هل أوروبا مستعدة لموجة جديدة من المهاجرين بعد جائحة كورونا؟

قوارب الموت تحصد سنويا أرواح الآلاف المهاجرين الباحثين عن فرص حياة أفضل في أوروبا، هل من نهاية لهذه المأساة؟
قوارب الموت تحصد سنويا أرواح الآلاف المهاجرين الباحثين عن فرص حياة أفضل في أوروبا، هل من نهاية لهذه المأساة؟

انخفضت معدلات الهجرة إلى أوروبا خلال جائحة كورونا، بيد أنه مع إعادة فتح الحدود، يتوقع أن تشهد القارة موجة جديدة من المهاجرين، فما هي قدرة الاتحاد الأوروبي على استيعاب موجة جديدة منهم؟

الكاتبة ، الكاتب: Sonya Angelica Diehn

مع تجاوز البلدان الأوروبية ضراوة موجات جائحة كورونا، يقترب وقت التخلي عن الكمامات وإلغاء قيود كورونا. وفي ضوء ارتفاع معدلات التطعيم ضد فيروس كورونا، يتعين على الدول الأوروبية الاستعداد لمواجهة تحديات جديدة في عالم ما بعد كورونا خاصة مع فتح الحدود وتخفيف التدابير الاحترازية. واللافت أنه خلال الجائحة، انخفضت معدلات تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى القارة الأوروبية عام 2020، فيما يُتوقع أن ترتفع هذه المعدلات خلال الشهور المقبلة مع عودة الحياة إلى طبيعتها. 

ولن يتوقف الأمر عند المهاجرين الذين لم يتمكنوا طوال الفترة الماضيةمن شق الطريق إلى أوروبا إذ سيحاولون تدارك الأمر، بل يُتوقع أن تكون الجائحة عاملا إضافيا يدفع المزيد لترك بلدانهم بعد أن أثقل الوباء كاهل الملايين حول العالم. وبالنظر إلى كل هذه المعطيات، يُتوقع أن يشهد الاتحاد الأوروبي عاصفة لن تقل ضرورتها عن عاصفة كورونا.

قيود كورونا قللت وتيرة الهجرة

منذ بدء تفشي وباء كورونا قبل عام ونصف، أثرت القيود وحالة الإغلاق العام في البلدان الأوروبية على المهاجرين وطالبي اللجوء، إذ قلل غلق الحدود وقيود السفر وتدابير احترازية أخرى من عمليات الهجرة إلى أوروبا بشكل كبير.

ووفقا للمفوضية الأوروبية فإنه خلال عام 2020 شهد الاتحاد الأوروبي "انخفاضا بنسبة 33 بالمائة على أساس سنوي في أعداد طلبات اللجوء". وأضافت المفوضية أن عبور المهاجرين بشكل غير قانوني عبر المعابر الحدودية انخفض بشكل غير مسبوق منذ 2013.

بيد أن هذا الأمر أنطوى على تطورات مقلقة في مجال حقوق الإنسان إذ أغلقت مكاتب اللجوء والقنصليات أبوابها، فيما أصبحت بعض المناطق الحدودية والموانئ غير أمنة. وإزاء ذلك، لم يتمكن طالبو اللجوء من تقديم الطلبات في بعض الحالات، فيما علق الكثير منهم في ظروف غير إنسانية وغير صحية جراء قيود التنقل التي فرضت إبان جائحة كورونا فعلى سبيل المثال ظل آلاف المهاجرين عالقين في جزيرة ليسبوس اليونانية خلال العام الماضي.

مع زيادة تدفق المهاجرين إلى أوروبا أضحت ليبيا أحد البلدان الرئيسية التي يبحرون منها إلى أوروبا.
مع زيادة تدفق المهاجرين إلى أوروبا أضحت ليبيا أحد البلدان الرئيسية التي يبحرون منها إلى أوروبا

بيد أن قيود كورونا لم تقلل من تدفقات الهجرة إلى أوروبا وحسب، بل أدت أيضا إلى تغيير مقاصد المهاجرين إذ دفع إغلاق الحدود في اليونان المهاجرين بعيدا عن شرق البحر المتوسط. وقد استعاض الكثيرون منهم بالإبحار إلى منطقة وسط البحر المتوسط من شمال إفريقيا في رحلات محفوفة بمخاطر الموت من كل اتجاه قاصدين إيطاليا. وخلال هذه الرحلات، غرق العديد من المهاجرين.

تزايد الهجرة غير النظامية "قريبا"

وفيما يتعلق بالعام الجاري، رسمت البيانات الحديثة الصادرة عن الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) صورة مغايرة عن العام المنصرم. فقد أشارت إلى ارتفاع وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا بنسبة 64 بالمائة من يناير / كانون الثاني إلى أغسطس / آب مقارنة بالفترة نفسها خلال العام الماضي. كما تضاعفت موجات الهجرة غير النظامية عن "طريق البلقان" عبر تركيا ومنطقة وسط البحر المتوسط التي تعد أكثر طرق الهجرة خطرا في العالم. وعزت فرونتكس هذه الزيادة إلى "استئناف تدفقات المهاجرين بعد رفع قيود كورونا".

وقد تزامن هذا الارتفاع مع انخفاض معدلات عبور الحدود في منطقة شرق المتوسطبشكل غير قانوني جراء إغلاق الحدود اليونانية على الأرجح. وبالنظر إلى جنسيات المهاجرين، فقد شكل التونسيون القسم الأكبر من أعداد المهاجرين الذين تم تسجيلهم بعد أن عبروا منطقة وسط البحر المتوسط ​​بشكل غير قانوني العام الجاري والبالغ عددهم 41 ألفا. احتلت بنغلاديش ومصر قائمة دول المنشأ، فيما تصدرت ليبيا وتونس قائمة دول الرحيل.

وفي سياق متصل، سجلت المنظمة الدولية للهجرة غرق 1163 مهاجرا في منطقة وسط البحر المتوسط حتى سبتمبر / أيلول الماضي مقارنة بغرق 619 شخصا خلال نفس الفترة من العام الماضي. وفي ذلك، قالت جوليا بلاك  - مسؤولة في مركز تحليل بيانات الهجرة العالمي التابع للمنظمة الدولية للهجرة-  "لقد رصدنا عاما آخرا مات فيه أكثر من ألف شخص بلا دعاع".  كذلك تضاعفت أعداد المهاجرين الذين يعبرون طريق غرب البلقان بشكل غير قانوني مقارنة بما تم تسجيله العام الماضي فيما كان معظمهم من سوريا وأفغانستان والمغرب.

في زمن الجائحة.. التدفق صوب الشمال

وحذرت فرونتكس من أن الأوضاع السياسية والاجتماعية غير المستقرة مع تداعيات جائحة كورونا سواء الاقتصادية والاجتماعية "تزكي مشاعر الاستياء بين الناس وربما تؤدي إلى تفاقم العوامل الحالية التي تدفع إلى الهجرة غير النظامية نحو الاتحاد الأوروبي". ويتفق بعض المراقبين على أن جائحة كورونا قد تكون دافعا لموجات جديدة من الهجرة.

وفي ذلك، قال مارتن هوفمان – مستشار بارز في ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﻭلي ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ المعروف اختصار بـ ICMPD – "إن جائحة كورونا تزيد من العوامل التي تدفع المهاجرين غير النظاميين إلى شق الطريق صوب أوروبا". وأضاف "فعلى سبيل المثال أدى تراجع السياحة ومصادر الدخل في تونس إلى دفع عدد كبير من التونسيين إلى السفر إلى أوروبا بطريقة غير نظامية". وأشار الباحث إلى أن الفشل في تطبيق خطط لانتعاش اقتصادي بشكل متساو وعادل قد يدفع الناس إلى البحث عن مصدر رزق آخر في دول أخرى، مشيرا إلى أن تدفقات المهاجرين سيؤثر على الاقتصاد وأيضا على انتشار الفيروس.

قوارب الموت تحصد سنويا أرواح الآلاف المهاجرين الباحثين عن فرص حياة أفضل في أوروبا، هل من نهاية لهذه المأساة؟
قوارب الموت تحصد سنويا أرواح الآلاف المهاجرين الباحثين عن فرص حياة أفضل في أوروبا، هل من نهاية لهذه المأساة؟

كورونا ضاعفت من معاناة المهاجرين

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى نقطة هامة تتعلق بمدى تعرض المهاجرين لخطر الإصابة بفيروس كورونا. وفي ذلك، قالت آشا مانوهاران - محللة بيانات في مركز تحليل بيانات الهجرة العالمي التابع للمنظمة الدولية للهجرة- إنه فيما يتعلق بالمهاجرين غير النظاميين وذوي المهارات المنخفضة، فإن ظروف معيشتهم وعملهم "تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا".

وأضافت "للأسف، فإن معدل الوفيات بين هذه الفئة المهاجرين أعلى من غيرهم. وما يفاقم الوضع حصولهم على رعاية صحية محدودة بما يشمل ذلك حملات التطعيم ضد الفيروس". وأشارت إلى أن المنظمة الدولية للهجرة وجدت أن "33 بالمائة فقط من 152 دولة على مستوى العالم أدرجت المهاجرين غير النظاميين في خطة التطعيم الوطنية الرسمية". ومع ذلك ، شددت مانوهاران على أن "المهاجرين لا يزالون يشكلون الجزء الهام من القوة العاملة في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم".

ويمكن عن طريق الارقام إثبات هذا الأمر إذ أشارت التقديرات إلى أن المهاجرين يشكلون نسبة 13 بالمائة من القوى العاملة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يعطيهم أهمية كبيرة في مواجهة تحديات الجائحة. إضافة إلى ذلك تعتمد العديد البلدان الأوروبية على العمالة الموسمية وقد كان لذلك تأثير حقيقي خلال مواسم حصاد السنة الفترة الأولىمن الجائحة.  وإزاء ذلك، دعت مانوهاران إلى ضرورة أن تعمل الدول الأوروبية ودول العالم بأسره على إدراج "المهاجرين غير النظاميين في خطط الرعاية الصحية والتطعيم".

 

سونيا دين/ م.ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021