هل في القرآن كلمات عبرية وآرامية ولاتينية؟

شخص يقرأ القرآن.
شخص يقرأ القرآن.

هل نجد في القرآن لواحق عبرية وآرامية وكلمات لاتينية غير تلك الفارسية المعروفة؟ ومن أين جاءت اللاحقة "ـوت" في "ملكوت"؟ وهل أصل "صراط" لاتيني أوروبي؟ رسالة الكاتب محمد بدوي مصطفى إلى صحفي.

الكاتبة ، الكاتب: محمد بدوي مصطفى

بحكم إقامتي في خارج السودان فمن الصعب أن أتابع الصحف اليومية بالتمام والكمال. وسلوتي الوحيدة أن الأخوة ينشرون مقالاتهم في الصحف الإلكترونية بالنت. بالصدفة وأنا أتصفح المقالات التي كان معظمها 95% في السياسة وقع بين عيني مقال الأخ الفاضل الفاتح السيد، الصحفي بجريدة الانتباهة، الذي يرد فيه على مقالي عن سلسلة مقالاته المعروفة (اللغة العربية أسرار وحكايات). وجدت طي هذا المقال دعوة أخرى لأن أعيد النظر في المقالات بعد أن دعم مقاله الأخير بمرافعة جديرة ناهيك عن دعوته لي بأن أرجع البصر كرتين وأنا واثق يا صديقي أن بصري سوف لا يرجع إليّ خاسئا وهو حسير. لماذا؟ وهذا لب الموضوع لكن دعونا نقرأ ما كتبه إليّ لتبرير مادة المقالات: يقول الزميل العزيز الفاتح السيد الآتي:

"... كما أردت من هذه المقالات تحبيب اللغة للناشئة ولغيرهم وجعلها لغة للتواصل والاتصال والونسة.. في ظل خطورة الونسة في عالم الفيسبوك والواتساب والفايبر وغيرها.. لكن هذا الكلام أظنه لم يعجب أستاذنا الدكتور محمد بدوي مصطفى فكتب مقالاً بصحيفة «الخرطوم» استغرب فيه من تناولي لهذا الموضوع دون اتخاذ خطوات البحث العلمي المعروفة وأدخلني في متاهات جماعة الكوفة والبصرة والخلافات الطويلة والعميقة بينهما واللسان اليمني والمغربي والشامي والقلقلة وكسر همزة إن والخلافات بين النحويين والتي لم ولن تنتهي وما أردت ذلك ولا طاقة لي في ذلك. الأخ الدكتور: أنتم الأحق بالحرص على البحث العلمي الدقيق في مجال اللغة العربية وأسرارها والكرة في ملعبكم لا في ملعبنا نحن الصحافيين الذين نتناول الأشياء على عجل ونبحث عن الطرافة واللطافة والمفارقات والأسرار والحكايات." نهاية الاقتباس

أود هنا أن أقف على سلسلة تلك المقالات كأخ وصديق فبالله عليك ضع هذا في الحسبان. أحمد لك حبك للغة العربية وكلنا نعشقها ولو لا ذلك لما همني الأمر. لمست في طيات سلسلتكم أخي الفاتح بصيص من النور وتعلقكم بلغة الوحي فعزمت أن أدعوكم لتصحيح المسار كصديق كما ذكرت. فالتصدي لأمور العلم حتى في المقالات الصحفية ينبغي أن يكون موطدا بأرضية متماسكة تجعل البناء فيها يستقيم. فما من الانطباعات العامة يمكنكم أن تشدوا القراء من الشباب إليها ناهيك عن خطورة الترويج عموما في خضم صفحات التواصل الاجتماعي.

تبشير بقدوم النبي إسحق "إسحك" Izhak، وهو فعل أمر بالعبرية يقابله في العربية "اِضحك"!

سردت أنك تطرقت لبعض المفارقات واللطائف والمقاربات في اللغة العربية. وتناولت –على سبيل المثال لا الحصر- مقاربات ومشابهات تتعلق بحروف النون والراء والدال والجيم وعرجت إلى تشبيه العربية في الكوشية والصلة بينهما التي تدعي –بدون مبرر– بأنها تماثل الصلة بين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وهنا عليّ أن أطرح لك السؤال الآتي: ما هي لغة سيدنا ابراهيم وما لغة سيدنا إسماعيل؟ هل كانت العبرية القديمة – أقصد عبرية التوراة؟ أم العربية؟ أم القبطية القديمة؟ تزوج سيدنا ابراهيم –بحسب الروايات– بالسيدة هاجر والسيدة سارة؟

خاطب الوحي سارة بأي لغة ... بالعربية أم العبرية؟ عندما أتاها الوحي وبشرها بقدوم إسحق: ضحكت. فقال لها لأنك ضحكت سوف نطلق عليه اسم "إسحك" Izhak، وهو فعل أمر بالعبرية يقابله في العربية "اضحك"! عليه فقد رمت سلسلة مقالاتك عدة أسئلة وهذا جميل، يمكن التصدي لها في مقالات صحفية دسمة.

 

مصحف - القرآن الكريم. Koran Quran Foto Picture Alliance
"جبروت وملكوت وولدان وغلمان": الجدير بالذكر أنك تجد بعض اللواحق العبرية في القرآن ووظيفتها ها هنا بناء الأسماء: مثال "ـــوت" في جبروت وملكوت. كما وتجد كلمات فارسية أو قل هندوأروبية ككلمة (فردوس) "بردايس"، وتجد هناك اللاتينية ككلمة سراط (strata). وكلمة قرآن نفسها سامية الأصل نجدها في الآرامية –لغة السيد المسيح– في كلمة قريانا. واللاحقة "آن" تبني الأسماء في الآرامية بصورة مولدة وفي العربية المثنى (في ولدان بنتان) قليل في الجمع (في غلمان وكيزان). والقرآن يعني القراءة.

 

ذكرت أخي الكريم أنك لم تجد حرف الجيم في العديد من الصور ولو لمحت ما فوق بعض الأحرف والكلمات لوجدته وهو هنا يعني: جواز الوقف في التجويد. وفي البقرة تجد حرف الجيم في عدة مواقع: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال و الأنفس والثمرات وبشر الصابرين) ( سورة البقرة: 155)

ليس الأمر كما ذكرت بأن الأمر لم يعجبني ولكني كما قلت لك في بداية المقال إنني اهتممت للسلسلة ووجدت أنكم يمكنكم أن تخرجوا منها بنصيب وافر من المادة الجيدة إن رجعتم لأمهات الكتب وعكستم بصيص منها للناشئة لتفيد منه. وجل من لا يخطئ وجل من لا يسهو وكلنا في الهواء سواء.

لكنني تعلمت في سياق عملي الآتي: "ما تسمع كلام البضحكك واسمع كلام الببكيك" ووجدت أن ثمار النقد البناء تعينني في تطوير العمل والاجتهاد سيما وأن الناقد اهتم بها وتصدى له بكل موضوعية.

شين في العبرية تقابلها السين العربية كما في كلمة شلوم وسلام

أعجبني أخي الفاتح تطرقكم لقضية الاقتراض المعجمي في القرآن عندما أعطيتم أمثلة في كلمات رب، روح، إلخ متسائلين هل هي كوشية أم عربية؟ وأنا أقول لك أولا: الأم التي تحوي هذه الكلمات هي السامية! إن وجدت لغة سامية موحدة والعلماء لم يتفقوا على هذا الأمر. لكن الكلمات موجودة في عربية العهد القديم في التوراة وفي سفر التكوين تجد أول آية بالعبرية تقول: (بريشيت برى إلوهيم ها أرض وشميم) – وهنا تجد التشابه الكبير بين العبرية والعربية. ترجمة الآية: في البدء خلق الله الأرض والسماوات. التشابه في الفعل برى (بري وخلق في العربية)؛ إلوهيم (الله وفي نهايتها اللاحقة يم)، ها (أداة التعريف كما هي الحال في اللهجة السورية عندما يقولون "ها الولد")، وشميم في صيغة الجمع هي السماوات والشين في العبرية تقابلها السين في العربية كما في كلمة شلوم وسلام.

الصلة بالهندية وطيدة فكتاب كليلة ودمنة ترجم من الأصل الهندي إلى الفارسية ثم العربية

وكما تعلم أن حروف العلة تتغير خصوصا عندما تحل في وحدات معجمية بها مد. تمعن يا صديقي العزيز سورة الطارق مثلا التي يطرح الله فيها السؤال اللغوي والبلاغي السهل الممتنع: السماء والطارق ... وما أدراك ما الطارق؟ ويجيب عليه سبحانه وتعالى: النجم الثاقب. يعني "طارق" التي أتت بعد كلمة السماء - وهذه بلاغة القرآن في تحديد السياق في علم المعاني- ليس لها بالفعل "طرق" (في طرق الباب مثلا) صلة بل "بالنجم الوضاح" نجم الصباح المنير في قبة السماء. والأصل موجود في اللغة الهندية وله مؤنث تارا، وهل من مدكر؟ والصلة بالهندية كانت وطيدة فكتاب كليلة ودمنة ترجم من الأصل الهندي (بنشاتانترا) إلى الفارسية إلى العربية، وحتى بعدها استوحى منها الكاتب الفرنسي أوسكار لا فونتين الفرنسي أساطيره وحكاياته التي سماها بالفرنسية (ل فابل دو لا فونتين).

كلمة "فردوس" الفارسية وكلمة "الصراط" اللاتينية

ثانيا: الجدير بالذكر يا أخي الفاتح أنك تجد بعض اللواحق العبرية في القرآن ووظيفتها ها هنا بناء الأسماء: مثال "أوت" في جبروت وملكوت. كما وتجد كلمات فارسية أو قل هندوأروبية ككلمة (فردوس) "بردايس"، وتجد هناك اللاتينية ككلمة صراط (strata). وكلمة قرآن نفسها سامية الأصل نجدها في الآرامية –لغة السيد المسيح– في كلمة قريانا. واللاحقة "آن" تبني الأسماء في الآرامية بصورة مولدة وفي العربية المثنى (في ولدان بنتان) قليل في الجمع (في غلمان وكيزان). والقرآن يعني القراءة.

ونحن نعلم أن العرب وحتى نحن في السودان على اتصال بالرومان، فالمدرجات الرومانية في شمال السودان وفي مصر وسوريا وليبيا توثق لهذا التاريخ المديد. وحتى علماء العرب كان لهم أعظم الفضل في حفظ المدونات الفلسفية التي كتبها الإغريق التي اندثرت عبر القرون وتم إعادة صياغتها من الأصل العربي المترجم.

 

تدمر مدينة أثرية ذات أهمية تاريخيةفي محافظة حمص بالجزء الأوسط من  سوريا - من العصر الحجري الحديث إلى الإمبراطورية الرومانية. Theater Palmyra in Syria Syrien Foto Picture Alliance
على اتصال بالآخر: نحن نعلم أن العرب وحتى نحن في السودان على اتصال بالرومان، فالمدرجات الرومانية في شمال السودان وفي مصر وسوريا وليبيا توثق لهذا التاريخ المديد. وحتى علماء العرب كان لهم أعظم الفضل في حفظ المدونات الفلسفية التي كتبها الإغريق التي اندثرت عبر القرون وتم إعادة صياغتها من الأصل العربي المترجم.

 

وعلماء المنطق العرب في العصور الوسطى تأثروا بشدة بهذه النظريات وأدخلوها في علم الكلام ونظرية العامل والإعمال في النحو. من جهة أخرى نعلم أن اللغة کائن حي ففي لهجتنا السودانية نجد كلمات من لهجات عربية أخرى، فارسية، تركية: أدبخانة، أجزخانة، داندرما، كلتش، جربوكس، فرملة، قراش، كشك، ورشة، دبرسة، إلخ. والحديث عن هذه الأمور شيق، بديع ومفيد. حتما سنرجع إليه ثانيا في سياق سلسلة، فلتكن الانطلاقة منكم أخي الفاتح.

في آخر المقال أتمنى لكم أخي كل النجاح فيما تصبون إليه ... وأكون سعيدا وأيما سعادة بالتواصل العلمي والصحفي معكم. لكم مني كل الود والتمنيات الصادقة.

 

محمد بدوي مصطفى

حقوق  النشر: محمد بدوي مصطفى

 

موقع قنطرة 2022 ar.Qantara.de