تكريت: من قلعة صدام حسين إلى مدافع الجنرال قاسم سليماني

على مشارف تكريت وما تمثله في تاريخ صدام حسين وسلالته وأقاربه وحتى حزبه، وقف جنرال إيران القوي الشهير قاسم سليماني ليضع بصمته على لحظة تغيير سياسي وتكويني حاسم. إيران تدعم الحشد الشعبي العراقي وقوامه ميلشيات ومتطوعين شيعة في الغالب لتحسم الحرب ضد تنظيم "داعش"، الذي احتل تكريت وثلث العراق الغربي. ملهم الملائكة يتابع هذا الملف حصريا لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: ملهم الملائكة

سكان تكريت، وقد يتبعهم سكان الأنبار والموصل، يقفون مذهولين، أمام المعادلات، التي انقلبت في أقل من نصف قرن. فأغلب جنرالات جيش صدام، الذي حارب إيران على امتداد ثمانينات القرن الماضي ينحدرون من تكريت وما حولها، وهي التي سميت محافظة صلاح الدين في نهاية ستينات القرن الماضي. وهاهم اليوم يقفون على مفترق خيارين، أحلاهما مر، فاما الخضوع لفوضى التوحش الداعشي العابرة للحدود والتي تلغي كل شخصية قبلية ودينية ومذهبية واثنيه، ولا تقبل إلاّ ببيعة مطلقة لخليفتها الغامض أبو بكر البغدادي، أو القبول بقوات طالما وصفها التكارتة ( كما يطلق أهل العراق على أبناء مدينة تكريت)  أنفسهم بأنها صفوية تدين بالولاء لإيران.

ولا يفوت المراقب ملاحظة أن عناصر تنظيم داعش قد هدموا  قبر صدام في مسقط رأسه مدينة العوجة، باعتباره ضريحا يمثل شركاً بالله وهو ما يتعارض مع تعاليمهم المستوحاة في أغلب تفاصيلها من الوهابية، وهو ما خلق لدى سكان المنطقة، التي تفتخر بأنها أنجبت من يدعوه بـ" قائد الأمة وفارسها"، حالة إحباط وخيبة دفعت قسماً من أعيانهم وشيوخ قبائلهم الى قبول فكرة الدعم الإيراني.

فجأة يجد أهل تكريت ومن حولها من المقربين لصدام حسين وحاشيته أن أملهم الوحيد وحليفهم الممكن في الحرب على داعش، التي لا تقبل شراكة هو إيران، بل تحديدا رجل ايران القوي، الذي يتصرف بتواضع الجنرال قاسم سليماني، الذي يكنّى في الدوائر السياسية الشيعية "الحاج سليماني" دون إشارة الى رتبته تحبّبا وتقرّبا أو تحفّظا وتكتّما.

سليماني من الكواليس الى البطولة والنجومية

قبل 10 سنوات لم يعرف أحد في إيران أو في المنطقة من هو الجنرال قاسم سليماني، لكن الاحتكاك الامريكي بالقيادات الايرانية على مدى عقد من الزمن إبان الوجود الامريكي في العراق وضع سليماني تحت الأضواء. بل وصل الأمر الى أنّ السفير الأمريكي لدى العراق رايان كروكر وفي مقابلة مع "بي بي سي" فارسي قبل عامين، قد دعا إلى الاستعانة مجددا بالدور غير المباشر الذي لعبه الجنرال سليماني في محادثات بغداد.

في داخل إيران، حيث تشيع أساليب التكتم والسرية في تعامل المسؤولين مع الملفات الخارجية، لم يكن أحد يعرف الجنرال الغامض تقريباً، لكن حضوره المستمر في لبنان وسوريا والعراق وضعه تحت الأضواء، لدرجة أنّ الفائز الأول في مهرجان فجر للأفلام السينمائية  في ايران محمد علي شعباني وبحضور الحاكم الروحي الأوحد لإيران آية الله خامنئي أهدى جائزته إلى "سردار حاج قاسم سليماني"، وهو أمر نادر الحدوث في مثل هذه المناسبات في اجواء الحضور الطاغي للخامنئي والذي يشار اليه بتفخيم بالغ في إيران بعبارة "مقام معظّم رهبري".

وفي تطور بطولي دراماتيكي (يُذكّر الى حد كبير بسطوع نجم الفريق السيسي ووصوله الى رئاسة الجمهورية في ظل انهيار جمهورية الاخوان قصيرة العمر في مصر)، يتولى الجنرال سليماني في هذه المرحلة الاشراف الوثائقي والمعلوماتي على فيلم يُنتج في إيران عن صدام حسين العدو التاريخي للجمهورية الاسلامية.

دراجات وبيارق البسيج والباسداران في الميادين

الموقف الأمريكي حسم الشك باليقين، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأييدها للتدخل الإيراني في الحرب على داعش، وكشف رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي أنّ دور إيران والميليشيات الشيعية في الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من تنظيم" الدولة الإسلامية " يمكن أن يكون "ايجابيا"، إذا لم يؤد إلى توترات طائفية مع السنة. وهو ما فُسر بأنه قبول أمريكي للدور الإيراني مشروط بخجل.

وهكذا باتت تكتيكات قوات التعبئة الشعبية (البسيج) والحرس الثوري الإيراني( باسداران) تسود ساحة المعارك حول تكريت، فالدراجات النارية، التي تُقل مقاتلين يحملون قاذفات صواريخ وقاذفات قنابل خفيفة، والشاحنات الصغيرة، التي تحمل رشاشات متوسطة (من عيارات 10.5، و12.5 وحتى 14 مليمتر)، والأخرى التي تحمل راجمات صواريخ صينية صغيرة خفيفة هي التي تتنقل في الميادين وفوقها ترفرف رايات باللون الأصفر والأخضر وعليها شعارات تنتخي بالمهدي المنتظر وبآل محمد.

 كما أن أغلب المقاتلين باتوا يربطون على جبينهم مناديل الحرس الثوري المطرّزة بأسماء ائمة الشيعة وبالأدعية والابتهالات والتي تدعى بالفارسية ( بيشون بند)، وحتى الكوفيات التي يلفها المقاتلون حول رقابهم هي اليوم ايرانية احوازية أو من مناطق لرستان وكردستان ايران، وغابت تماما الكوفيات الفلسطينية والاردنية والخليجية التي كانت سائدة في العراق ، وانحسر استخدامها في مناطق غرب العراق.

الكاتب والباحث مهند العزاوي، مدير مركز صقر للدراسات الإستراتيجية، يعتبر ذلك من مظاهر الفشل الأمريكي الذريع في التجربة العراقية بعد عام 2003، مؤكداً في الوقت نفسه أن "ظهور الجنرال قاسم سليماني والبهرجة الإعلامية التي أحيط بها ، في امرلي أولا وفي بغداد بعدها، ثم في سامراء واليوم في تكريت هو بالتأكيد ليس شيئاً ايجابياً، وحين يتكلم الآخرون عن قانون ودولة ذات سيادة وقانون دولي فكيف نصف تدخل الحرس الثوري والبسيج في أمور تخص العراق داخليا ؟ ".

" أين الجيش الذي كلف بناءه ترليون دولار؟"

وعلى الرغم أن كثير من المراقبين والمحللين ما برحوا يرددون نظرية وجود اتفاق أمريكي إيراني لإسقاط صدام حسين عام 2003، إلا أنّ الوقائع على الأرض أضفت شكوكا على هذه النظرية. لكن سياسة الرئيس الأمريكي باراك اوباما، التي ركزت على عدم التدخل بقوات برية عسكرية أمريكية في اي بقعة في العالم، فتحت الباب لاجتهادات شتى بخصوص سياسة الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة.

الخبير الاستراتيجي والعسكري مهند العزاوي يرى أن "الإدارة الأمريكية وجدت في القوة الايرانية على الأرض الذراع المطلوب لمقاتلة داعش"، ثم مضى الى القول متسائلا: "لماذا يحتاج العراق الى القوات الايرانية، وماذا جرى للجيش الذي كلّف بناءه 10 سنوات من الزمن، وترليون دولار من النفقات ؟".

ويبدو أن العراقيين عاجزون عن انشاء جيش متكامل يضم كل المكونات بالتساوي بغض النظر عن انتماءاتهم. فالكرد يعتبرون قوات البيشمركة المجرّبة جيشهم، وإيران بقواتها واحدا من حلفائهم وقد كان الجنرال سليماني نفسه حاضرا في معارك تحرير سنجار والمناطق التركمانية في شمال وجنوب كركوك وقدم الدعم الاستخباري وربما اكثر من ذلك  لقوات البيشمركة.

 أمّا الحكومة المركزية ، فتعوّل على قوات شبه نظامية متعددة تحمل تسميات مختلفة وتعمل بمشوّرة حرس الثورة الايراني وبتسليحه ودعمه المباشر، مفضّلة هذه القوات على جيش نظامي لا تضمن ولاءه.

 فيما اعتمد سكان مناطق غرب العراق على قوات الصحوات العشائرية التي انشأتها الادارة الامريكية في العراق لمحاربة تنظيم القاعدة وارهابيي ابي مصعب الزرقاوي، ونجحت فعلا في القضاء عليه في عام 2007.

وهكذا اضحى الوجود الايراني ووجود خبرات عسكرية من دول أخرى بمثابة ضامن متعدد المراكز لتوجيه مستويات القوة في المعارك.

" إيران تعتبر العتبات المقدسة في سوريا و العراق خطا أحمر"

ويخلص من يراقب الوضع في العراق وسوريا الى أنّ الولايات المتحدة قررت أن ترفع يدها عن الملفين وتترك لإيران التصرف بهما، وفي حالة العراق وصف د العزاوي ذلك (بمعركة بدون تكاليف) تنتصر فيها الولايات المتحدة بالجيش الايراني وأسلحته وموارد دولته على تنظيم داعش .

لكن المختصين بالشأن الايراني يرون في هذه الفرضية "تسطيحا للحقائق" على حد تعبير الباحث والكاتب الاسلامي المقيم في لندن علي رمضان الأوسي وهو يحاور الكاتب حول الدور الايراني في معركة تكريت وما بعدها. وفي معرض شرحه للموقف الايراني أعتبر الاوسي أنّ "إيران تعتبر العتبات المقدسة في سوريا أو العراق خطا أحمر، والشعب العراقي متجاوب مع هذا التوجه ( ويقبل الوجود الايراني العسكري بسببه)، ويوجد الآن نحو 5000 مقاتل من عشائر صلاح الدين يعملون بإمرة الحشد الشعبي ويتلقون الدعم والمشورة من القوات الايرانية".

تعليقات وردت من "جمهور فيسبوك" إجابة عن سؤال طُرح على صفحة DW عربية فيسبوك بخصوص الدور الايراني في معركة تكريت، وعكست جزءا من وجهة نظر الشارع العربي، ونصّ أغلبها على شرعية الاستعانة بإيران ما دام الجانب الآخر يستعين بقطر والسعودية والأردن وتركيا على حد تعبير كثير منها، فيما تساءل البعض: لماذا يجوز للكرد أن يستعينوا بكل دول العالم ، دون اعتراض من أحد، فيما يعترض البعض على استعانة حكومة العراق بإيران ؟

وسبق لرئيس حكومة إسرائيل بينامين نتيناهو في خطابه أمام الكونغرس الأميركي الاعلان أن ايران تهيمن على أربع عواصم عربية ( دمشق - صنعاء- بيروت- بغداد)، وهو ما يمكن ان يخلص اليه أي مراقب لمسار التحولات في المنطقة، وأرجع مهند العزاوي ذلك الى وقت مبكر، "منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق في عام 2011 أصبحت إيران المهيمن على الملف العراقي، ولا يمكن القفز على الحقيقية الجغرافية بأن إيران هي جار للعراق، ولكن المشكلة هي أن حساسيات الماضي، وما جرى خلال السنوات العشر الماضية لم يسمح للعلاقة بين البلدين أن ترتقي الى مستوى الجيرة".

 

ملهم الملائكة

حقوق النشر: موقع قنطرة ربيع 2015