الديكتاتور بن علي على الهواء مباشرة

انقسمت الآراء في تونس حول برنامج الكاميرا الخفية، الذي بُثَّ في رمضان 2016، وكان بطله الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. فهل المقصود منه جعل الدكتاتور بن علي يبدو تافهًا ومبتذلاً أم أنه دعوة ذكية لإيقاظ الشارع التونسي؟ سارة ميرش تسلط الضوء من تونس لموقع قنطرة على برنامج الكاميرا الخفية "ألو … جدة".

الكاتبة ، الكاتب: Sarah Mersch

تنظر سامية عبو إلى مُقدِّم البرنامج بارتياب. وتقول له هامسةً وهي تهزُّ رأسها: "إنَّه لم يتغيَّر قطّ". وسامية عبو نائبة في البرلمان، كانت ناشطةً في عهد زين العابدين بن علي، تعتقد أنَّها تتحدَّث مباشرة للدكتاتور السابق زين العابدين بن علي، الذي تم تقديمه في البرنامج بشكل مباشر من منفاه في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية.

 ثم تلي ذلك دقيقة كاملة من الجدل الساخن. وتقذفه بهذه العبارات: "الآن، لا تقاطعني واسمح لي أن أنهي كلامي. استمع لي!". ولكن ما لا تعرفه في هذه اللحظة هو: أنَّ الشخص الذي تعتقد أنَّه زين العابدين بن علي، هو في واقع الأمر مُقَلِّد الأصوات التونسي حبيب ميقالو، الذي لا يجلس في مدينة جدة السعودية، بل في تونس ولا يبعد عنها سوى المسافة إلى استوديو التلفزيون التالي.

 يبدو إنَّ الكاميرا الخفية تتمتَّع بشعبية واسعة في تونس خلال شهر رمضان. ومنذ التحوُّل السياسي وما ارتبطت به من حرَّيات صحافية ظهرت العديد من القنوات الجديدة، التي باتت تتنافس على كسب اهتمام المشاهدين. وفي الأعوام الأخيرة كانت تدور بين حين وآخر نقاشاتٌ حول السؤال عن مدى السماح في الواقع لأشكال الكاميرا الخفية بأن تتمادى في طرح موضوعاتها، على سبيل المثال عندما قامت قناة تلفزيونية بمحاكاة عملية اختطاف طائرة من قبل إرهابيين مفترضين.

 ولكن لا يوجد أي برنامج أثار هذا القدر الكبير من الضجة مثل برنامج "ألو … جدة؟" من القناة التاسعة الخاصة. فبالتزامن مع موعد الإفطار، عندما تجلس تقليديًا في تونس الأسرة بأكملها لمشاهدة التلفزيون، يتم تمثيل دور ضيف مشهور، حيث قُدِّرَ لزين العابدين بن علي أن يُعَبِّر عن نفسه لأوَّل مرَّة منذ هروبه من تونس في شهر كانون الثاني/يناير 2011 في وسائل الإعلام وقد تم بثُّ تقليدٍ لصوته في بثٍّ حيٍّ ومباشر في هذه اللحظة بالذات. وقد امتدَّت ردود فعل الحضور بين دموع التأثُّر وحتى اندلاع نوبات من الغضب والشتائم.

Die tunesische Historikerin Kmar Bendana; Foto: Sarah Mersch
Die Historikerin Kmar Bendana sieht in der semifiktionalen Sendung, in der die Grenzen zwischen Unterhaltung und politischer Talkshow verschwimmen, nicht nur eine Übung, um sich auf den Tag X vorzubereiten, sollte ein ähnlicher Fall tatsächlich eintreten, sondern auch eine Gruppentherapie von Gästen und Zuschauern gleichermaßen

الدكتاتور حاضر في كلِّ مكان

 وقد وصل هذا البرنامج إلى ربع المتفرِّجين التونسيين وكذلك لا تزال تتم مشاهدة العديد من تسجيلاته على الإنترنت مئات المرَّات. على سبيل المثال يشاهد الطالب أحمد برنامج "ألو … جدة" كلَّ يوم، ويقول: "أريد أن أعرف أخيرًا كيف تكون ردود فعل السياسيين على زين العابدين بن علي وما هو رأيهم في الدكتاتور". وكذلك تتابع هذا البرنامج المؤرِّخة قمر بندانة بعناية، وتفسِّر ذلك في قولها: "لأنَّ هذا البرنامج يسبر قيعان أمور، تهمنا جميعنا. زين العابدين بن علي لا يزال حاضرًا في عقولنا مثل ذي قبل، ولذلك يتعيَّن علينا أن نتحدَّث عنه".

 وهذا البرنامج شبه الخيالي - الذي تتلاشى فيه الحدود بين الترفيه وأسلوب البرامج الحوارية السياسية، لا ترى فيه قمر بندانة مجرَّد تدريب للاستعداد ليوم مشهود، إذا حدث في الواقع سيناريو مشابه، بل ترى فيه كذلك علاجًا جماعيًا لكلّ من الضيوف والمشاهدين على حد سواء، وجزءًا من البحث المتأخِّر في تاريخ تونس الحديث. ولكن مع ذلك فمن المهم - مثلما تقول - عدم تصديق هذا المشهد.

 وضمن هذا السياق يشعر ثامر المكي بالقلق من أنَّ هذا السيناريو هو ما يحدث الآن بالذات. وهذا الصحفي يعتبر هذا البرنامج دعاية لا طعم لها، وذلك لأنَّ مُقَلِّد الأصوت حبيب ميقالو يُطوِّر خطًا كاملاً من الحجج للرئيس السابق المخلوع. وحول ذلك يقول: "لا يمكن للمرء الحديث حول ثلاثة وعشرين عامًا من الديكتاتورية والقول إن هذا ترفيه". ويضيف إنَّ ذلك يجعل الدكتاتورية، التي لم تتم معالجتها بعد، تبدو مبتذلة وتافهة. وفي نهاية المطاف لا يهم كذلك أنَّ الناقدين لزين العابدين بن علي قد عبَّروا عن آرائهم، وذلك "لأنَّ الجمهور استمع في كلِّ يوم وعلى مدى شهر كامل لحجج النظام القديم".

 بن علي يشعر بالحنين إلى الوطن

 وفي نهاية كلِّ حلقة عندما يعلن زين العابدين بن علي المزعوم أنَّه يشعر بالحنين إلى الوطن ويشتاق للوجبات التقليدية في شهر رمضان، فعندئذ يترك هذا الضغط آثاره على غُدَد المشاهدين الدمعية. وحول ذلك يقول ثامر المكي: "على الرغم من كوننا نعلم أنَّنا موجودون في الواقع ضمن سياق برنامج فكاهي، فإنَّ هذا يؤثِّر في الجمهور".

 ومن جانبها تطالب المؤرِّخة قمر بندانة المشاهدين النظر بعين ناقدة. وتقول لا يمكن للمرء ببساطة تحميل المسؤولية لوسائل الإعلام، بل يجب على المستهلكين أن يتحمَّلوا المسؤولية بأنفسهم: "فنحن نعيش في نهاية المطاف في حرية، ويجب علينا الآن أن نتصرَّف أيضًا كأحرار".

وبالإضافة إلى شكل هذه الكاميرا الخفية غير العادية، تثير أيضًا القناة التلفزيونية نفسها ودور محامي زين العابدين بن علي بعض التساؤلات. إذ إنَّ مدير القناة التاسعة يُعَدُّ من المقرَّبين للنظام القديم، وبالتالي فإنَّ الإشارة المتكرِّرة إلى حجج النظام السابق ليست بالأمر الهَيِّن على الإطلاق، بحسب رأي ثامر المكي. حيث يواجه مرارًا وتكرارًا زين العابدين بن علي المزعوم ضيوفَ القناة بتفاصيل من ماضيهم وعلاقتهم مع الحكَّام السابقين، وأحيانًا يتم الكشف عن رموز وأسماء مستعارة تعود إلى تلك الفترة.

 ولا يتَّضح إن كان هذا يتعلَّق فقط ببحث جيِّد من قبل محرِّري القناة، مثلما تعتقد قمر بندانة، أو يتعلَّق بمعلومات تم وضعها بشكل مُتَعمَّد من قبل الأوساط المقرَّبة من بن علي، مثلما يقول ثامر المكي. وفي الوقت نفسه فإنَّ المسؤولين عن القناة التاسعة لا يملِّون من التأكيد على أنَّ برنامج "ألو ... جدة" هو مجرَّد برنامج ترفيهي من دون أية نوايا سياسية مغرضة أو أية أجندة سياسية خفية.

Der tunesische Journalist Thameur El Mekki; Foto: Sarah Mersch
Scharfe Kritik an der Verharmlosung und Profanisierung der Diktatur: "Man kann doch nicht über 23 Jahre Diktatur sprechen und behaupten, das sei Unterhaltung", meint der Journalist Thameur El Mekki.

لعبة مزدوجة؟

 في العاشر من شهر حزيران/يونيو 2016، أي بعد أيَّام قليلة من بدء بثّ برنامج "ألو ... جدة"، قدَّم منير بن صالحة، وهو محامي الدكتاتور التونسي السابق، شكوى بتكليف من زين العابدين بن علي ضدَّ القناة التاسعة بدعوى الاعتداء على كرامة موكِّله والإساءة لهويَّته، وطالب الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بإيقاف هذا البرنامج.

 ومما يثير الدهشة أكثر أنَّ منير بن صالحة بالذات شوهد بعد عدة أيَّام كضيف في هذا البرنامج المُسجَّل مسبقًا، حيث كان من المفترض في البداية أن يتم خداعه هو بالذات ويظهر نتيجة لذلك عدة مرات على جانب الضيوف الآخرين - مع العلم بأنَّ ذلك يتعلَّق بكاميرا خفية. وهذه الظهورات تُعَزِّز في تونس قناعات جميع الأشخاص الذين يعتقدون أنَّ هذا البرنامج هو محاولة غادرة للتلاعب بالرأي العام.

 وفي هذا الصدد ترى قمر بندانة أنَّ المسؤولية تقع على عاتق المشاهدين أنفسهم. وحول ذلك تقول: "حتى لو أنَّ هناك خطة سرية تكمن خلف ذلك، فإنَّ المستهلكين هم الكفيلون بإبطالها". وبالمناسبة لم تأتِ شكوى محامي بن علي بأية نتائج حتى اليوم، بحيث أنَّ زين العابدين بن علي المزيَّف استمرّ في شقِّ طريقه في كلِّ مساء عند موعد الإفطار إلى داخل غرف الجلوس التونسية عبر شاشة التلفزيون.

 

سارة ميرش

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de