المفكر إبراهيم موسى: الحرية السياسية شرط للإصلاح الديني
نحو فقه إسلامي معاصر قائم على الكرامة الإنسانية

الردة أو الإلحاد مفهومان يكشفان أن اللاهوت الإسلامي [الفقه الإسلامي] ما زال حبيس فكر سياسي إمبريالي، وفق ما يرى الباحث الأمريكي إبراهيم موسى. وما هو مطلوب الآن هو عملية تقييم ناقد. يطلب موسى من المسلمين أن يعيدوا اكتشاف التنوع في تاريخهم بدلاً من اتباع الأنماط المبسطة المتنكرة على هيئة اللاهوت الإسلامي اليوم. حاورته كلاوديا منده لموقع قنطرة.

بروفسور موسى. في المنظور الإسلامي التقليدي تعتبر قضايا مثل الردة أو الإلحاد جرائم تستوجب العقوبة. كيف تتعامل مع هذه القضايا كعالم لاهوت؟

إبراهيم موسى: يجب أن نفكر في هذه القضايا على مستويين: الأول هو أن ندرك أن ما نطلق عليه اسم ردة ما هو في الحقيقة إلا جزءا من لاهوت إمبريالي. حتى في الإمبراطوريات غير الإسلامية – فلنفكر في التراث الإمبريالي المسيحي – عندما يتخلى أحدهم عن دينه، يُنظر له على أنه لم يعد موالياً للإمبراطورية. إذا تخليت عن دينك، فإنك بذلك تبعث برسالة سياسية. الوضع كان مماثلاً في الإمبراطوريتين الإسلامية والمسيحية: الردة كانت فعل خيانة سياسية. واليوم أيضاً ننظر إلى تغيير الولاء السياسي على أنه خيانة.

وما هو المستوى الثاني؟

موسى: المستوى الثاني هو إدراك أن اللاهوت الإمبريالي انتهى مع ظهور الدول الحديثة: مبدأ المواطنة، وأفكار جديدة حول الحقوق الفردية وطريقة جديدة لفهم دور الدين في المجتمع. في الوقت الحالي، يتبنى اللاهوت الإسلامي هذا الموقف تجاه الردة: إذا قمت بتغيير دينك، فإنه أمر بينك وبين الله. تغيير الديانة لم يعد يُنظر له على أنه خيانة للنظام السياسي.

في الدولة المعاصرة، بات الدين شأناً شخصياً وخاصاً، بينما تنظم الدولة والمجتمع المدني المجال العام. رغم ذلك، يجب ألاَّ ننسى أن هناك من يعارضون هذه الفكرة في الغرب. بعض المسيحيين أيضاً يتوقعون أن تتبنى الدولة عدداً من القيم المسيحية. هذا سيقود بالضرورة إلى تماهي الفوارق، وإلى ظهور منطقة رمادية بين المجالين العام والخاص.

لكن فكرة الردة ما تزال تستخدم كأداة لتهديد المفكرين أو إخراسهم.

 

معرض للحجاب في إندونيسيا - جاكرتا. (photo: dpa/Mast Irham)
غرباء عن ماضيهم: يؤكد موسى أن "علينا أن ندرس الماضي لنكتشف دروس التنوع العظيمة، بدلاً من الاعتماد على النسخ الأحادية المبسطة والواهية للغاية التي تتنكر في صورة لاهوت إسلامي اليوم. هذا أكبر تحد للأغلبية والأقليات المسلمة على حد سواء".

 

موسى: لا يوجد شك في أن الوعي اللاهوتي لدى كثير من المجتمعات الإسلامية ينظر إلى الردة على أنها جريمة ضد النظام العام. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث أنه حتى في مجتمعات مثل تونس، ما يزال الكثيرون يعتقدون بأن الردة جريمة. أعتقد أن علماء اللاهوت المسلمين فشلوا في تعليم المجتمعات أن الاختيارات المتعلقة بالدين لا يجب أن يُنظر لها على أنها جريمة. إذا ما عاقبت الناس على ذلك، فإنك تكرههم على الدين، وهو عكس ما تنص عليه النصوص الإسلامية.

ما هي أنماط إعادة التفكير المطلوبة في اللاهوت الإسلامي للتغلب على هذه المشكلة؟

موسى: نحن بحاجة إلى فهم جديد لما يعنيه الله وما يعنيه الإسلام لنا في الظروف السياسية والاقتصادية التي نمر بها اليوم. كيف يمكننا تفسير الدين في مجتمع معاصر؟ بعد أن هجرنا سياسات الإمبراطورية، لم نعد بحاجة إلى لاهوت مرتبط بها. هذا اللاهوت يغذي هيكلاً متراتباً تفضيلياً، ناهيك عن تمثيل نظرة تفوق دين على آخر، أو تمييز جنس على جنس آخر. يجب أن تضمن الدولة المعاصرة حقوق الفرد. في رأيي، أعتقد أن كثيراً من الدول المسلمة تبنت إطاراً سطحياً فقط للدولة المعاصرة، ولكن فحوى قوانينها ما تزال غير متوافقة والنقاش المعاصر المتعلق بحقوق الإنسان.

واللاهوت الإسلامي ما زال عالقاً فيما تطلق عليه اسم "المبدأ الإمبريالي"؟

موسى: نعم. بعض التشريعات المبنية على الدين الموجودة في دول مسلمة تعكس ما أسميه "اللاهوت السياسي الإسلامي الإمبريالي". هذا اللاهوت السياسي الإمبريالي المبني على الماضي يجب اجتثاثه من العقل السياسي والديني من خلال التقييم الناقد والاجتهاد والتعليم.

كيف يمكن العمل على تغيير ذلك في ظل كون معظم علماء الدين في الدول العربية ألعوبة في أيدي أنظمتها؟

موسى: في المجتمعات التي تهيمن عليها الشمولية، يشعر علماء الدين بأنهم إما أن يكونوا خاضعين تماماً للنظام السياسي، أو أن يشمئزوا من حكامهم الذين لا يحظون بشرعية. يمكن للساسة أن يكونوا علمانيين في ممارساتهم السياسية، ولكنهم في عقيدتهم الدينية مرتبطون تماماً بنظرة لاهوتية عفا عليها الزمن. فالكثير من الحكومات الإسلامية العلمانية تقمع وتسجن وتستهدف المفكرين وعلماء الدين الناقدين لإثبات مصداقيتها الإسلامية، وذلك في محاولة لإظهار أنها إسلامية أكثر من خصومها الإسلاميين.

هل يهدفون لإرضاء شعوبهم أم عقليتهم؟

 

 

موسى: إنهم ينظرون للاهوت على أنها لعبة كرة قدم سياسية يمكنهم استخدامها لتهدئة الشعوب. أعتقد أن غياب علم لاهوت مبني على الكرامة يخلق فراغاً كبيراً في المجتمعات المسلمة. هذا اللاهوت المبني على الكرامة يجب أن يصبح معيار كل القيم. تفاسير النصوص والتعاليم الدينية التي لا تتوافق وهذا المعيار يجب تهميشها. ستكون هناك حاجة إلى جهد كبير في إعادة تفسير الشريعة واللاهوت والممارسات الأخلاقية من أجل الوصول إلى هذا الهدف.

خلال خطابك في ألمانيا، قلت إن اللاهوت الإسلامي مات. ما الذي كنت تعنيه؟

موسى: اللاهوت الإسلامي ميت من ناحية أن هناك مجتمعات طبيعية قليلة يمكن لأفرادها أن يفكروا في طبيعة الخير ضمن ظروف مستقرة. أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي تمر بقلاقل سياسية. وحيثما كانت الدول مستقرة، مثل إندونيسيا وماليزيا وتركيا وتونس، فإن سكانها سيكونون قادرين على اكتشاف سبل جديدة لفهم طبيعتهم وما يعنيه الله بالنسبة لهم وكيفية تجليه في هذا العالم. لكن هناك نوعاً آخر من اللاهوت الذي ما يزال حياً بشكل كبير: ذلك اللاهوت الذي يمجّد العنف والقوة على حساب كل شيء، مثل ذلك الذي يمارسه تنظيم "الدولة الإسلامية" والذي ينشره علماء الدين في الأنظمة القمعية.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة