لم يعترض أحد آنذاك من كافة هذه الاتجاهات، بل أقرت حينذاك كافة مكونات المجتمع بالحق الطبيعي التشريعي للمرأة دون ذكر ذريعة التوطين. ولم يقل أحد كذلك آنذاك إن المساواة التشريعية للمرأة بدعة أجنبية، كما يقال الآن، في محاولات وذرائع ممجوجة تفتقر إلى الحد الأدنى من احترام حقوق المرأة.
بالرغم من ذلك، لم تجد هذه التوصية آنذاك، كغيرها من التوصيات التقدمية التي جاءت بها لجنة الميثاق الوطني، طريقها إلى تعديل دستوري يكفل استدامتها.

ثم جاءت لجنة التعديلات الدستورية برئاسة دولة المرحوم أحمد اللوزي عام ٢٠١١ لتصل إلى نفس النتيجة بتعديل المادة السادسة بما ينسجم مع الميثاق الوطني، إلا أن تدخلات حالت دون تضمين هذا التعديل في الوثيقة النهائية ولذات الذرائع مرة أخرى.
قوة المجتمع الذكوري في فرض نفسه في الأردن
وقد جرت محاولات داخل اللجنة الملكية، وللمرة الثالثة خلال ثلاثين عاماً، للتوافق حول نفس النتيجة التي خلصت لها لجنة الميثاق الوطني، إلا أن النص النهائي يظهر مرة أخرى قوة المجتمع الذكوري في فرض نفسه، والتشبث بنصوص ما عادت تصلح لبناء الدولة الحداثية التي نطمح لها.
إن المساواة التشريعية للمرأة ليست حقاً مبدئياً فحسب، ولكنها أيضاً ضرورة حتمية لتكبير حجم الاقتصاد الكلي بما يعود بالنفع على المجتمع بكافة مكوناته. وقد أثبتت العديد من الدراسات الاكاديمية أن الاقتصاد الكلي لأي دولة ينمو اطراداً مع عمل المرأة والمساواة التشريعية لها، بما يعظم الإنتاجية ويكبر من حجم الناتج المحلي الإجمالي. وما زلنا نعاند في ذلك وندعي بأن عمل المرأة يسلب من فرص العمل للرجل.
لا يزال الطريق طويلاً في الأردن أمام تحقيق المرأة حقها في المساواة التشريعية الكاملة، ولكن السبب الرئيسي وراء ذلك ليس سياسياً بحتاً أو اقتصادياً. إنه، بصريح العبارة، عقليتنا الذكورية. مجتمعنا كله رجالاً ونساء يدفع ثمن هذه العقلية، اقتصادياً وتنموياً وحضارياً.
مروان المعشّر
حقوق النشر: مؤسسة كارنيغي 2021
مروان المعشّر نائب الرئيس لشؤون الدراسات في مركز كارنيغي البحثي، حيث يعمل مشرفا على الأبحاث في واشنطن وبيروت حول الشرق الأوسط.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.