انهيار اقتصاد سوريا يلهب الغضب في نفوس السوريين والسوريات بمناطق سيطرة الأسد الذي يبدو في مأمن

الغضب يغلي في النفوس لانهيار الاقتصاد السوري لكن الأسد في أمان على ما يبدو: في الحواري الخلفية بمدينة دمشق القديمة يعمل ياسين العبيد بنقل قوالب الطابوق (الطوب) لكسب بعض المال الإضافي ليعينه على قضاء حاجاته إلى جانب راتبه الشهري البالغ 15 دولارا من عمله كمراقب عمال.

ومثل كثيرين غيره من السوريين لا يكفي الدخل من عمل واحد لسد احتياجات العبيد البالغ من العمر 52 عاما إذ يتعين عليه إطعام أسرته المكونة من زوجته وأولاده الستة.

قال لرويترز في اتصال بالفيديو من بيته في أحد الأحياء الفقيرة بالعاصمة السورية "والله كل مرة قبل ما أنام باحكي باتمنى تيجي قذيفة وتموتني وانتهي من هالعيشة".

والمشاكل التي يواجهها العبيد شائعة بين سكان سوريا الباقين في البلاد ويقدر عددهم بنحو 17 مليون نسمة بعد عشر سنوات من بدء الحرب الأهلية التي أتت على الاقتصاد وتسببت في سقوط مئات الآلاف من القتلى ونزوح أكثر من 11 مليونا، أي حوالي نصف السكان قبل الحرب، عن بيوتهم. ويواجه الرئيس بشار الأسد، الذي استطاع سحق التمرد تقريبا بدعم

قوات روسية وإيرانية، تحديا لا يقل صعوبة عن التصدي للانتفاضة يتمثل في إعادة بناء البلد بعد ما حاق بها من دمار في وقت تشتد فيه الرياح المعاكسة على الصعيد الاقتصادي.

وحتى الآن لم يحل السلام بالبلاد. فتركيا التي تنتهج نهجا مضادا تسيطر على مساحة من الأرض في الشمال الغربي حيث يعيش عدد كبير من أربعة ملايين نازح خرجوا من بيوتهم هربا من قصف القوات السورية ويعتبرون أنقره قوة حامية لهم.

وللولايات المتحدة وجود عسكري محدود في الشمال الشرقي يدعم قوات كردية في منطقة تقع فيها حقول نفط رئيسية وتشتهر بزراعة جانب كبير من محصول القمح في البلاد.

والآن تبدو آفاق الانتعاش الاقتصادي ضعيفة في ضوء اشتداد العقوبات الأمريكية والانهيار المالي في لبنان المجاور وتأثر تحويلات السوريين العاملين في الخارج بجائحة كوفيد-19 وعجز الحليفين روسيا وإيران عن تقديم المساعدات الكافية.

وقال رجل الأعمال السوري البارز خليل طعمة الذي يتخذ من دمشق قاعدة لأعماله "ما عندك مصادر القطع الأجنبي. لا النفط والقمح موجود. وكله بندفع عنه عملة صعبة. موارد الحكومة محدودة".

ولم ترد الحكومة على استفسارات عن سجلها الاقتصادي وعن مشاعر الاستياء الناجمة عن تدهور الأوضاع المالية للشعب.

وفي خطب بثها التلفزيون على مدى السنة الأخيرة، قال الأسد إن العقوبات الغربية هي السبب في مشاكل سوريا الاقتصادية وأشار أيضا في أواخر 2020 إلى الأزمة المصرفية اللبنانية التي حالت بين المودعين السوريين وأموالهم المودعة فيها.

ويقدر البنك الدولي أن القيمة الإجمالية المتراكمة لما ضاع على الناتج المحلي الإجمالي السوري بسبب الحرب الأهلية من 2011 إلى 2016 تبلغ 226 مليار دولار.

وفي فترة أقرب انهارت القوة الشرائية مع انهيار العملة السورية التي بدأت الهبوط في أواخر 2019 وبلغت مستوى متدنيا جديدا عند 4000 ليرة مقابل الدولار في الشهر الحالي.

وصدرت ورقة نقد جديدة فئة 5000 ليرة سورية في يناير كانون الثاني الماضي 2021 لتصبح تذكارا في نظر البعض بخطر التضخم الجامح رغم أن الحكومة قالت إن التضخم ليس هو السبب في إصدار الفئة الجديدة.

وقد أدى هبوط العملة السورية إلى محو جانب كبير من دخل العبيد. فقد كانت قيمة راتبه أكثر بكثير عندما كان يغير العملة بسعر 47 ليرة للدولار قبل نشوب الصراع.

وأكثر ما يؤلمه أن يسمع أولاده وهم يقولون إنهم ينامون على الطوى [جائعين].

ويقول العبيد "ابني بيحكيلي ما شبعت. بيناموا ولادي بدون أكل".

* طوابير الخبز

كان نظام دعم أسعار المواد الغذائية سندا للعبيد إذ كان يضمن له الخبز الرخيص الثمن. لكن تصدعات بدأت تظهر على هذا النظام إذ يقول سكان إن فترة الوقوف في طوابير الخبز في مختلف أنحاء المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة تصل إلى خمس ساعات مع تراجع واردات القمح.

وقال شهود إن مشاجرات تنشب بين الواقفين في هذه الطوابير رغم أن المعارضة السافرة للسلطات لا تزال نادرة نسبيا وسط مخاوف من قمعها بالقوة.

ولم ترد الحكومة على استفسارات عما إذا كانت تسعى لوأد المعارضة.

ولا تزال الذكريات حية في الأذهان لما قوبلت به الاحتجاجات السلمية في العام 2011 من قوة مميتة الأمر الذي غذى انتفاضة على حكم الأسد تحولت إلى حرب متعددة الأطراف.

ويبدو أن انتفاضة أخرى على حكمه أمر مستبعد قبل الانتخابات التي تشهدها سوريا العام الجاري 2021 ويبدو من المؤكد أنه سيفوز فيها.

وقد قلصت الحكومة حصص الخبز والبنزين في محاولة لتقليل الهدر غير أن بعض رجال الأعمال يقولون إن السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة لا تحقق كلها الغرض منها.

وقال طعمة "هناك قرارات تشعر اليوم الحكومة بعرقلوا فيها الأمور بيدهم للأسف بدلا من تسهيلها".

وفي دمشق يقول بعض السكان إن المؤشرات على الضغوط الاقتصادية تبدو في كل مكان بما في ذلك المتسولون والمشردون الذين يجوبون شوارع الأحياء الراقية.

من ناحية أخرى يبدو أن الحياة التي اعتادت عليها النخبة السورية لم تُمس نسبيا في المجمعات السكنية المغلقة في حي يعفور القريب من طريق دمشق بيروت السريع.

وفي هذا الحي تعج مطاعم راقية بالزبائن.

وقال طعمة لرويترز "في عندك تطرف في الصرف على الرفاهيات من فئة تدفع بالعملة الصعبة وهلق مو وقتها".

وتعاني الطبقة المتوسطة المتعلمة في سوريا أيضا.

وفقد البعض آلاف الدولارات التي كانوا يدخرونها في بنوك لبنان التي كانت في وقت من الأوقات ملاذا آمنا وسط الحرب والعقوبات.

واعتاد ابراهيم شهلوب تاجر الأقمشة الذهاب إلى بيروت بانتظام لتحصيل الفوائد على مدخراته وتغطية احتياجات أسرته.

وبعد أن منعت البنوك اللبنانية المودعين من التصرف في حساباتهم تحت وطأة الانهيار المالي لم يعد بإمكانه الاستفادة من أمواله.

وقال شهلوب "الأمل الوحيد وقت كان فينا نطلع لأوروبا وما طلعنا. راح الأمل واندفن".

* موالون مستاؤون

لا يمكن لزيادات الرواتب لقدامى رجال القوات المسلحة والمؤسسة العسكرية أن تجاري الأسعار المتصاعدة، بل حتى في جبلة بمحافظة اللاذقية المطلة على البحر المتوسط، وهي معقل لأسرة الأسد، يقول بعض السوريين إنهم غير راضين عما آل إليه الوضع.

ويزين إسكندر نجوم العنصر السابق في إحدى ميليشيات الأسد جدران بيته بصور للزعيم ولشقيقه الراحل علي. وهو يتحدث باعتزاز عن زيارة الأسد لبلدته في أكتوبر تشرين الأول الماضي 2020 بعد أن داهمتها حرائق غابات.

ورغم التكريم الذي أسبغته الزيارة على البلدة، يشعر نجوم بالغضب من المسؤولين الذين يقول إنهم سرقوا أموالا كان الهدف منها تعويض المزارعين عن الحرائق التي اجتاحت المحافظة الساحلية وكانت الأسوأ من نوعها منذ عشرات السنين.

تساءل نجوم الذي فقد يده اليسرى في الاشتباكات "كيف بدنا نحارب الفساد والرشوة؟ كيف موظف يعيش بـ 60 ألف ليرة؟ هاي مكافأة إنه صمدنا بوجه الإرهاب عشر سنين؟"

ولم ترد الحكومة على سؤال عن آراء الناس في الفساد بين المسؤولين.

فقد هدأت احتجاجات نادرة على الأوضاع المعيشية في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة في العام الماضي 2020 غير أن مشاعر الإحباط لا تزال موجودة لتضاؤل إمدادات الخبر والوقود.

وقال سوريون مطلعون على اتجاهات التفكير لدى المسؤولين إن إحكام السيطرة على المعارضة يمثل أولوية قبل انتخابات الرئاسة.

ويقول بعض الناشطين إن الخوف من الاعتقال أخرس وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت في وقت من الأوقات عامرة بالتعليقات وذلك بعد القبض على عشرات الطلبة والموظفين العموميين وقاض وصحفيين بارزين لارتفاع أصواتهم بانتقاد سوء الأوضاع المعيشية وما يتردد عن الفساد.

وفي قضية حديثة العهد، ألقت السلطات القبض على الإعلامية هالة الجرف (54 عاما) وهي من المذيعات المشهورات في التلفزيون السوري ومن مؤيدي الأسد عند حاجز أمني قرب دمشق في يناير كانون الثاني الماضي 2021 وهي في طريقها إلى عملها وذلك بعد أن نشرت انتقادات للحكومة على فيسبوك.

وقالت رجاء الجرف شقيقة الإعلامية "تسليط الضوء على الفساد والمفسدين صارت جريمة أكبر من الفساد نفسه".

ولم ترد الحكومة على الفور على طلب للتعليق على قضية الجرف.

شارك صهيب إبراهيم الطالب الجامعي السابق في مظاهرات سِلمية ثم حارب مع المعارضة لاحقا بعد أن فقد والدته وشقيقته في ضربات جوية على جوبر التي تقع على مسافة كيلومترين إلى الشمال الشرقي من أسوار مدينة دمشق القديمة.

وهو لا يرى من جانبه فرصة تذكر لتجدد الاحتجاجات.

وأضاف إبراهيم "الاحتجاجات ما غيرت شي والنظام واجهها بالقمع.

ولم يحصل الشعب إلا على السوء ودفع ثمنا غاليا". رويترز 16 / 03 / 2021

 

 

[embed:render:embedded:node:32538]