وجه قبيح من الوجوه الشنيعة للحرب السورية

في سوريا ينتشر حاليا مرض الليشمانيا المعروف باسم "حبة حلب" - وهو مرض مُعدٍ ينتقل عن طريق ذبابة الرمل وينتشر بسرعة بين أنقاض المدن المدمَّرة، التي تمثِّل مرتعًا للأمراض. ومع ذلك فإن الغرب يغض نظره عن سوريا، مثلما يفعل كثيرا في الحرب السورية. الصحفي الألماني شتيفان بوخِن يسلط اللضوء لموقع قنطرة على الأوضاع الصحية في سوريا في ظل الحرب والدمار.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Buchen

أشلاء وأطراف ممزَّقة، وأشخاصٌ يمشون على العكاكيز وعلى الكراسي المتحرِّكة، وآخرون تُغطي عيونهم قطعٌ جلدية. عندما لا تؤدِّي الحرب إلى القتل، بل إلى "التشويه"، فعندئذ تتبادر إلى ذهننا مثل هذه المظاهر. وفي الواقع لقد خلقت المعارك في المنطقة الممتدة بين شرق المتوسِّط ونهر دجلة جيشًا من مثل هؤلاء المعوَّقين بسبب الحرب.

الدمار في سوريا لديه العديد من الوجوه. والحرب تجعل الناس بطرق مختلفة ضعفاء وعرضة للإصابة. وهي تضعف لديهم أشياءَ كثيرة من بينها مناعتهم. وفي الحرب يعاني الكثيرون من سوء التغذية ويعيشون في ظروف صحية حرجة. وفي الوقت نفسه تجعلهم الحرب بشكل متزايد على اتِّصال مباشر مع البعوض وذبابة الرمل. وهذا خليط له تبعات وعواقب كثيرة.

وهذه الحشرة موجودة في أنقاض المدن والقرى المدمَّرة، وفي أكوام القمامة الملقية في كلِّ مكان وحول المراحيض المرتجلة في الأماكن السكنية الجديدة. وتنتشر في الشقوق والكسور ومراحيض المناطق المنهارة. كثيرًا ما يقضي اللاجئون الليل في الهواء الطلق أو في المخيمات، ولذلك فهم معرَّضون كثيرًا للحشرات والآفات.

معدَّل مرتفع في عدد الإصابات الجديدة

تحمل أنثى ذبابة الرمل طفيليات، تُسَبِّب مرضًا جلديًا معروفًا في سوريا منذ فترة طويلة. ويطلق على هذا المرض في اللغة العامية اسم "حبة حلب"، بحسب اسم مدينة حلب التاريخية في شمال سوريا. هذه الطفيليات تلتهم الجلد وتترك مكانه أنسجة ملتهبة ومتقرِّحة. ومنذ بدء الحرب ترتفع أعداد الإصابات ارتفاعًا حادًا.

"قبل الحرب كانت توجد في كلِّ أنحاء سوريا نحو عشرة آلاف حالة جديدة سنويًا"، مثلما يقول كنان حياني، وهو طبيب مختص في الأمراض الجلدية كان يعمل حتى نهاية عام 2011 في المستشفى الجامعي في حلب. وثم هرب من سوريا. وكنان حياني البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا يعمل الآن طبيبًا مساعدًا في قسم الطب الاجتماعي السريري في مستشفى جامعة هايدلبيرغ. وهو خبير في هذا المرض المعروف علميًا باسم مرض الليشمانيا الجلدي.

الطبيب السوري كنان حياني،  طبيب مساعد في قسم الطب الاجتماعي السريري في مستشفى جامعة هايدلبيرغ. Foto: Stefan Buchen
"Im Jahr 2013 haben meine ehemaligen Kollegen allein in der Stadt 23.000 Neuinfektionen gezählt, und zwar nur in dem Teil von Aleppo, der von den Regierungstruppen kontrolliert wird", berichtet der Syrer Kinan Hayani, der heute als Assistenzarzt am Institut für klinische Sozialmedizin der Uni-Klinik Heidelberg tätig ist.

وكنان حياني لا يزال على اتِّصال مع زملائه السابقين في حلب. وحول انتشار المرض يقول: "في عام 2013 أحصى زملائي السابقين فقط في مدينة حلب ثلاثة وعشرين ألف إصابة جديدة، وهذه الإصابات فقط في القسم الذي تسيطر عليه قوات النظام في مدينة حلب". وبعد ذلك منع نظام الأسد مركز الليشمانيا في مستشفى حلب من الإفصاح عن أية إحصاءات، لأسباب تتعلق بالأمن القومي".

وبسبب اضطرابات الحرب لم تعد توجد أية أرقام دقيقة. وفي عموم سوريا من المتوقَّع أنَّ هذا المرض قد "ارتفع بنسبة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أضعاف" بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب، مثلما يضيف كنان حياني. وهذا يعني مئات آلاف الإصابات منذ بدء الحرب. ويصف كنان حياني تفشي المرض بهذا الشكل بأنَّه "مروِّع"، لا سيما وأنَّ المصابين غالبًا ما لا يحصلون على العلاج المناسب أو أنَّهم لا يتلقَّون أي علاج. ويتم إيقاف الطفيليات بدواء يحتوي على مادة الأنتيمون، التي يجب حقنها في مناطق الجلد المصابة.

ندوب دائمة

يقول الطبيب السوري كنان حياني: "عندما يبقى مرض الليشمانيا من دون علاج، فإنَّ هذا المرض يترك ندوبًا بشعة". والمرضى المشوَّهون بسبب الجروح والندوب الناجمة عن "حبة حلب"، يعانون في أغلب الحالات أيضًا من الاكتئاب واضطرابات القلق، مثلما تُبَيِّن الدراسات.

وآثار هذا المرض تبقى واضحة. وربما سوف تُعرَض في كتب التاريخ أو في معرض فنِّي صورةُ فتاة صغيرة اِلتهمت طفيليات الليشمانيا أنفها وخدَّها. إنه وجه من الوجوه القبيحة الكثيرة للحرب السورية. تنتشر هذه الآفة عندما تنهار حضارة ما ويفشل التعاون والتفاهم بين الناس: لقد ظهرت هذه الآفة في الشرق الأوسط في عهد المسيح. والآن عادت لتجتاح المنطقة من جديد.

 وليست هذه المنطقة وحدها. فبطبيعة الحال يعاني أيضًا من مرض الليشمانيا بعض اللاجئين السوريين، الذين يأتون إلى ألمانيا. ومن بين هؤلاء اللاجئين على سبيل المثال خَلَف باري، الذي هرب من الحسكة في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 إلى أقربائه في ألمانيا. وبعد أن عرض هذا الرجل الجروح والندوب الموجودة في يده اليسرى وساقه اليمنى على ثلاثة أطباء في ولايتي سكسونيا السفلى وبريمن، اعتقد الأطباء أنَّه مصاب بحروق أو بجروح أخرى من الحرب. ولذلك لم يتلقَّ خَلَف باري في البداية أية مساعدة.

 وتظهر النداءات الموجَّهة إلى الإدارات، التي ينبغي في الواقع أن تكون على علم بذلك، مدى عدم جاهزية ألمانيا للتعامل مع هذا الموضوع بشكل كافٍ. وفي هذا الصدد لا يستطيع الخبير المختص في معهد برنارد نوشت للطب في المناطق الحارة في مدينة هامبورغ الألمانية أن يجيب بأي شيء على السؤال حول مدى تأثير الحرب في سوريا على انتشار مرض الليشمانيا. وقد أحالنا إلى مستشفى جامعة هامبورغ إيبندورف UKE.

 وهناك عبَّر الأطباء أيضًا عن لامبالاتهم، وحتى أنَّهم قد أنكروا زيادة حالات مرض الليشمانيا بسبب الحرب، على الرغم من أنَّهم يشاهدون في قسم الإسعاف "في بعض الأحيان لاجئين" يعانون من تعرُّضهم للطفيليات.

 نقص في التعاطف مع المصابين

 في أماكن كثيرة لا يوجد نقص في الخبرة، بل نقص في التعاطف مع المصابين. ويظهر هذا أيضًا في المستشفى العسكري الألماني في هامبورغ. وفي هذا المستشفى توجد خبرة بهذا المرض. ففي أفغانستان يخشى الجنود الألمان من ذبابة الرمل أكثر من خوفهم من حركة طالبان، حيث شاهد ذلك في عام 2006 مؤلف هذا المقال في أثناء زياراته إلى معسكر قندوز. وقد كان هناك طارد البعوض بمثابة سلاح دفاعي مهم. لكن على الرغم من ذلك فقد أصيب بعض الجنود بهذا المرض، مما أثار حالة من الذعر والخوف. ولكن ماذا عن اللاجئين السوريين الذين يعانون من مرض الليشمانيا؟ وهنا لا يعبأ أي أحد بذلك. ولا أحد يريد الاهتمام بهؤلاء المرضى.

Entstellungen durch Leishmaniose; Foto: Stefan Buchen
"عندما يبقى مرض الليشمانيا من دون علاج، فإنَّ هذا المرض يترك ندوبًا بشعة"، مثلما يقول الطبيب كنان حياني: والمرضى المشوَّهون بسبب الجروح والندوب الناجمة عن "حبة حلب"، يعانون في أغلب الحالات أيضًا من الاكتئاب واضطرابات القلق، مثلما تُبَيِّن الدراسات.

ومرة أخرى يصعب تجاهل آثار هذا المرض. اللامبالاة لدى كبرى المؤسَّسات الألمانية لهذا الموضوع تُذكِّرنا بالاستهتار، الذي يراقب من خلاله المجتمع الدولي الحرب في سوريا منذ عدة أعوام.

 العيادة الصغيرة نسبيًا في منطقة باسوم بالقرب مدينة بريمن الألمانية تتعامل بمثال أفضل مع هذا الموضوع. فقد كان قسم اليدين والجراحة التجميلية رابع جهة لجأ إليها اللاجئ السوري خلف باري لطلب المساعدة. وهناك استمع الأطباء بعناية لهذا المريض السوري، الذي ذكر لهم أنَّه تعرَّض للدغات من البعوض، وقد تمكَّنوا من تشخيص مرضه بالشكل الصحيح.

 وعلى العموم فإنَّ الخبراء في ألمانيا في حاجة إلى "المزيد من الحساسية" في هذا الموضوع، مثلما ينصحهم الطبيب القادم من حلب كنان حياني. إذ إنَّ الأمر ببساطة يتعلق بأكثر من الدواء. ومثلما قال الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي (ولد عام 1210 وتوفي عام 1292) مُحَذِّرًا:

 "بَنُو آدَمٍ جَسَدٌ واحدٌ،

إلى عُنْصُرٍ واحدٍ عائدٌ.

إذا مَسَّ عُضْوًا أَلِيْمُ السّقَامِ،

فسَائِرُ أعْضَائِهِ لا تَنَام".

 

شتيفان بوخِن

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة ar.qantara.de 2016

  

يعمل الكاتب شتيفان بوخِن صحفيًا تلفزيونيًا لصالح برنامج "بانوراما" وبرامج أخرى في القناة الألمانية الأولى ARD.