مسيحيو تركيا..."تآكل مستمر منذ سقوط الدولة البيزنطية"

كنيسة في هضبة طور عبدين جنوب شرق تركيا
كنيسة في هضبة طور عبدين جنوب شرق تركيا

يصادف إبريل/ نيسان 2015 ذكرى مرور 100 عام على فظائع تعرض لها الأرمن في فترة انهيار الإمبراطورية العثمانية ونشوب الحرب العالمية الأولى وصعود الحركة التركية القومية العلمانية وبروز الحركة الأرمنية الانفصالية. ملهم الملائكة التقى أحد النشطاء المسيحيين ويسلط الضوء لموقع قنطرة على مطالب المسيحيين في تركيا.

الكاتبة ، الكاتب: ملهم الملائكة

جدران بيضاء وأقواس مظللة بعرائش تحيطها جنينة جميلة لكنيسة جديدة تقام في محلة يشيل كوي بمنطقة باكر كوي القريبة من مطار أتاتورك المركز العالمي الحيوي لاسطنبول ، ولكن بناء الكنيسة لا يلغي مطالب المسيحيين ولا يطمئن مخاوفهم في هذا البلد.

كنيسة "يشيل كوي" الجديدة بمنطقة باكر كوي المزمع إقامتها في اسطنبول التي كانت قبل نحو 600 عام عاصمة الامبراطورية البيزنطية الشرقية المسماة "القسطنطينية" مازالت مشروعا طموحا على الورق المقوى في مكاتب بلدية اسطنبول منذ عام 2013 حيث سمحت الجمهورية التركية للمسيحيين لأول مرة منذ قيامها عام 1923 ببناء كنيسة لهم.

صبري الخان من المنظمة الآشورية الديمقراطية تحدث لقنطرة عن أوضاع المسيحيين التي لا يسمع عنها أحد شيئا في الغالب بسبب تآكل حجم هذا المكون باضطراد منذ سقوط دولة بيزنطة الشرقية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1453، وكشف أنّ "الآشوريين والأرمن هم السكان الأصليون لتركيا ولم يهاجروا إليها، وعددهم اليوم يقترب من 130 ألفا يشكل السريان منهم نحو 25 ألفا".

كنيسة في طور عبدين في جنوب شرق تركيا. Qantara.de
"تمت في تركيا الإعادة الكاملة لأملاك الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية. من المهم أيضا أن تحصل الكنائس في تركيا على صلاحية قانونية، حيث يمكنها شراء ممتلكات والحصول على سجل لها. إنه أمر يخلق الإحساس بالأمن ويجب أن يتم ذلك على كل حال"، كما يقول فالتر فليك خبير في الشؤون الدينية لدى الفرع الألماني للجمعية الدولية لحقوق الإنسان.

ومنذ مطلع الألفية الثالثة يستهدف مسيحيو تركيا بهجمات واغتيالات باتت تهدد وجودهم الديني، فقد قتل اغتيل القس الإيطالي الكاثوليكي أندريا سانتورو في مدينة طرابزون على البحر الأسود عام 2006، كما طعن قس كاثوليكي إيطالي آخر في عام 2007.

وشهد نفس العام هجوماً على دار نشر إنجيلية تدعي زيرفه في مدينة مالاتايا قتل فيه 3 مسيحيين يعملون فيها. ويبدو أن عام 2007 استمر مشؤوما على مسيحيي تركيا، حيث قُتل الصحفي الأرمني التركي المعروف هرانت دينك في اسطنبول على يد مسلم متعصّب مسلح.

مصير لغة المسيح إلى الموت؟

إلا أنّ هذه الهجمات لا تلغي حقيقة أن المسيحيين يتمتعون بحرية العبادة وإقامة الشعائر في هذا البلد وهو ما أكده الناشط صبري الخان لكنه استدرك قائلا: "لغتنا هي الآرامية، ومنذ عام 1923 يُمنع المسيحيون من دراسة وتعلم الآرامية في مدارسهم وكنائسهم، وإذا استمر هذا المنع فيسكون مصير اللغة الأم الموت، ومعها ستموت علوم اللاهوت وتعاليم الديانة المسيحية والكنيسة المكتوبة بهذه اللغة".

صبري الخان. Mulham Al Malaika
يقول صبري الخان من المنظمة الآشورية الديمقراطية: "الهجمات التي حدثت ضد مسيحيين في تركيا لا تلغي حقيقة المسيحيين يتمتعون بحرية العبادة وإقامة الشعائر في هذا البلد".

تركيا التي تحاول منذ سنوات طويلة أن تنّضم إلى الاتحاد الاوروبي، والتي ينص دستورها على أنها دولة علمانية، تسعى دائما لتأكيد هويتها العلمانية الديمقراطية الليبرالية من خلال دعم التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق المواطن التركي بغض النظر عن انتمائه الديني، وهكذا فقد أشار رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في لقاء مع ممثلي المكونات الصغرى غير المسلمة جرى عام 2014 إلى أنّ "الجميع متساوون، وهم مواطنون في الجمهورية التركية".

ويأتي هذا الموقف في وقت يعيش فيه مسيحيو الشرق الأوسط محنة حقيقة في ظل تعاظم المد الإسلامي المتشدد، وقد استقبلت تركيا الإردوغانية الإسلامية نحو مليون ومائتي ألف نازح من سوريا والعراق فيهم عدد كبير من المسيحيين والإيزيديين وآوتهم، وهو أمر دفع بابا الفاتيكان فرانسيس الى الإشادة بالاستقبال التركي للنازحين المسيحيين، وتعزز هذا بزيارته لتركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 والتي دعا فيها الى دعم تعايش الأكثرية المسلمة مع الأقلية المسيحية داخل البلد.

"مواطنون من الدرجة الثانية"

فالتر فليك
يقول فالتر فليك خبير في الشؤون الدينية لدى الفرع الألماني للجمعية الدولية لحقوق الإنسان: "لا يمكن للمرء القول إنّ المسيحيين مضطهدون في تركيا، لكنهم بالتأكيد لا يتمتعون بنفس حقوق المواطنين المسلمين، خصوصا في مجال الحرية الدينية".

إلا أنّ الخبير في شؤون الأديان فالتر فليك من المنظمة العالمية لحقوق الإنسان في ألمانيا وفي لقاء مع دويتشه فيله نُشر بالإنكليزية عشية زيارة بابا الفاتيكان إلى تركيا أشار الى أنّ المسيحيين الذين يشكلون أقل من واحد في المائة من مجموع السكان في تركيا "ينظر إليهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، فالمواطن الحقيقي هو المسلم، وتحوم الشكوك دائما حول غير المسلمين في البلد. المسيحيون لا يُعاملون وفق مبدأ المساواة، وقد لا يمكن للمرء القول إنّ المسيحيين مضطهدون في تركيا، لكنهم بالتأكيد لا يتمتعون بنفس حقوق المواطنين المسلمين، خصوصا في مجال الحرية الدينية".

مشروع كنيسة يشيل كوي ما زال طموحا يتيما في طور التنظير حتى الآن، وبهذا الخصوص أشار الناشط صبري الخان "حتى الآن لم يتحقق أي شيء في هذا المشروع وما زال السؤال مفتوحا".

درس الدين الإسلامي

تلاميذ عند كنيسة في طور عبدين في جنوب شرق تركيا. Qantara.de
تقول السلطات التركية إن النظام التعليمي التركي لا يعفي سوى المسيحيين واليهود من التعليم الديني الإسلامي في تركيا، ويرى الباحث و رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو أنه "إذا لم يتم تقديم معلومات دينية صحيحة وسليمة عن طريق مؤسساتنا التربوية فلا يمكن مراقبة المعلومات الدينية المغلوطة التي تعد مصدر النزعات الأصولية في محيطنا"، ويرى أنه "حتى الشخص الملحد لا بد أن يكتسب ثقافة دينية". المصدر: وكالات.

وتعاني المكونات الصغرى من مناهج التربية المدرسية، التي تفرض على الطلبة والتلاميذ دروس دين سوف تكون في الغالب ذات أثر على مستوى نجاحهم وقبولهم في الجامعات، وهي مشكلة حلتها أغلب الدول باعتبار مادة الدين درسا غير مقرر واختياريا، ويقول الناشط صبري الخان من المنظمة الآشورية الديمقراطية في هذا السياق:" منذ أكثر من 30 عاما، صدر قرار يجبر كل طلبة المدراس التركية على حضور درس الدين الإسلامي، وهكذا فإن الطلبة المسيحيين يُجبرون على دراسة الدين الإسلامي، لأنّ عدم مشاركتهم في هذا الدرس ستحدث خللا في معدلاتهم حين التقديم إلى الجامعة".

فظائع الأرمن

تاريخيا، شكّل المسيحيون نحو 20 في المائة من سكان تركيا حتى قيام الحرب العالمية الأولى، ولكن الامبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى قررت في أيار/ مايو 1915 ترحيل كل الأرمن القاطنين شرق تركيا إلى غربها وجنوبها، خيشة ان يدعموا غزوا روسيا محتملا لشرق البلاد.

 photo: J. D. Sloan كارين آرمسترونغ
تقول الباحثة البريطانية الشهيرة كارين آرمسترونغ المختصة في مجال الدراسات الدينيَّة لموقع قنطرة: "عندما أدخل أتاتورك العلمانية إلى تركيا الحديثة، أغلق المدارس الدينيَّة الإسلاميَّة. أما سياسة التطهير العرقي التي اتبعها، فقد ربطت العلمانيَّة إلى الأبد بعنف اتحاد تركيا الفتاة (أو الشباب الأتراك)، التنظيم العلماني الذي كان مسؤولًا عن مذبحة الأرمن في تركيا العثمانيَّة إبان الحرب العالمية الأولى. هؤلاء الحكام أرادوا أنْ تظهر البلاد بمظهرٍ حديثٍ (أي أوروبي)، على الرغم من أنَّ الأفكار الغربية لم تكُن مألوفةً لدى غالبية السكان".

وهكذا (حسب تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء بالإنكليزية) سيق مئات ألوف الأرمن في مسيرة قاسية عبر هضبة الأناضول الصحراوية باتجاه الحدود مع الشام وبلاد ما بين النهرين ( سوريا والعراق اليوم) .

وبحسب شهادات الأرمن، فقد قضى نحو مليون الى مليون ونصف مليون أرمني خلال رحلة التهجير المهلكة هذه وما تخللها من جوع وعطش وبرد وحر ومذابح. ويعيش في تركيا حتى اليوم نحو 70 ألف أرمني. وترفض الحكومة التركية حتى اليوم الاعتراف بوقوع مذابح بحق الأرمن وتقول إن أعدادا كبيرة من المسلمين والمسيحيين قد قتلوا خلال انهيار الامبراطورية العثمانية وبعد الحرب العالمية الأولى.

 

ملهم الملائكة

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015   ar.qantara.de