
الصراع على كشمير: إرث سياسة "فَرِّقْ تَسُدْ" الاستعمارية البريطانية
على غرار الكثير من نزاعات هذا العالم بدأ الخلاف حول كشمير مع الاستقلال من القوى الاستعمارية. ففي 1947 تنازلت بريطانيا أمام ضغط حركة الاستقلال السلمية للمهاتما غاندي والحركة الإسلامية وتخلت عن مستعمرتها الهند البريطانية. وخلف البريطانيون وراءهم دولتين: الاتحاد الهندي العلماني وجمهورية باكستان الإسلامية.
والدولة الأميرية جامو وكشمير التي تقع في المنطقة الحدودية الشمالية للدولتين الفتيتين كانت تقف مع تقسيم المستعمرة السابقة أمام مشكلة: فالحاكم كان ماهاراجا (ملك) هندوسي والسكان في غالبيتهم مسلمون. وكان الماهاراجا هاري سينغ يأمل في إعلان استقلال منطقته وكان يؤجل بالتالي الانضمام إلى إحدى الدولتين الفتيتين.
غير أن الوضع الخاص في سهل كشمير كان مهما لكلتا الدولتين: فالهند ترى نفسها إلى اليوم أمة علمانية تتعايش فيها عدة ديانات، وعليه فإن الولاية الوحيدة بغالبية مسلمة مكون هام في الدولة الجديدة. أما باكستان فتنظر إلى نفسها كدولة لجميع المسلمين في جنوب آسيا.
حروب كشمير
وفي الوقت الذي مازال فيه الماهاراجا سينغ يتردد في تحديد موقفه، كان مقاتلون باكستانيون يحاولون خلق حقائق على الأرض وبسط السيطرة على كشمير. هاري سينغ طلب مساعدة الهند وبعدها بوقت قصير كانت وحدات الجانبين تقف أمام بعضهما البعض. وحرب كشمير الأولى انتهت في الأول من يناير 1949 بتقسيم كشمير على طول "خط المراقبة" وهي الحدود غير الرسمية إلى يومنا هذا.
والأمم المتحدة أرسلت حينها مهمة مراقبة لا تزال موجودة إلى اليوم في عين المكان. وباكستان تراقب منذ 1949 المحافظة الشمالية غلغيت بالتستان ومنطقة أزاد كشمير، والجزء الهندي انتقل في 1957 إلى ولاية جامو وكشمير.

والعقود اللاحقة كانت مطبوعة بالتسلح على كلا الجانبين. وبدأت الهند بتطوير قنبلة نووية، وأطلقت باكستان برنامجا نوويا خاصا بها كي تتمكن من مواجهة الجارة القوية. واليوم تملك الهند وباكستان بحسب التقديرات نحو 140 إلى 150 من الرؤوس النووية. والهند على عكس باكستان استبعدت تنفيذ ضربات أولية. وتعد النفقات الباكستانية للبرنامج النووي مرتفعة جدا مقارنة بقوتها الاقتصادية، وتهدف باكستان في برنامجها ألا تتأخر عسكريا عن جارتها الهند.
وفي عام 1965 حاولت باكستان مرة أخرى تغيير المسار الحدودي بالقوة العسكرية، إلا أنها فشلت أمام القوات العسكرية الهندية. وفي عام 1971 حصلت مواجهة للمرة الثالثة بين الجارتين، وهذه المرة كانت كشمير ساحة حرب جانبية، إذ دارت المعارك حول بنغلاديش التي تبعد 2000 كيلومتر عن كشمير. والهند التي كانت تدعم مقاتلي الاستقلال البنغال، هزمت هذه المرة باكستان أيضا. وعلى إثرها وقع البلدان في 1972 على اتفاقية شيملا التي تقوي أهمية "خط المراقبة" وتحبذ مفاوضات ثنائية توضح استحقاقات منطقة كشمير.