النيوليبرالية والاحتجاجات الإيرانية
انفتاح مرجل المحن الاقتصادية الملتهب في إيران

مظاهرات إيران، كأي احتجاجات في مكان آخر، تعبِّر عن مخاوف اقتصادية-اجتماعية خطيرة، وعن استياء من خطط النظام. فالمحافظون المعارضون للإصلاحي روحاني حلموا باستغلال المظالم، لإمالة الانتخابات الرئاسية الحاسمة التالية لصالحهم، بتأجيج لهيب مرجل المحن الاقتصادية كما فعل أحمدي نجاد. لكن هذه المرة فُتِح غطاء المرجل وأصابت نيرانه الجميع، كما يرى المختص الإيراني في علم الاجتماع أمين بوزورجيان.
في الأول من كانون الثاني/يناير من عام 2018 -اليوم الخامس من احتجاجات إيران- قرر الرئيس روحاني أن يحذو حذو مسؤولي الجيش والأمن في بلاده. وفي حين يتحدث عن أهمية الانتباه للوقائع السياسية والاقتصادية وحق الناس في الاحتجاج، يغض روحاني الطرف عن الواقع الحقيقي للوضع، مدعياً أن: "هناك أقلية، مجموعة صغيرة، تسعى للدخول وافتعال المشاكل: يهتفون بشعارات ضد القانون وإرادة الناس، ويهينون مقدسات الثورة وقيمها ويدمرون الملكيات العامة. سنضمن احتواءهم".
 
ولا يوجد أي شك بأن الحكومة -أي حكومة- دائماً ما تنخرط في "الاحتواء". إذ أنه من الأمور الأساسية في عمل الحكومة تجميع الثروة الجماعية، وجمع المرؤوسين، وتخزين القوة. وفي بعض الأحيان، يتّخذ مثل هذا الإجراء شكلاً أقسى. فالبنوك والسجون، مؤسستان مهمتان في النظام الإيراني الحديث، وهما بلورة الشكل النهائي لهذا التجميع. ويمكن لهذين الكيانين مساعدتنا على فهم ما الذي حدث في إيران في هذه الأشهر القليلة.
 
 

Arbeitslose Iraner warten auf Gelegenheitsjobs; Foto: Mizan
حياة من دون أي آفاق: في عام 2016، كان معدل البطالة في إيران بين 25 و30 %، رغم أن هذا الرقم من غير المرجح أن يمثّل كل أولئك الباحثين عن عمل. ففي كل عام، يلتحق مليون شابة وشاب بسوق العمل. ورسمياً معدل البطالة ضمن سكان الجمهورية الإسلامية بأكملها (81 مليون) هو 12.5 بالمئة -في الواقع ربما يكون الرقم أعلى من ذلك، إذ أن العديد من الإيرانيين المحبطين فشلوا كما يبدو في التسجيل كعاطلين عن العمل.
منذ لحظة طرح الخصخصة واقتصاد النيوليبرالية "الشرقية" في إيران خلال حكم هاشمي رفسنجاني (1989-1997) وخلال نضجها في أعوام روحاني، خلقت، إضافة لنتائجها الأخرى، طبقة من الناس المعدمين والفقراء الذين يرون أن إمكانياتهم الضئيلة مرتبطة بالحكومة ذاتها التي تستنزف سبل عيشهم. وبالنظر إلى اعتمادهم على المعونة الحكومية، فقد كان هؤلاء الناس دائماً أكبر الداعمين لأصحاب السلطة.
 
وبسبب التحديات الاقتصادية التي تفرضها سياسات التكيف للإدارات المتعددة والعقوبات الدولية، فقد توسّعت هذه الطبقة المزدهرة لتشمل الطبقة الوسطى الكلاسيكية، أما الآن فقد نفد صبرها، تماماً بالأسلوب الذي يصفه فيودور دوستويفسكي في روايته "في قبوي" [ترجمة: سامي الدروبي] أو "رسائل من أعماق الأرض" أو "مذكرات من العالم السفلي".
 
ولا ينبغي أن يكون من المستغرب ميل هذه الطبقة لترى نفسها بوصفها معارضة لكل فصائل نظام الحزبين في إيران (المحافظين والإصلاحيين). في الواقع، فإن الشيء ذاته الذي لم يستطع النظام في السلطة إنجازه - وهو: توحيد الحكومة- هو ما تقوم به حشود المقاومين هذه المرة. فالمتظاهرون يهتفون ضد كل الفصائل والكتل: إذ وُضِع الإصلاحيون، والمحافظون، والطبقات الوسطى وكل الطبقة الحاكمة في موضع الشك.
 
وإن كانت هذه الطبقة الواسعة في السابق أقل ميلاً للانضمام إلى الحركات العمالية والاجتماعية والسياسية نظراً لاعتمادها الكبير على مختلف الإدارات، فها هي -بسياق هذا الحدث غير المتوقع- في عملية انزلاق من حضن الأخ الكبير. وبشكل أكثر تحديداً، فقد فُتِحت الإمكانية من خلال المشاحنات السياسية داخل الكتلة الحاكمة.
 
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة