حنينٌ فلسطيني للكرامة بات يشعر بمثله ملايين العرب

موسيقاه متأثرة بالمقامات الموسيقية العربية وبالمفاهيم الغربية مثل الهرمونيا. ومصير شعبه يمثل له -أيضا في أغنيته "علامة"- حنينه لنيل حقوقه وللاستقرار أو على الأقل لحياة كريمة بمخيمات اللاجئين. يعتبر عازف العود والمغني والشاعر والملحن الفلسطيني تامر أبو غزالة من الشخصيات الأكثر فعالية ونشاطا في الثقافة العربية البديلة: فهو يدير من القاهرة شبكة للموسيقى المستقلة، وقد أسس مجلة للموسيقى العربية وأصدر ألبومه الثالث بعنوان "ثُلث". شتيفان فرانتسن يسلط الضوء على هذا الفنان.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Franzen

يغنِّي تامر أبو غزالة بصور شبه كفكائية: "أنا تحَوَّلتْ لِحَشَرَة"، في أغنيته "بلاعات"، التي عبَّأها في إيقاعات شعبية إلكترونية ذات قرع متكرِّر. ويقول باللهجة المصرية:

"دي كُلّ مَرّة تِعَافِرْ تُوْصَلْ بَرّ أَمَانْ،

تِتْهَانْ، تِنْدَاسْ، تِتْفَعَّصْ مالرَّاسْ،

تِتْفَقَّش تِتْخِلـَّعْ تِتْدَشِّش تِتْقَطـَّعْ

تِتْرَبِّطْ تِتْيَتِّم تِتْزَبَّطّ تِتْوَلـِّع".

وبعد كلِّ طريقة للتعذيب يمكن تخيُّلها، تختفي هذه الحشرة المعذَّبة في المجاري، حيث تغرق. "هذه ليست استعارات لغوية"، مثلما يقول تامر أبو غزالة: "بل إنَّ هذه هي طريقتي للتعبير عن مشاعري. وعن الإحباط وخيبة الأمل من كلِّ تلك الأحداث، التي وقعت في مصر بعد الربيع العربي".

وتامر أبو غزالة يعرف عماذا يتحدَّث: فهو واحدٌ من العقول المبدعة الرائدة من بين المبدعين الشباب في القاهرة، الذين يشعرون بأنَّهم قد خُدِعُوا في ثورتهم. غير أنَّه لا يستسلم. وانطلاقًا من القاهرة أنشأ شبكة كاملة من المبادرات: من شركة الإنتاج الموسيقي "مستقلّ" ووكالة الحجوزات "المحرِّك" ووكالة الترخيص الموسيقي "أوياڤ" إلى مجلة النقد الموسيقي "معازف" - التي خرجت جميعها منذ عام 2007 من شركته "إيقاع"، التي يصفها بأنَّها "حاضنة" لعالم الموسيقى العربية المستقلة.

لا يوجد نظام بيئي للأصوات ووجهات النظر الجديدة

يقول تامر أبو غزالة: "كان لا بدَّ لنا من الاعتماد لفترة طويلة جدًا على بعض شركات الإنتاج الموسيقي الكبرى، حيث لم يكن هناك نظام بيئي يغذِّي في الواقع الأصوات ووجهات النظر الجديدة، أو يدعمها ويحقِّق لها الأرباح. لذلك فأنا أسعى إلى تغيير هذا الواقع".

لم يتحسَّن الوضع في فترة ما بعد الثورة. صحيح أنَّ تامر أبو غزالة يؤكِّد على أنَّه لم يتعرَّض قَطّ لأية رقابة أو تهديدات ملموسة لعمله، بيد أنَّ عدم وجود صناديق لدعم الثقافة وكذلك التجاهل التام من قِبَل وسائل الإعلام المحلية يعتبران أيضًا بمثابة عبء كبير.

وفنُّه الغنائي، الذي طوَّره الفنان تامر أبو غزالة ذو الثلاثين عامًا منذ نعومة أظافره والمتجذِّر بعمق في تراثه الفلسطيني، يُمثِّل متنفسًا ليأسه. وعلى الرغم من أنَّه قد وُلد في القاهرة، ولكن مع ذلك أمضى أثناء فترته المدرسية ستة أعوام في فلسطين كان لها تأثير على عمله، حيث تلقَّى هناك دروسًا في الموسيقى على يد الموسيقار الفلسطيني خالد جبران .

وحول ذلك يقول تامر أبو غزالة: "عزفي على العود والبُزق، وكذلك أسلوبي الغنائي تأثرا كثيرًا بهذه المرحلة، التي تعرَّفت خلالها على كلّ من موسيقى أجدادي التقليدية والموسيقى الفلسطينية الحديثة".

واليوم يعتقد أنَّ موسيقاه متأثِّرة بنظام المقامات الموسيقية العربية الكلاسيكية وكذلك بالمفاهيم الغربية مثل الانسجام (الهرمونيا) والطـِّباق. وقد جرَّبها في مشاريع فرق موسيقية مختلفة، من بينها فرقة "كزامدى"، التي ينتمي إليها أيضًا زيد حمدان من الفرقة الإلكترونية اللبنانية "الصابون يقتل"، أو في فرقة "الألف" العربية، المعروفة في كلِّ مكان من القاهرة وبيروت وحتى لندن بصوت ما بعد الثورة.

بُنية موسيقية معقَّدة للغاية

والآن أصبح بعض أعضاء فرقة "ألِف" يعزفون أيضًا في فرقة تامر أبو غزالة، المكوَّنة -كذلك من فنَّانين دوليين- من بينهم عازف البيانو شادي الحسيني من مدينة القاهرة وعازف الباص محمود والي، وعازف الدرامز خيَّام اللامي من مشهد موسيقى البانك روك اللندني، وكذلك عازف الإيقاع اللبناني خالد ياسين.

ومن تعاون هؤلاء الموسيقيين المنحدرين من خلفيات مختلفة نشأت قطع موسيقية متقنة للغاية. وبُنيتها الموسيقية المعقَّدة في ألبومه الحديث "ثُلث" تُذكِّرنا أحيانًا حتى بموسيقى الـ"بروغريسيف روك" لفرقة "كينج كريمسون" البريطانية أو فرقة الروك الإنجليزية "جينيسيس"، على الرغم من أنَّ تامر أبو غزالة يؤكِّد على أنَّه لم يطـَّلع قطّ على هذا النوع من الموسيقى.

وألبومه "ثُلث" يجب أن ننظر إليه كعمل فنِّي كلـِّي، يمزج في تصميم بياني معقَّد التصويرَ الفوتوغرافي والرسم وكذلك شعر تامر أبو غزالة الخاص مع قصائد حديثة وقديمة.

انعكاس لسوء الأحوال السياسية

فهو يُغنِّي على سبيل المثال في أغنية "حُبّ" أبيات من قصيدة للشاعر قيس بن الملوَّح - من القرن السابع الميلادي، تتحدَّث حول عذاب الحبُّ وآلامه. غير أنَّ تامر أبو غزالة ربط هذه الأبيات القديمة بالوضع الحالي. وحول ذلك يقول: "العدوانية في هذه الأغنية تعكس غضبي على الاعتداءات الإسرائيلية والحصار الذي تم فرضه على الضفة الغربية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية".

ومصير شعبه يُمثِّل له أيضًا في أغنيته "علامة" رغبةً وحلمًا، وهي أغنية تعود إلى شعر من تأليف الشاعر الإسكندري الشاب رامز فرج. "في هذه الأغنية يتعلـَّق الأمر بحنين الشعب الفلسطيني - حنينه إلى نيل حقوقه، وإلى الاستقرار، أو على الأقل إلى حياة كريمة في مخيَّمات اللاجئين، وهو حنين بات يشعر به اليوم أيضًا الملايين من السوريين والليبيين واليمنيين".

وأغنيته "حلم" أغنية متميِّزة. وبعد الاستماع بإمعان يكتشف المستمع فيها اللحن الكلاسيكي لأغنية "الكومندان تشي غيفارا" (أستا سيمبري كومندانتي) للملحِّن الكوبي كارلوس بويبلا، حتى وإن كان مضمونها يتَّجه في اتِّجاه مختلف تمام الاختلاف: "أبيات هذه الأغنية جاءت من نجيب سرور، وهو شخصية رئيسية في المسرح المصري المعاصر والشعر"، مثلما يقول تامر أبو غزالة: "نَصُّ الأغنية يشير إلى حلم من مسرحية، يظهر فيه لامرأة في حلمها حبيبُها المقتول، عندما يبتعد غارقًا بقارب في الأفق".

وبما أنَّ موسيقى تامر أبو غزالة ترتبط ارتباطًا وثيقًا مع النصِّ وبالتالي يجب على المرء أن يهتم بالكلمات المغناة، من أجل التمكُّن من تقدير عمله تقديرًا شاملاً، فقد يُمثِّل هذا بالنسبة للمستمعين الغربيين حاجزًا أكيدًا. ولكن مع ذلك فإنَّ مَنْ يبذل هذا الجهد، ينكشف له بذلك فنُّ النغمات الأكثر إثارة، والذي يُقدِّمه حاليًا المشهد الموسيقي العربي بعيدًا عن التيار العام. وهذه الأغاني لا تكشف فقط عن الغضب والتمرُّد، بل تكشف أيضًا ودائمًا عن جانب حسَّاس.

يقول تامر أبو غزالة: "التمرُّد يحمل في حدِّ ذاته شيئًا جميلاً، غير أنَّني لا أحب أن أعمد إلى تطوير أغنياتي في اتِّجاه معيَّن. فأنا أعبِّر ببساطة عن مشاعري، وأحيانًا تكون هذه المشاعر متمرِّدة أيضًا".

 

شتيفان فرانتسن

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de

 

ألبوم تامر أبو غزالة الأخير: "ثلث" (عن شركة الإنتاج الموسيقي مستقلّ / كارجو)