
الكاتبة والمخرجة الألمانية الإيرانية سيبا شكيبخسران الوطن وجع أليم
السيِّدة سيبا شكيب، كلمة الوطن تتردَّد كثيرًا في روايتك (شجرة الكرز التي لم تهبها لأمّها قَطّ). والمقصود بالوطن هنا إيران وإيطاليا، اللتين تنسحب إليهما بطلةُ الرواية. فما هي علاقتك بهذه الكلمة؟
سيبا شكيب: الفكرة الرئيسية في الرواية هي الخسارة. والوطن بالنسبة لي مرتبط بالخسارة. وأنا لا أقصد ذلك بالمعنى الفلكلوري، بل أقصد الخسارة الواقعية لمكان لا يعد بإمكان المرء أن ينتمي إليه.
عندما غادرت إيران من أجل الدراسة، سافرت بحقيبة وكنت أريد العودة إلى إيران خلال عطلة الفصل الدراسي. ولم يكن في نيَّتي البقاء في ألمانيا أو أمريكا.
وسارت الأمور بشكل جيِّد طيلة فصلين دراسيَّين، ولكن فجأةً قالوا لي إنَّني لم يعد بإمكاني العودة إلى وطني. وقد خلق هذا بالنسبة لي ألمًا كبيرًا، فراغًا.
وهذا أحد الأشياء التي أردت سردها في هذه الرواية. ومصطلح "الوطن" يحمل بالنسبة لي دلالات سلبية وإيجابية.

متى كنت آخر مرة في إيران؟
سيبا شكيب: قبل عشرين عامًا. تخطر ببالي هذه المقارنة السخيفة: كثيرًا ما نتصوَّر عندما يكون هناك فراق أنَّه لا بدّ من أن تكون هناك مضاجعة أخيرة أو طقوس وداع معيَّنة حتى يتمكنَّ المرء من إنهاء العلاقة نهائيًا.
وأنا كنت أفكِّر دائمًا بأنَّني سأعود في العام التالي أو في وقت ما، ولذلك لم تكن لديَّ أية طقوس وداع. وربَّما لهذا السبب استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تمكَّنت من الوصول إلى نهاية مع إيران.
ومع ذلك فأنا لا أجعل هذا البلد مثاليًا، لأنَّ فيه أشياء كثيرة تسير بشكل خاطئ الآن: الخلط بين الدين والدولة والفساد وإساءة استعمال المخدِّرات والاضطرار إلى ممارسة الدعارة وأشياء أخرى كثيرة.
"صادقة وقريبة بقدر الإمكان"
أنا لست متديِّنة، لا، أنا إنسانة مناهضة للدين، ويمكنني رؤية سلبيات ثقافتنا ونقاط ضعفها. وعلى الرغم من ذلك، فقد تم انتزاعي من كلِّ ذلك واستغرق الأمر بالنسبة لي وقتًا طويلًا حتى أدركت أنَّني يجب أن أنهي هذه العلاقة.
ماذا تقصدين بـ"مناهضة للدين"؟ بإمكان المرء طبعًا أن يكون غير متديِّن أيضًا، ولكن ليس ضدَّ الدين.
سيبا شكيب: يثير غضبي أنَّ الكثير جدًا من الناس يتم الاستخفاف بهم واعتبارهم جاهلين من خلال الدين.
إذًا أنت ليست لديك أية مشكلة مع الدين بحدِّ ذاته، بل مع استغلاله؟
سيبا شكيب: بل لديَّ مشكلة مع الدين بحدِّ ذاته. كلما كان المجتمع أكثر تعليمًا أصبح من الأسهل على الناس تحرير أنفسهم من الدين كممارسة جماعية إلزامية وتقييد.
وعندئذ يصبح الدين وعلى نحو متزايد مسألة خاصة. وتحتل القوانين العلمانية مكان الصدارة وتكسب أهمية. وفي المقابل، كلما كان المجتمع أقل حرِّية كان بالإمكان أن تُفرض عليه المزيد من القوانين والقواعد الدينية وأن تحدِّد حياته اليومية.
بطلة روايتك لديها الكثير من الشكّ في الذات، الذي يتعلق أحيانًا بكتاب لم تكتبه حتى النهاية وأحيانًا بفيلم وثائقي لم تتمكَّن من إكماله. فهل تعكسين بذلك أيضًا عملك وحياتك المهنة؟
سيبا شكيب: أقول دائمًا عندما أُقدِّم قراءات أو أُلقي محاضرات إنَّني كان يجب عليَّ الفشل مرارًا وتكرارًا حتى وصلت حيث أقف اليوم.
وكان من الضروري بالنسبة لي أن أشرح أنَّ النجاح - مهما كان معناه - يُكلّف أو يمكن أن يُكلّف الكثير من العمل والمعاناة والألم.
وفي حالتي، توجد دائمًا لعملي علاقة كبيرة بحياتي وبتجاربي الخاصة. أَتعلم، لقد استغرقت كتابة هذه الرواية عشر سنين لأنَّني حاولت أن أكون صادقة وقريبة بقدر الإمكان من العالم الموجود بداخلنا.
هل تتم قراءة أعمالك في البلاد التي تدور فيها أحداث هذه الأعمال أيضًا؟
سيبا شكيب: من المثير للاهتمام أنها نعم مقروءة هناك. لقد كان الناشر يريد بيع كتبي في إيران، ولكننا اكتشفنا أنَّها متوفِّرة بالفعل هناك. وكانت مترجمة ولها أرقام إيداع دولية وأغلفة جميلة. ولكنها كانت من دون ترخيص رسمي.
ومع ذلك فهذا مقبول. المهم بالنسبة لي أن تتم قراءة كتبي في باكستان وإيران وأفغانستان. وفي هذه الحالة فإنَّ عدم حصولي على نصيبي من بيعها ليس سيئًا إلى هذا الحدّ.
"النقد يجب أن يبقى بنَّاءً"
ما هو أكثر ما تتمنينه عندما تكتبين حول هذه البلدان لقرَّاء غالبيتهم من الألمان؟ هل ترغبين في تقريب القرَّاء الألمان من هذه البلدان؟
سيبا شكيب: عندما أبدأ الكتابة، لا تكون لديَّ سوى فكرة معرفة إلى أين ستأخذني هذه الرحلة. وبناءً على ذلك فأنا لا أعرف أحيانًا حتى البلدان التي ستظهر في الكتاب.
وفقط عندما أكتب يتَّضح لي كيف أريد أن أروي قصة ما. وهدفي الرئيسي هو تقريب قرَّائي من العوالم الداخلية الخاصة ببطلات رواياتي.
ولكن طبعًا من الجميل عندما أستطيع أن أنقل للقرَّاء الأوروبيين نظرة أفضل إلى الثقافات الأجنبية ومنظورًا مختلفًا عن المنظور السائد في نشرات الأخبار. وفي ذلك لا يتعلق الأمر بوصف بؤس البلدان الأخرى، بل بكيفة تعامل الناس مع هذا البؤس.
نحن نناقش في ألمانيا منذ فترة مصطلح "سياسة الهوية". فكيف تقيِّمين هذا التطوُّر بصفتك كاتبة ألمانية إيرانية نشرت كتابها الأوَّل قبل نحو عشرين عامًا؟
سيبا شكيب: لحسن الحظ أنَّنا نناقش هذا الموضوع منذ فترة أطول. ولكن في الواقع، لم تكن الأقليات ترى في الماضي أي حقّ لها في الحديث بصوت مرتفع حول اهتماماتها. من ناحية أخرى، أجد المصطلحات مثل "الرجل الأبيض كبير السنّ" عبثية.
فماذا يعني إن كان رجلًا أبيضَ كبير السنّ ويقول أشياء لا تعجب أحدًا أو غير صحيحة. ولماذا لا نستطيع التعامل مع ذلك بأدب وعلى نحو بنَّاء؟ عمليات الاستبعاد غير صحيحة. والنقدُ يجب أن يبقى بنَّاءً ويُشرِك المُنتقَدين أنفسَهم فيه حتى يحدث تغيير.