيجاد نفسيهما مرة أخرى. ولدت الكاتبة والمخرجة الألمانية الإيرانية سيبا شكيب (بالفارسية: زیبا شکیب) في طهران. تتناول كتبها الأكثر مبيعًا موضوعات مثل الأصل والماضي. وفي حوارها لموقع قنطرة تتحدَّث حول روايتها "شجرة الكرز التي لم تهبها لأمّها قَطّ" وكذلك حول الوطن والدين وجدل ألمانيا حول سياسة الهوية.

متى كنت آخر مرة في إيران؟

سيبا شكيب: قبل عشرين عامًا. تخطر ببالي هذه المقارنة السخيفة: كثيرًا ما نتصوَّر عندما يكون هناك فراق أنَّه لا بدّ من أن تكون هناك مضاجعة أخيرة أو طقوس وداع معيَّنة حتى يتمكنَّ المرء من إنهاء العلاقة نهائيًا.

 وأنا كنت أفكِّر دائمًا بأنَّني سأعود في العام التالي أو في وقت ما، ولذلك لم تكن لديَّ أية طقوس وداع. وربَّما لهذا السبب استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تمكَّنت من الوصول إلى نهاية مع إيران.

ومع ذلك فأنا لا أجعل هذا البلد مثاليًا، لأنَّ فيه أشياء كثيرة تسير بشكل خاطئ الآن: الخلط بين الدين والدولة والفساد وإساءة استعمال المخدِّرات والاضطرار إلى ممارسة الدعارة وأشياء أخرى كثيرة.

 

"صادقة وقريبة بقدر الإمكان"

 

أنا لست متديِّنة، لا، أنا إنسانة مناهضة للدين، ويمكنني رؤية سلبيات ثقافتنا ونقاط ضعفها. وعلى الرغم من ذلك، فقد تم انتزاعي من كلِّ ذلك واستغرق الأمر بالنسبة لي وقتًا طويلًا حتى أدركت أنَّني يجب أن أنهي هذه العلاقة.

 

ماذا تقصدين بـ"مناهضة للدين"؟ بإمكان المرء طبعًا أن يكون غير متديِّن أيضًا، ولكن ليس ضدَّ الدين.

سيبا شكيب: يثير غضبي أنَّ الكثير جدًا من الناس يتم الاستخفاف بهم واعتبارهم جاهلين من خلال الدين.

 

إذًا أنت ليست لديك أية مشكلة مع الدين بحدِّ ذاته، بل مع استغلاله؟

سيبا شكيب: بل لديَّ مشكلة مع الدين بحدِّ ذاته. كلما كان المجتمع أكثر تعليمًا أصبح من الأسهل على الناس تحرير أنفسهم من الدين كممارسة جماعية إلزامية وتقييد.

وعندئذ يصبح الدين وعلى نحو متزايد مسألة خاصة. وتحتل القوانين العلمانية مكان الصدارة وتكسب أهمية. وفي المقابل، كلما كان المجتمع أقل حرِّية كان بالإمكان أن تُفرض عليه المزيد من القوانين والقواعد الدينية وأن تحدِّد حياته اليومية.

 

بطلة روايتك لديها الكثير من الشكّ في الذات، الذي يتعلق أحيانًا بكتاب لم تكتبه حتى النهاية وأحيانًا بفيلم وثائقي لم تتمكَّن من إكماله. فهل تعكسين بذلك أيضًا عملك وحياتك المهنة؟

سيبا شكيب: أقول دائمًا عندما أُقدِّم قراءات أو أُلقي محاضرات إنَّني كان يجب عليَّ الفشل مرارًا وتكرارًا حتى وصلت حيث أقف اليوم.

وكان من الضروري بالنسبة لي أن أشرح أنَّ النجاح - مهما كان معناه - يُكلّف أو يمكن أن يُكلّف الكثير من العمل والمعاناة والألم.

وفي حالتي، توجد دائمًا لعملي علاقة كبيرة بحياتي وبتجاربي الخاصة. أَتعلم، لقد استغرقت كتابة هذه الرواية عشر سنين لأنَّني حاولت أن أكون صادقة وقريبة بقدر الإمكان من العالم الموجود بداخلنا.

 

هل تتم قراءة أعمالك في البلاد التي تدور فيها أحداث هذه الأعمال أيضًا؟

سيبا شكيب: من المثير للاهتمام أنها نعم مقروءة هناك. لقد كان الناشر يريد بيع كتبي في إيران، ولكننا اكتشفنا أنَّها متوفِّرة بالفعل هناك. وكانت مترجمة ولها أرقام إيداع دولية وأغلفة جميلة. ولكنها كانت من دون ترخيص رسمي.

ومع ذلك فهذا مقبول. المهم بالنسبة لي أن تتم قراءة كتبي في باكستان وإيران وأفغانستان. وفي هذه الحالة فإنَّ عدم حصولي على نصيبي من بيعها ليس سيئًا إلى هذا الحدّ.

 

"النقد يجب أن يبقى بنَّاءً"

 

ما هو أكثر ما تتمنينه عندما تكتبين حول هذه البلدان لقرَّاء غالبيتهم من الألمان؟ هل ترغبين في تقريب القرَّاء الألمان من  هذه البلدان؟

سيبا شكيب: عندما أبدأ الكتابة، لا تكون لديَّ سوى فكرة معرفة إلى أين ستأخذني هذه الرحلة. وبناءً على ذلك فأنا لا أعرف أحيانًا حتى البلدان التي ستظهر في الكتاب.

وفقط عندما أكتب يتَّضح لي كيف أريد أن أروي قصة ما. وهدفي الرئيسي هو تقريب قرَّائي من العوالم الداخلية الخاصة ببطلات رواياتي.

ولكن طبعًا من الجميل عندما أستطيع أن أنقل للقرَّاء الأوروبيين نظرة أفضل إلى الثقافات الأجنبية ومنظورًا مختلفًا عن المنظور السائد في نشرات الأخبار. وفي ذلك لا يتعلق الأمر بوصف بؤس البلدان الأخرى، بل بكيفة تعامل الناس مع هذا البؤس.

 

نحن نناقش في ألمانيا منذ فترة مصطلح "سياسة الهوية". فكيف تقيِّمين هذا التطوُّر بصفتك كاتبة ألمانية إيرانية نشرت كتابها الأوَّل قبل نحو عشرين عامًا؟

سيبا شكيب: لحسن الحظ أنَّنا نناقش هذا الموضوع منذ فترة أطول. ولكن في الواقع، لم تكن الأقليات ترى في الماضي أي حقّ لها في الحديث بصوت مرتفع حول اهتماماتها. من ناحية أخرى، أجد المصطلحات مثل "الرجل الأبيض كبير السنّ" عبثية.

فماذا يعني إن كان رجلًا أبيضَ كبير السنّ ويقول أشياء لا تعجب أحدًا أو غير صحيحة. ولماذا لا نستطيع التعامل مع ذلك بأدب وعلى نحو بنَّاء؟ عمليات الاستبعاد غير صحيحة. والنقدُ يجب أن يبقى بنَّاءً ويُشرِك المُنتقَدين أنفسَهم فيه حتى يحدث تغيير.

"الرجال البيض كبار السنّ بوسعهم قول الشيء الصحيح أيضًا"

 

ولكن أليس من واجبنا تأنيب مَنْ يقول شيئًا خاطئًا؟

سيبا شكيب: ليس باستخدام صفات مثل "كبير السنّ" أو "أبيض" - هذا خطأ. فما علاقة "الرجل الأبيض كبير السنّ" بقول شيءٍ خاطئ؟ ففي آخر المطاف، يوجد أيضًا رجالٌ بيض كبار السنّ يقولون الشيء الصحيح.

عندما نريد أن نكون أذكياء بما يكفي من أجل تحديد أخطاء الآخرين، فيجب علينا أن نرد عليها بشكل مختلف بحيث أنَّنا لا نقع في الفخ ذاته.

 

نساء في إيران. Frauen im Iran; Foto: picture-alliance/Zuma Press/R. Fouladi
Der Verlust der Heimat schmerzt, auch wenn diese Heimat eine schwierige ist. Vor 20 Jahren war Siba Shakib zuletzt im Iran. "Wenn man sich trennt, gibt es oft diese Vorstellung, dass es noch einen letzten Geschlechtsakt oder ein Abschiedsritual geben muss, damit man endgültig damit abschließen kann,“ sagt Shakib im Interview mit Shayan Riaz. "Ich hatte kein Abschiedsritual. Vielleicht hat es deshalb so lange gedauert, bis ich mit dem Iran abschließen konnte. Aber ich idealisiere das Land nicht. So vieles läuft dort gerade falsch: Die Vermischung von Religion und Regierung, die Korruption, der Missbrauch von Drogen, Notprostitution und so vieles mehr.“

 

إذا كان المرء قد تعرَّض للتمييز طيلة عقود من الزمن، فأنا شخصيًا أعتقد أنَّه لا بأس إن كان فظًا شيئًا ما في تعامله. وإلَّا فلن يعد يستمع إليه أحد بعد. مثلًا، الأشخاص السود لا يزالون يواجهون حتى اليوم العنصرية بشكل يومي، وهم ليسوا الوحيدين.

سيبا شكيب: السؤال هو: ما هو الهدف الرئيسي هنا. يجب ألَّا تكون الخطوات إلى الهدف على نحو يعرقل الطريق إلى الهدف.

عندما يقول شخصٌ مثل سياسي الحزب الاشتراكي الديمقراطي فولفغانغ تييرسه شيئًا ليس صحيحًا فعندئذ أُركِّز على ما قاله (انتقد تييرسه سياسة الهوية في مقال لصحيفة فرانكفورتر ألغماينة تسايتونغ في شباط/فبراير 2021).

ولا أُركِّز على حقيقة أنَّه كشخص أبيض ليست لديه أية نقاط اتصال مع ثقافات محدَّدة. وبهذا أنا أهينه فقط، ولكنني لن أحقَّق أي شيء.

 

دعينا نتحدَّث قليلًا حول كتابك. لقد اخترت عنوانًا جميلًا لروايتك، فما هي قصة هذا العنوان؟

سيبا شكيب: هذا العنوان هو جزء من سيرتي الذاتية أو بالأحرى جزء من سيرة أمي. لقد أخبرتني أنَّها كثيرًا ما كانت تشعر بالجوع عندما كانت طفلة صغيرة وكان يجب عليها مثلًا أن تقطف الكرز ولكن لم يكن يُسمح لها بأن تأكل منه.

لقد أثَّر ذلك بي كثيرًا وأحزنني ولذلك قلت لها أنَّني عندما أكبر سأهديها شجرة كرز، حتى تستطيع أن تأكل ما تريد من الكرز. وعندما اشتريت لها ولأبي بيتًا، زرعتُ شجرة كرز في حديقته.

 

هل كانت لديك على العكس من بطلة الرواية علاقة جيدة مع أمك؟ فعلى أية حال لقد اشتريت لها بيتًا مع شجرة كرز.

سيبا شكيب: لقد كانت وما تزال علاقة مليئة بالنزاعات. للأسف، غالبًا ما تكون العلاقة بين الأم وابنتها غير سهلة. لقد عالجت في الرواية الكثير من لحظات السيرة الذاتية.

وقد كلَّفني ذلك الكثير من الشجاعة. ولكنني أعتقد أنَّ من واجبي وأنَّني مدينة لقرَّائي بالكشف عن حياتي بصدق وعلى مستوى عميق بقدر الإمكان.

 

 

شايان رياض

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de

 

رواية الكاتبة سيبا شكيب: "شجرة الكرز التي لم تهبها لأمها قطّ"، صدرت عن دار نشر برتلسمان، سنة 2021.