حصاد حكومة أخنوش...منطق الأعمال يخفق في السياسة

عيّن الملك محمد السادس عزيز أخنوش رئيساً للحكومة بعد تصدّر حزبه الانتخابات. يعدّ أخنوش شخصية جدلية بامتياز بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي.
عيّن الملك محمد السادس عزيز أخنوش رئيساً للحكومة بعد تصدّر حزبه الانتخابات. يعدّ أخنوش شخصية جدلية بامتياز بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي.

أطفأت حكومة عزيز أخنوش في المغرب، مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول، شمعتها الأولى، في هدوءٍ وسكينة لا نظير لهما؛ فلا أثر في الإعلام لأي تقييم للأداء السنوي للحكومة، أو حتى مجرّد حديث عابر عن حصيلة العام. تعليق محمد طيفوري

الكاتب، الكاتبة : Mohamed Taifouri

قد تبدو السنة، قياساً إلى عمر حكومة عزيز أخنوش في المغرب، مدة غير كافية لتقويم شامل للمنجز الحكومي. لكنّ العرف جرى على تقييم أولي لحصيلة المائة يوم؛ عملاً بسُنّة الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، لتأتي بعدها وقفة مع حصاد الحَول، وذلك كله على ضوء البرنامج الحكومي والبرنامج الانتخابي للحزب.

لا شيء من هذا حصل، سوى كلام عارض جاء على لسان رئيس الحكومة، الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، في نشاط داخلي لشبيبة حزب التجمّع الوطني للأحرار، اعتبر فيه أنّ نجاح الحكومة في الحفاظ على الوضع الطبيعي، في سياق عالمي جد استثنائي، هو بذاته إنجاز، على المغاربة إدراكه جيداً. أعقب ذلك سردٌ لحزمة إجراءات، ذات طابع استعجالي، اتخذتها حكومته تحت الضغط تفاعلاً مع التقلبات الإقليمية والدولية، حفاظاً على استقرار الأوضاع داخل المملكة.

يبدو أنّ هذا الاعتراف، من رئيس الحكومة عزيز أخنوش، يتناقض مع خطاب حزبه في الحملة الانتخابية؛ حين كانت قيادة "التجمّع الوطني للأحرار" وقواعده ترفع شعار "تستاهل أحسن" (تستحقون الأفضل). لا بل إن حزب رجال الأعمال، في واقع الحال، يرتدّ عن وعود انتخابية، صيّرها التزاماتٍ مدرجة في البرنامج الحكومي، تعِد بمغرب ديمقراطي جديد غير المُتعيّن مع حكومة الإسلاميين، قوامه الدولة الاجتماعية والإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، والالتقائية في التدبير والنجاعة في التسيير.

إطلالة سريعة على الوعود الواردة في البرنامج الحكومي، الذي حظي بثقة المؤسّسة التشريعية، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تكشف أن تنفيذ الحكومة له ما زال في صفحته الأولى؛ فتعهدات صغيرة من قبيل "مدخول كرامة" الذي يقضي بمنح 400 درهم (36 دولاراً) لفائدة المسنين، ومنح الأسر المعوزة تعويضاً، قدره 300 درهم (27 دولاراً)، عن كلّ طفل وصولاً إلى ثلاثة، لدعم تمدرسهم، والالتزام بدعم مدى الحياة لكل شخص في وضعية إعاقة، كلّها ما زالت مجرّد وعود، بالرغم من تعهّد الحكومة بأجرتها في العام الأول، ناهيك عن بساطة تنزيلها على أرض الواقع وسهولته.

وعدت حكومة أخنوش في برنامجها بإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، من دون تقديم أي إيضاحاتٍ عن كيفية بلوغ هذا الهدف وسبله

حركة 20 فبراير تعود في ذكراها بمطالب اجتماعية في المغرب
ارتفعت أسعار المحروقات في المغرب تزامنا مع حملات شعبية المطالبة بوقف الغلاء.

هذا من دون الحديث عن التعهدات الكبرى التي تبدو أقرب إلى الدعاية، بتعمّد الحكومة وضع أهداف غير واقعية، يعاكس تنفيذها واقع الأرقام؛ فالمؤشّرات تثبت صعوبة، إن لم تكن استحالة، الوفاء بمثل هذه الالتزامات. وعدت الحكومة في برنامجها مثلا بإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، من دون تقديم أي إيضاحاتٍ عن كيفية بلوغ هذا الهدف وسبله. كما رفعت تحدّي محاربة البطالة، بالحديث عن إيجاد مليون فرصة شغل، وهي تدرك يقينا، بحكم خبرة الملياردير عزيز أخنوش في عالم الاقتصاد والأعمال، أن نسب النمو التي يسجّلها الاقتصاد المغربي، لا تستطيع إطلاقا إدراك هذا الرقم. وبشَّرت الحكومة بثورة في قطاع التربية والتعليم، بعزمها جعل المغرب ضمن 60 أفضل دولة، من حيث جودة التعليم في العالم...

دافعت الحكومة، على لسان الناطق الرسمي باسمها، عن تعثّرها في إنجاز عدد من الالتزامات، مبرّرة ذلك بإكراهين: أحدهما داخلي؛ مرتبط بكون قانون مالية السنة الأولى الذي اعتبره غير خالص للحكومة، فلا تزال فيه آثار وبقايا سياسة الحكومة السابقة. والآخر خارجي؛ مرتبط بالحرب الروسية الأوكرانية الطارئة، التي أربكت الحسابات، وغيّرت معادلات الاقتصاد على الصعيد الدولي. إن كان الدفع الأخير؛ أي الحرب، مستساغاً لتبرير الفشل، فالأول حتماً غير مقبول، لكون حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة الحالية عضوا وازنا في الائتلاف الحكومي السابق، وقائد عملية العرقلة (البلوكاج) ضد الأمين العام، عبد الإله بنكيران، حتى تنحيته عن تشكيل حكومته الثانية.

يشهد المغرب تسارعاً في وتيرة التضخم

بعيداً عن نقاش القابلة للإنجاز، ونسبة التنفيذ في البرنامج الحكومي وغير ذلك، ما قد يبدو تحاملا من الكاتب على الحكومة، فالوعود حُدّدت للتنفيذ داخل سقف زمني، يمتد إلى خمس سنوات (2021 - 2026). ما يجعل الزمن لصالح الحكومة، فما زال بمقدورها، في المقبل من السنوات، تدارك الانطلاقة المتعثّرة والعجز الملاحظَين في التنفيذ، خصوصا أن حكومة الملياردير عزيز أخنوش تتوفر، كما يزعم أنصارها، على مؤهلاتٍ وكفاءاتٍ وانسجامٍ وتوافقٍ حزبي، لا نظير له في حكومات سابقة.

 

 

المغرب: 100 يوم على تنصيب حكومة عزيز أخنوش https://t.co/jnacnSqDsr pic.twitter.com/Rvj3CE1xO3

— مونت كارلو الدولية / Monte Carlo Doualiya (@MC_Doualiya) November 20, 2021

 

وبالعودة إلى حديث عزيز أخنوش عن قدرة حكومته على ضمان استقرار الأوضاع، الذي يبقى مفتوحا على أكثر من قراءة وتأويل، حسب دلالة كلمة "الأوضاع" في سياق الكلام! عن أي استقرار يتحدّث الرجل، وتقرير لمؤسسة بنك المغرب (البنك المركزي) صدر أخيراً يتوقع تباطؤاً في النمو الاقتصادي؛ فلن تتعدّى النسبة 0,8 % بدل 3,2 % المتوقعة من الحكومة. ويشهد المغرب في الموازاة تسارعاً في وتيرة التضخم، إذ وصل إلى 7,7% مع اكتمال منتصف السنة الجارية. وحتى الأسعار التي اعتبرت دوماً الفاعل الأول في معادلة الاستقرار في المغرب، عرفت زيادات قياسية، عمّت كل المواد الاستهلاكية، وحطم البنزين والكاز أرقاماً قياسية، بعدما بلغ 18 درهماً للتر (1,6 دولار).

يرتدّ حزب رجال الأعمال في المغرب عن وعود انتخابية، صيّرها التزاماتٍ مدرجة في البرنامج الحكومي

ولدّ الأمر موجة سخط شعبي عارم، على مواقع التواصل، استمرّت أكثر من ثلاثة أسابيع، شهر يوليو/ تموز الماضي، رفعت وسم "أخنوش ارحل" لمسؤوليته المزدوجة، عن ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب، رغم تراجع ثمنها في الأسواق الدولية. أولا، باعتباره رئيس حكومةٍ تتولى وزارة تحت إشرافه تدبير قطاع الطاقة. وثانيا، باعتباره أحد المستفيدين، بصفته مالك أفريقيا، أكبر شركة لبيع المحروقات وتوزيعها في المغرب. وضع هذا السقوط الأخلاقي أنصار الملياردير المنتشرين في الصحافة الصفراء في حرجٍ كبير، جعلهم غير قادرين على التبرير؛ فالهرولة إلى تطبيق المقايسة تكون عند زيادة الأسعار فقط، أما عند التخفيض فمبرّر عدم انتهاء المخزون دائماً جاهز؟

لقد بلغ الحنق والسخط الشعبيان مستوى تندّر المغاربة، في ما بينهم، بشعار الحملة الانتخابية لحزب الأحرار "تستاهلو أحسن" رافضين هذا "الأحسن"، مفضّلين بقاء الوضع على حاله. فهذا الأحسن الموعود، ربما كذلك لأقلية رجال الأعمال في الحزب، لكنّه قطعاً ليس كذلك لدى أغلبية المغاربة، ممن تقهقر حالهم من سيئ مع جائحة كورونا (حكومة سعد الدين العثماني) إلى أسوأ مع الحرب (حكومة أخنوش).

 

محمد طيفوري

حقوق النشر: محمد طيفوري 2022

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية . نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

 

 اقرأ/ي أيضًا | المزيد من المقالات حول المغرب:

المغرب: المحطات الرئيسية من حكم الملك محمد السادس

العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي بعد ثورات الربيع العربي

المغرب: ازدهار اقتصادي في طنجة لا يلمسه الفقراء

المغرب....نهاية الاستثناء وعودة السلطوية الفجة

المغرب ـ مطبات في طريق التحول إلى قوة اقتصادية صاعدة

الاستمرار والتغيُر في العلاقات الأورو – مغاربية بعد الحراك العربي

معضلات السرديات...انتفاضات في مواجهة انتفاضات

ماذا بقي من الربيع العربي بعد عشر سنوات على انطلاقه؟

أهدر المخزن فرص تاريخية قلما يجود بها التاريخ للإصلاح

المغرب....نهاية الاستثناء وعودة السلطوية الفجة

بعد عقد على "الربيع العربي" - هل أفل نجم الأحزاب الإسلامية في الحكم؟