لقد أخذني الأصدقاء حول المدينة. لم أتوقع البصرة الجميلة التي رأيتها على البطاقات البريدية لسبعينيات القرن الماضي. فقد اختفت المدينة منذ زمن. بيد أن البصرة التي رأيتها كانت منهكة وملوثة. لقد عانت المدينة كثيراً خلال الحرب العراقية-الإيرانية، وتسارع تراجعها بعد عام 2003. كانت البصرة شاحبة، ومهترئة وفوضوية بسبب الفساد المنتشر. فأنهارها ملوثة ومنحسرة. ومع ذلك قمت بزيارة إلى التمثال الشهير لأعظم شعراء العراق بدر شاكر السياب.
أما واحد من مصادر فرحي القليلة خلال هذه الزيارات القصيرة كانت مصادفة العراقيين الذين قرؤوا رواياتي وتأثّروا بها. كانت هذه روايات كتبتها من مكان بعيد، وحاولت من خلالها التصدي للتفتت المؤلم لبلد بأكمله ولتدمير نسيجه الاجتماعي. هذه النصوص مطاردة من قبل أشباح الموتى، تماماً كما هو حال مؤلفها.
لا أحد يعلم يقيناً كم عدد العراقيين الذين قضوا كنتيجة للغزو قبل 15 عام مضت. فبعض التقديرات الموثوقة تقدّم أرقاماً تتجاوز المليون. يمكنكم قراءة تلك الجملة مجدداً. وغالباً ما يجري الحديث عن غزو العراق في الولايات المتحدة بوصفه "حماقة" أو حتى "خطأً فادحاً". كان جريمة. ما زال مرتكبوها طليقي السراح.
حتى أن بعضهم أُعيد تأهيله بفضل أهوال الترامبية [من: ترامب] ومواطنة فاقدة للذاكرة في غالبها. (منذ عام مضى، شاهدت السيد بوش على "برنامج إيلين دي جينيريس" The Ellen DeGeneres Show، يرقص ويتحدث حول لوحاته) فالنقاد و"الخبراء" الذين باعونا الحرب ما زالوا مستمرين بفعل ما يقومون به.
لم أتخيل قَطّ أن العراق من الممكن أن يكون أسوأ حتى مما كان عليه خلال حكم صدام، ولكن هذا ما حققته حرب أمريكا وأورثته للعراقيين.
سنان أنطون
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: نيويورك تايمز / سنان أنطون / موقع قنطرة 2018
الصفحات
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة