متى تستعيد أوروبا مصداقيتها؟

"الاتحاد الأوروبي بات لا يكترث بحقوق الإنسان إن تعارضت مع مصلحته". ينتقد عضو البرلمان الأوروبي ديتمار كوستر فشل خطاب حكومات أوروبا إزاء انتهاك حلفائها بالشرق الأوسط لحقوق الإنسان ويرى أن سياسة الانعزال الأوروبية عن اللاجئين تنتهك قيم الاتحاد الأوروبي الأساسية. إسماعيل عزام حاوره لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ismail Azzam

صوت أوروبي صادح حول قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني وصمت أوروبي مستغرَب عن عشرات القضايا المشابهة في المنطقة الشريكة للاتحاد الأوروبي الناطقة بالعربية: فهل أضحت شعارات هذا الاتحاد القارِّي حول حقوق الإنسان مجرَّد أدوات للتوظيف السياسي؟ موقع قنطرة يطرح ثلاثة أسئلة على ديتمار كوستر -النائب في البرلمان الأوروبي عن الاتحاد التقدمي للاشتراكيين الديمقراطيين، وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني- المعروف بآرائه الانتقادية لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية.

****************

موقع قنطرة: لماذا تصمت أوروبا عندما يتعلّق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي؟ صحيح أنّ المنظمات غير الحكومية والبرلمان الأوروبي يجهران بهذا الانتقاد، لكن لماذا لا يقوم الحكام في أوروبا بالمثل؟ فهم ينتقدون روسيا بشدة حول قضية نافالني بينما لا نسمع لهم صوتا فيما يتعلق بقضايا الاعتقال السياسي في بلدان عربية عديدة.

 ديتمار كوستر: البرلمان الأوروبي يدين أي نوع من أنواع انتهاكات حقوق الإنسان في العالم بغض النظر عن الدولة التي وقعت فيها هذه الانتهاكات. وهذا يشمل الدول العربية، مثل مصر. ففي قرار البرلمان الأوروبي -الصادر في [تاريخ] 18 ديسمبر/كانون الثاني 2020 حول تدهور وضع حقوق الإنسان في مصر- ذُكِرَت قضية نشطاء "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" بالتحديد. وكما رأينا -من إطلاق سراح بعض أفراد هذه المبادرة المعتقلين الذين وردت أسماؤهم في القرار- فإن من شأن ضغط المجتمع الدولي أن يقود إلى بعض التحسينات، ولو كانت تدريجية.

على الاتحاد الأوروبي أن يراقب وضع حقوق الإنسان وأن يكون رد فعله بما يتسق مع ذلك. ويجب عليه الاستمرار في دعم المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية. ليس موقع الاتحاد أن يكون متواطئًا في سياسات قمعية لأنظمة سلطوية عبر تصدير الأسلحة لها أو دعمها بطرق أخرى.

إنفاذ حقوق الإنسان وضمان احترامها هو جزء أساسي لا يتجزأ من حماية القيم الإنسانية الديمقراطية والدفع بها قُدماً. وحين تقتضي الضرورة على الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي ممارسة الضغط على الدول المعنية [بانتهاكات حقوق الإنسان]، وذلك عبر عقوبات موجهة من أجل هذا الهدف، أو فرض حظر على الأسلحة، أو إصدار قرارات لضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان، مع الاستمرار في العمل مع -ودعم- القوى الديمقراطية النامية محليا والمجتمع المدني.

 

 

لقد تم انتهاك حقوق الإنسان وحُكْم القانون في قضية أليكسي نافالني، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين هو أمر من أسمى الأمور أهميةً. غير أنه ينبغي عدم تحويل نافالني إلى أيقونة، بقدر ما يجب أن تتحوّل قضيته إلى مثال حقيقي لجلب الانتباه إلى الانتهاكات الروسية والعالمية لحقوق الإنسان.

يجب على أوروبا أن تَجْهَر بدعمها العام للحقوق المدنية ونشطاء الحرية في روسيا. ولكن -كي نكون منصفين- الرأي العام يرى أن الاتحاد الأوروبي يركز على روسيا فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان، بينما يهمل ما يجري في بقية العالم. سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية مصابة بعدم الاتساق فيما يخص الدفاع عن الحقوق الأساسية.

موقع قنطرة: هناك من يقول إن أوروبا ليس لها خيار سوى الصمت مع الدول العربية، خاصة دول شمال إفريقيا، بما أنها تحتاجها في مجال مكافحة الإرهاب الدولي والحدّ من الهجرة غير النظامية. ولذلك تعطي لأنظمة هذه الدول "شيكاً على بياض" للاستمرار في سياساتها؟ هل تتفق مع ذلك؟

ديتمار كوستر: أولًا، يجب أن أوضح أن مكافحة الإرهاب لا علاقة لها بإجبار الناس على ترك أوطانهم، مهما كانت الأسباب. لذلك أرى أن السؤال يربط أمرين لا يرتبطان. فاليمين المتطرّف يستخدم ربطًا تضليليًا مماثلًا -متسمًا بعدم التمايُز- بين الهجرة وبين الأمن، وهو أمر ليس فقط غير صحيح من الناحية المعرفية، بل كذلك من شأنه أن يكون له عواقب سياسية واجتماعية بعيدة المدى. ففي هذه الحالة -وتحت ذريعة تطبيق سياسات أمنية- يصبح المهاجرون ضمنيًا في دائرة الاشتباه العام.

من المشاكل الكبيرة فيما يتعلق بسياسة الهجرة واللجوء الحالية هو أننا ندعم دولاً ونُكَلِّفها بمهمة منع الناس من الهجرة أو اعتراض طريقهم نحو أوروبا. هناك انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان على نطاق متزايد على حدود الاتحاد الأوروبي، ويبدو ألا أحد يكترث لذلك. واضح أن حقوق الإنسان لا تطبق بشكل منصف على الجميع. مثل هذه الانتهاكات تقوم بها مؤسسات تابعة للاتحاد الأوروبي كوكالة فرونتكس (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل) أو الدول الأعضاء نفسها.

البرلمان الأوروبي ليس لديه إلا القليل من التحكم بما يجري. مجموعة من النواب، بمن فيهم أنا، طلبنا أكثر من مرة تعاملًا مسؤولًا وشفافًا من قِبَل فرونتكس بما يتعلق بعملها، وأنا أرحب باضطرار الوكالة أخيرا الآن إلى الحديث بشكل علني. للأسف المقاربة الأوروبية الجديدة لسياسة اللجوء والهجرة "الاتفاقية الجديدة" لا تعير اهتمامًا لحقوق الإنسان، كل الاهتمام ينصب على مقترحات تهدف إلى الردع أو إعادة التوطين، وهذا يعني ترحيل المهاجرين [غير النظاميين] إلى بلدانهم أو إلى دول أخرى [طرف ثالث] خارج أوروبا. لقد تم إتقان إبقاء الهجرة خارج أوروبا، فنظرًا لعدم وجود طرق آمنة وقانونية أصبح اللجوء والهجرة كلاهما غير قانونيين.

من شأن الوضع أن يتغير فقط إذا توقفنا عن النظر إلى الهجرة على أساس أنها أمر يجب وقفه مهما كان الثمن. فهذه المقاربة غير ناجحة، [بل] علينا أن نناقش الأسباب وجذور القضايا، فالكثير من اللاّعدالة في العالم يتسبب فيها النظام الرأسمالي الغربي، فضلًا عن أن التدخلات العسكرية والحروب -التي تقودها الدول الغربية- تؤدي بدورها إلى البؤس الاجتماعي. من الضروري أن نتوقف عن تجريم الهجرة وكذلك من الضروري العمل على وقف الحروب والتجارة غير العادلة. لنبدأ بهذه المقاربة ولنرَ ماذا يحدث.

 

 

موقع قنطرة: هل تعتقد أن دور أوروبا -كما يقدمه حكامها- في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج قد تراجع بشكل كبير، أم أن هذا الدور أصلاً كان وهمًا؟

ديتمار كوستر: منذ تأسيسه، كان الاتحاد الأوروبي يُصِرّ على القيم الأساسية وضرورة تنفيذها [في العالم]، وهذا يشمل حماية الكرامة الإنسانية والحرية والديمقراطية وحُكْم القانون وحقوق الإنسان. الاتحاد الأوروبي هو أكبر مشروع سلام في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية - وهدفه هو دعم تنفيذ هذه القيم في جميع أنحاء العالم.

غير أنه خلال مرور السنوات، أضحت للاتحاد أجندات قوة تخصّ مصالحه، وإذا تعارضت هذه الأجندات مع حقوق الإنسان فحينها لا يتم أخذ حقوق الإنسان بعين الاعتبار.

سياسة اللجوء الأوروبية والأحداث على حدوده الخارجية ترخي بظلال قاتمة للغاية على الاتحاد الأوروبي [وتضعه في موقف سيء جدا]، فهو يسمح بأن تُداس حقوق الإنسان بالأقدام.

نحن نشهد حاليا وجود سباق حول من يعامل المهاجرين بشكل أسوأ. توجد حاجة مُلِحَّة للتحرك من أجل استعادة مصداقية الاتحاد الأوروبي. على الدول الأوروبية والمفوضية الأوروبية ووكالة فرونتكس إعادة محاذاة سياساتها [حتى تتسق] مع اتجاه القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي. فضلًا من ذلك نتوقع من الدول الشريكة للاتحاد الأوروبي أن تقوم بالخطوة ذاتها. وإذا لم يتحقق هذا الإصلاح فسيفقد الاتحاد الأوروبي آخر ما تبقى له من مصداقية.

 

 

حاوره: إسماعيل عزام

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

.....................

طالع أيضا

 

مقابل انتقادها لروسيا وتركيا والصين

لماذا تصمت أوروبا عن انتهاكات حقوق الإنسان في شمال إفريقيا؟

 

سياسة اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوروبي

الأوروبيون في حاجة إلى المهاجرين

 

"سبب تخلف المسلمين ليس الإسلام ولا الاستعمار"، بل:

"سلطوية تحالف مشؤوم بين رجال الدين والدولة"

.....................

 

 

 

[embed:render:embedded:node:41360]